المصطلح وترجمته عن اللغات الأخرى كتاب (الحروف) للفارابي

·

·

الفارابي

 المصطلح وترجمته عن اللغات الأخرى كتاب (الحروف) للفارابي أنموذجا

الكاتب : نضيد التل [(*)]

الملخص

يتناول البحث المصطلحات عند الفارابي ت (٣٣٩هـ-٩٥٠م) في كتابه (الحروف)، وطريقته في توضيحها، مقارنة بأسلوب أرسطو الذي يعد المرجع المعتمد للفارابي في كتابه، في ضوء الترجمة عن اللغات الأخرى، وفق منهج وصفي تحليلي يعرض بعض المصطلحات كنماذج من كتاب الفارابي؛ بهدف رصد المعاني العامية لها، وصلتها بالمعاني العلمية، في مستويات تختلف باختلاف السياقات، والبنى التركيبية، لبيان الأطوار المختلفة التي مرت بها المصطلحات عنده؛ عن طريق انتقاله من الأعم إلى الأخص، ومن المعاني المادية إلى المعاني الذهنية؛ ليوائم بين المصطلح اللغوي العربي، وبين ما يتضمنه من فكر يوناني؛ لإثبات اكتساب المصطلح العلمي المترجم أبعادا جديدة، تثبت ثقافة الفارابي، ونظرته الشمولية لعملية الترجمة.

الكلمات المفتاحية: الفارابي، الترجمة، المصطلح، الفلسفة.

المقدمة:

يتناول هذا البحث المصطلحات عند الفارابي ت (٣٣٩هـ-٩٥٠م) في كتابه (الحروف)، وطريقته في عرض هذه المصطلحات، وتوضيحها، وبيان توجيهاته اللغوية والفلسفية لها، في ضوء الترجمة عن اللغات الأخرى؛ عن طريق عرض المستويات التي تندرج ضمنها؛ بتقسيمها وفق مستخدميها إلى معان جمهورية، ومعان فلسفية، وبيان الفروق الاستعمالية للمصطلح المترجم، مقارنة بأسلوب أرسطو ت(٣٢٢ق.م) الذي يعد كتاب (الحروف) ترجمة لآرائه وخاصة في كتابيه (المقولات، وما بعد الطبيعة).

وقد سار البحث وفق منهج وصفي تحليلي يعرض بعض المصطلحات المترجمة مثل: (الجوهر، والعرض، والموجود) بوصفها نماذج دالة من كتاب الفارابي؛ بهدف رصد المعاني العامية لها، وصلتها بالمعاني العلمية، في مستويات تختلف باختلاف السياقات، والبنى التركيبية؛ لبيان الأطوار المختلفة التي مرت بها المصطلحات عنده؛ عن طريق انتقاله من الأعم إلى الأخص، ومن المعاني المادية إلى المعاني الذهنية؛ ليوائم بين المصطلح اللغوي العربي، وبين ما يتضمنه من فكر يوناني؛ الأمر الذي أكسب المصطلح العلمي المترجم أبعادا جديدة، تثبت ثقافة الفارابي، ونظرته الشمولية لعملية الترجمة، ومنهجه المتكامل فيها.

كما يهدف البحث إلى إثبات دور الفارابي في التأسيس لحركة ترجمة منظمة، تخضع لقواعد ما زال العمل بها جاريا حتى وقتنا الحاضر، مع تسليط الضوء على الأسس التي ينطلق منها الفارابي في تصنيفه لتلك المصطلحات المترجمة، ومن ثم بيان أثر ثقافة الفارابي الواسعة، واطلاعه على اللغات الأخرى في ترجمته وعرضه لمصطلحاته في كتاب (الحروف).

لم تكن الترجمة وليدة العصر العباسي الذي عاش فيه الفارابي؛ فقد ظهرت مجموعة من النشاطات في الترجمة خلال العصر الأموي كأعمال عشوائية؛ وجِدت تلبية لحاجات الزمن التي نشأت عن حكم العرب لشعوب غير عربية، وكان الجزء الأكبر من تلك الأعمال المترجمة وثائق إدارية، وبيروقراطية وسياسية وتجارية، تمت ترجمتها لأسباب تتعلق بتسيير الأمور، والحاجة إلى التواصل بين الحكام الجدد والشعوب المتعددة اللغات الخاضعة لهم. (غوتاس، ٢٠٠٣)

وبعد انتقال الحكم للعباسيين أخذت حركة الترجمة بالظهور بصورة أوضح؛ نتيجة مجموعة من العوامل- كان من أهمها: رعاية الخلفاء وبعض الأسر للترجمة، ورغبة بعض الوزراء والأطباء في الاطلاع على تراث الحضارات القديمة، وحاجة العرب إلى تراث الحضارات القديمة،…، وغيرها- (الجميلي، ١٩٨٦)، حتى إذا وصلنا للقرن الثالث الهجري وجدنا أن الدور الذي اضطلع به النقلة إبان حركة الترجمة كان له أثر بالغ في التقدم والتطور في شتى المجالات؛ بما عملوه من ترجمات وملخصات وتفاسير وشروح للعديد من الكتب المنقولة من اللغات الأخرى إلى العربية، في العلوم المختلفة لا سيما الفلسفة، وقد كان من أهمهم حنين بن اسحق، الذي اشتهر باتباعه أسلوب الترجمة بالمعنى، ومنهم أيضا يعقوب بن اسحق الكندي، وثابت بن قرة الحراني، وعمر بن الفرخان الطبري. (الجميلي، ١٩٨٦)

أما الترجمة في عهد الفارابي فقد كانت أكثر نضجا ووضوحا، وخاصة في ما يتعلق بالعلوم الفلسفية، انطلاقا من دورها في عملية التواصل الثقافي بين الحضارات، وانتشار مجالس المناظرات والجدل والحوار، التي كان لها عظيم الأثر في الاهتمام بالفلسفة اليونانية على وجه التحديد. وقد طرح الفارابي فكرة الترجمة، ونقل المعاني الفلسفية، في كتابه (الحروف) بفكر وأسلوب الفيلسوف اللغوي، الذي حاول الإحاطة بجوانب الموضوع ما أمكنه ذلك؛ انطلاقا من وعيه بضرورة نقل المعاني الفلسفية في الصناعات المختلفة إلى اللغة العربية، في ذلك العصر الذهبي الذي ازدهرت فيه الحياة الثقافية عند العرب، وبمختلف العلوم، بفضل الانفتاح على مؤلفات وكتب الأمم الأخرى عن طريق الترجمة، ونقل تلك المؤلفات من لغاتها إلى اللغة العربية (المقابلة، ٢٠٠٩)، كنتيجة حتمية لـ(لمثاقفة- وهي عمليات التبادل الفكري الثقافي بين الأمم بعيدا عن أي ملازمة عنصرية-) (الزعبي، ٢٠٠٧) آنذاك.

ويعد كتاب (الحروف) للفارابي من أهم الكتب التي شرحت كتابي المقولات(١)، وما وراء الطبيعة) لأرسطو، كما أنه مرج ع تاريخي متميز في الربط بين الفلسفة الإسلامية واللغة، والذي طرح من خلاله المؤلف مجموعة من الموضوعات اللغوية وعالجها بمنظوره وثقافته الفلسفية، التي ساهمت بدورها في رفد اللغة بمجموعة من المصطلحات الفلسفية التي تم توظيفها للتعبير عن محاور لغوية مختلفة.

وقد اشتهر كتاب (الحروفِ) في الغرب كما يقول محسن مهدي بسبب ما جاء به الفارابي في الباب الثاني من الفصل الخامس والعشرين، والمعنون: “اختراع الأسماء ونقلها”، وسبب شهرة هذا الفصل أن المعلم الثاني لا يعرض فيه نظرية في الترجمة العلمية فحسب، بل علاوة على ذلك يحدد فيه طرق نقل المعاني الفلسفية من لغة إلى لغة أخرى ويجيب عن سؤال: كيف ينبغي أن تؤخذ المعاني الفلسفية عند التعليم؟ ويرسم بذلك نقاط الاتباع والإبداع الفلسفي بين العرب والإغريق (الخويلدي، ٢٠٠٧)؛ إذ يقول في هذا السياق: “ينبغي أن تؤخذ المعاني الفلسفية إما غير مدلول عليها بلفظ أصلا بل من حيث هي معقولة فقط، وإما إن أخذت مدلولا عليها بالألفاظ فإنما ينبغي أن تؤخذ مدلولا عليها بألفاظ أي أمة اتفقت والاحتفاظ فيها عندما ينطق بها وقت التعليم لشبهها بالمعاني العامية التي منها نقلت ألفاظها…فلذلك رأى قوم أن لا يعبروا عنها بألفاظ أشباهها بل رأوا أن الأفضل هو أن تجعل لها أسماء مخترعة لم تكن قبل ذلك مستعملة عندهم في الدلالة على شيء أصلا مركبة من حروفهم على عاداتهم في أشكال ألفاظهم…” (الفارابي، ١٩٨١)

وبالنظر في كتاب (الحروف) للفارابي نجد المؤلف يضع يده على جملة من الأسس التي ينبغي على المترجمين اتباعها وفق خطوات متسلسلة، لا يمكن لإحداها أن تسبق الأخرى، بتنظيم يدلّ على نظرة ثاقبة وتفصيلية في أبعاد علم؛ كان التطبيق فيه سابقا على التنظير.

هذا بالإضافة إلى اهتمامه ببيان المستويات المختلفة للفظ المترجم أو المنقول، والتي تظهر من خلال وضعه في سياقات دلالية، وبنى تركيبية مختلفة تتغير باختلاف المعاني المدلول عليها، وبما يتناسب مع اللغة المترجم إليها.

والفارابي في كتابه يذكر عددا من اللغات غير العربية، كـ (اليونانية، والسريانية، والفارسية، والسغدية)، مع التطرق في كثير من الأحيان إلى ذكر المترادفات في تلك اللغات، ومحاولة إيجاد البديل المكافئ للألفاظ المترجمة في اللغة العربية، خاصة عندما بحث عن المكافئ للأفعال المساعدة في اللغة العربية (الفارابي، ١٩٨١)، ومن أمثلة لجوئه إلى ذكر المترادفات في اللغات المختلفة الآتي:

  • اليونانية
  • الفارسية
  • السغدية
  • العربية

الوجود، الوجدان

كما يتطرق إلى معاني بعض الحروف، وتركيب بعض الألفاظ فيها. ومعرفته باللغات غير العربية أمر يشير إليه الذين ترجموا له، ولا سيما المتأخرون، أما العربية فالقدماء مجمعون على حسن عبارته وصحتها، وحسن إشارته فيها في علوم شاع فيها قبله سقم العبارة وغموضها. (الفارابي، ١٩٨١)

وتلك الثقافة الواسعة بمعرفة اللغتين المترجم منها، والمتر جم إليها، معرفة تامة-كما هو الحال عند الفارابي -أمر لا بد منه لكلّ من يتصدى لعملية الترجمة، وفي ذلك يقول الجاحظ ت(٢٥٥هـ-٨٦٨م): “ولا بد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة، في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها، حتى يكون فيهما سواء وغاية، ومتى وجدناه أيضا قد تكلم بلسانين، علمنا أنه قد أدخل الضيم عليهما، لأن كل واحدة من اللغتين تجذب الأخرى وتأخذ منها، وتعترض عليها، وكيف يكون تمكن اللسان منهما مجتمعين فيه، كتمكنه إذا انفرد بالواحدة، وإنما له قوة واحدة، فإن تكلم بلغة واحدة استفرغت تلك القوة عليهما، وكذلك إن تكلم بأكثر من لغتين، وعلى حساب ذلك تكون الترجمة لجميع اللغات. وكلما كان الباب من العلم أعسر وأضيق، والعلماء به أقلّ، كان أشد على المترجم، وأجدر أن يخطئ فيه.” (الجاحظ، ١٤٢٤هـ)

وما فعله الفارابي في كتابه (الحروف) ليس مجر د نقل، أو ترجمة حرفية لكتابي (المقولات (٨)، وما بعد الطبيعة) لأرسطو، وإنما هو شرح، وتفسير، وتعبيد لطريق كل راغب بتعلم فلسفة اللغة، بأسلوب سلس بعيد عن تعقيدات الفلاسفة، وغموض النحويين في كثير من الأحيان.

ولم يكتف الفارابي في كتابه بترجمة بعض المصطلحات من لغات أخرى إلى العربية وتقديم الشروح لها؛ بل قام “بالتعريف بما عمله المترجمون عند نقلهم هذا المصطلح من اليونانية والسريانية، وتفسير المعاني العامية وصلتها بالمعاني العلمية، ثم البحث في أصل اللغة، واكتمالها، وعلاقتها بالفلسفة والملة”. (الفارابي، ١٩٨١)

ويذكر أن أوائل المترجمين والشارحين -ومنهم: يوحنا بن البطريق، وعبد المسيح ناعمة الحمصي -(الجميلي، ١٩٨٦)، قد واجهتهم مشكلة المصطلح الفلسفي بحد ذاته؛ نتيجة اتباع الأسلوب اللفظي وفاء للمعنى؛ وذلك لافتقارهم إلى المرادفات في مرحلة أولى، الأمر الذي حملهم على التعاطي مع اللغة والفكر بمنحى أصولي بحت حافظ على قدسية اللغة في نحوها وقواعدها، (جهامي، ١٩٩٠)، و(عفيفي، ١٩٩٧) “فنجد إسحق مثلا يستعمل لفظ “قاطيغوريا”، و”أنالوطيقا”، وهذا النقل الحرف ي للمصطلحات اليونانية أدى إلى الإخلال بمبدأ التفاوت بين المعجم اليوناني، والمعجم العربي في كثير من الأحيان؛ إذ ليس كلّ لفظ يونان ي يقابله بالضرورة لفظ عربي، والإخلال بمبدأ التباين بين طرق التركيب في العربية وطرق التركيب في اليونانية”. (حمود، (٢٠٠٣

وهنا لا بد من الإشارة إلى الفرق بين المترجم والفيلسوف؛ فبينما يعنى المترجم بنقل، وترجمة نصوص لغة ما سواء في ذلك أكانت ترجمة حرفية أم ترجمة معنوية، فإن همه الأكبر هو إيجاد البديل المعنوي في اللغة المترجم إليها مراعيا قواعدها وضوابطها؛ فالترجمة “مشروطة بشرطين متلازمين، أولهما: الفهم التام الدقيق لمفهوم المصطلح الأجنبي، ثانيهما: أن يكون المصطلح العربي المقابل مناسبا نطقا وصياغة، خاليا من الشذوذ والإغراب في أصواته وبنائه، أي: أن تكون صورته النطقية مقبولة مستساغة وشكله الصرفي مأنوسا، بحيث يسهل استخدامه بطريقة تعمل على استقراره وانتشاره في الوسط العلمي المعين. فإذا كان المصطلح العربي المناسب موجودا بالفعل فبها ونعمت، وإلا تم اللجوء إلى ابتكاره بطريق التوليد.” (بشر، ١٩٩٨، صفحة ٣٢٥)

أما الفيلسوف فإن همه الأكبر هو نقل فكره وفلسفته بغض النظر عن الطريقة التي يلجأ إليها؛ فاللغة لديه وعاء ناقلٌ عليه العناية به من أجل الحفاظ على صحة فكره وفلسفته. ومن ثم فإننا نلحظ أن الفارابي قد جمع بين الاثنين؛ فكان مثال المترجم الفيلسوف.

وقد أشار أحد الباحثين إلى دور آراء أرسطو اللغوية في انتشار أسلوب الترجمة الحرفية؛ “حيث أصبح المنطق الأرسطي مبدأ ومرشدا في التدليل والتعليل، وبدأ المترجمون الذين اتبعوا منطق أرسطو يميزون خمس حالات للكلمة: وهي: (النسق الصوتي، والنسق الدلالي، والنسق النحوي، والنسق الصرفي، والنسق المعجمي)؛ فإن اللفظ هو الصيغة الخارجية للكلمة، والمدلول للفكرة التي يستدعيها اللفظ، والعلاقة التي تربط اللفظ بمدلوله وتمكن كل منهما استدعاء الآخر في المعنى، وفقدان معنى الكلمة يعني فقدان العلاقة بين الكلمة ومدلولها، والنص لا معنى له إن لم يوصل النص المترجم بعالم القارئ.” (الحمد، ٢٠٠١)

ولكن الفارابي قد تجاوز هذه المشكلة؛ بلغته التي تحمل في طياتها ثقافة كبيرة، واطلاعا واسعا على اللغات الأخرى من جهة، والاطلاع على ما جاء به السابقون من جهة أخرى، الأمر الذي أتاح له الخروج من نطاق الترجمة الحرفية لما جاء به أرسطو -وذلك كما شاع عند كثير من أوائل المترجمين -إلى نطاق أكبر مكنه من ترجمة الألفاظ، والمصطلحات بصورة أدق مما كانت عليه في السابق.

وليس أدلّ على ذلك مما جاء به الفارابي في كتابه (الألفاظ المستعملة في المنطق)؛ في عدم وقوفه على اللفظ اليوناني بعد استعارته؛ وإنما قام برفده بترجمته في اللغة العربية، ومن ذلك حديثه عن أجزاء صناعة المنطق بقوله: “(المقولات) وهي: المعقولات المفردة، و(باري مينياس) ومعناه: العبارات، و(أنالوطيقا الأولى) ومعناه: التحليلات بالعكس، و(أنولوطيقا الثانية والأخيرة): وهي التي تشتمل على تبيين أمور البراهين وعلى التي بها تلتئم البراهين وعلى ما هي مضافة إلى البراهين، و(طوبيقا) ومعناه: المواضع، ويعني بها الأمكنة التي بها يتطرق في كلّ مسألة إلى انتزاع الحجج في إثباتها وإبطالها، و(سوفسطيقا): وهي المغالطات التي قصد مستعملوها أن يظن بها علما أو فلسفة من غير أن يكونوا كذلك، (سوفسطس): حكمة مموهة، (ريطوريقا): الخط بيات والبلاغيات، و(أبويطيقا): الشعريات.” (الفارابي، ١٩٠٠)

ولم يقف الفارابي عند ترجمة المصطلحات اليونانية وشرحها، وإنما يتبع شرحه وتفسيراته بأمثلة من اللغة العربية، ومن لغات أخرى أحيانا؛ تسعى لتقريب الفكرة إلى القارئ بأسلوب تعليمي سهل خال من التعقيدات.

ويحاولُ الفارابي رسم معالم الطريق لمن يسعى لترجمة مصطلحات، أو نصوص لغة ما إلى أخرى، كما يركز على أهمية التفريق بين المعاني الفلسفية المتفقة أسماؤها، وغير المتواطئة أسماؤها، والمتوسطة بينهما عند نقلها إلى العربية، -وقد عالج بعض الباحثين هذه المسألة عند الفارابي في مؤلفاتهم، ومنهم: زياد الزعبي في كتابه (المثاقفة وتحولات المصطلح)، وزينب عفيفي في كتابها (فلسفة اللغة عند الفارابي) -وعملية نقل واختراع الأسماء الفلسفية عند الفارابي ترتكز على محورين أساسيين، يحددهما بقوله: “إذا احتاج واضع الملة إلى أن يجعل لها أسماء فإما أن يخترع لها أسماء لم تكن تعرف عندهم قبله، وإما أن ينقل إليها أسماء أقرب الأشياء التي لها أسماء عندهم شبها بالشرائع التي وضعها. فإن كانت لهم قبلها ملة أخرى فربما استعمل أسماء شرائع تلك الملة الأولى منقولة إلى أشباهها من شرائع ملته. فإن كانت ملته أو بعضها منقولة عن أمة أخرى فربما استعمل أسماء ما نقل من شرائعهم في الدلالة عليها، بعد أن يغير تلك الألفاظ تغييرا تصير بها حروفها وبنيتها حروف أمته وبنيتها ليسهل النطق بها عندهم.” (الفارابي، ١٩٨١، صفحة ١٥٧-١٥٨)

 اختراع الأسماء ونقلها 

فعملية اختراع الأسماء ونقلها عند الفارابي تقع ضمن محورين رئيسين هما:

اختراع أسماء جديدة لم تكن موجودة من قبل، وهذا مثل لفظ (المنطق)، والذي يعبر عنه باليونانية بـ(لوغيا) Logia، والذي لم يستعمله أرسطو للدلالة على المنطق، وإنما دلّ به على العلم الذي تضمه العملية الكلامية، وقد اخترع العرب لفظ المنطق للدلالة نفسها. (الأعسم، ١٩٨٩)

وقد تحد ث الفارابي عن المنطق بتفصيل في كتاب (الألفاظ المستعملة في المنطق) موضحا الغرض من ذلك بقوله: “والغرض في هذه الصناعة هو تعريف جميع الجهات وجميع الأمور التي تسوق الذهن إلى أن ينقاد لحكم ما على الشيء أنه كذا أو ليس كذا، والتي بها تلتئم الجهات والأمور، وهي وحدها تكسبنا القدرة على تمييز ما تنقاد إليه أذهاننا هل هو حق أو باطل.” (الفارابي، ١٩٠٠)

اعتماد مبدأ المشابهة في استعارة بعض الأسماء، مع الاقتراض اللغوي إذا دعت الحاجة إليه؛ فمن مبدأ المشابهة نذكر ترجمة الفارابي لمقولة الكم التي قال فيها أرسطو: “وأما الكم، فمنه منفصل، ومنه متصل، ومنه ما أجزاؤه لها وضع بعضها عند بعض، ومنه ما ليس لها وضع. والمنفصل اثنان، العدد، والقول. والمتصل خمسة، الخط والبسيط والجسم، وما يشتمل على الأجسام ويطيف بها -وهو الز مان والمكان” (ابن رشد، ١٩٨٠، صفحة ٩٨)؛ فقد ترجم الفارابي (المصمت) بـ(الجسم)، ناظرا في ذلك إلى المشابهة في الخواص الفيزيائية للفظين: المترجم، والمترجم له.

ومن نقل اللفظ بتغيير بنيته ليسهل النطق بها: (الفلسفة)؛ فهي مصطلح معرب مشتق من كلمة يونانية، وهي فيلاسوفيا: وتعني محبة الحكمة، واشتقت منها لفظة الفلسفة بما يتلاءم والذوق العربي. (الأعسم، ١٩٨٩)

وهذه المحاور التي تنبه لها الفارابي لا تختلف كثيرا عن الشروط العامة التي نراها في الكتب المختصة بالترجمة في عصرنا الحاضر، والتي التزم بها القدماء من المترجمين العرب (الشهابي، ١٩٦٥) في ترجمتهم، وتعريبهم العلوم الأخرى، لا سيما اليونانية؛ فأشركوا ألفاظا لها دلالات متشابهة مع تلك اليونانية كـ(العنصر)، واستعاروا ألفاظا يونانية كـ (الأسطقس والهيولي)، ثم اخترعوا ألفاظا وأسماء جديدة معروفة عندهم؛ لشبهها بالمعاني العامية كـ(الجوهر، والعرض)، مما جعل عباراتهم الفلسفية تبدو مألوفة أحيانا مع الإبقاء على عروة الصلة بين اللغة العامية، واللغة الفلسفية بإشراك وتشابه وترتيب (جهامي، ١٩٩٠)؛ الأمر الذي يدلّ على اتساع أفق الرؤية عند الفارابي؛ بنظرته الشمولية الواضحة لعملية الترجمة، في مرحلة لم يكتمل فيها التنظير لعلم مستقل (علم الترجمة) على الرغم مما نجده من مراحل مبكرة لتطبيقه، بعكس ما نراه الآن من وقوف التنظير إلى جانب التطبيق وتوفر الإمكانات المساعدة في عملية الترجمة.

والفارابي إذ يترجم لنا المصطلحات العلمية الفلسفية اليونانية المطروحة عند أرسطو، فإنه يضعنا أمام بعدين: أحدهما نحوي لغوي، والآخر فلسفي، عن طريق وضع الألفاظ ضمن بنى تركيبية مختلفة، تعرض لنا المعاني والدلالات المحتملة في السياقات المتنوعة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر نستعرض ما جاء به الفارابي في مصطلحات (العرض، والجوهر، والموجود):

مصطلحات (العرض، والجوهر، والموجود)

العرض:

“العرض عند جمهور العرب يقال على كلّ ما كان نافعا في هذه الحياة الدنيا فقط؛ وقد يقال أيضا على كلّ ما سوى الدراهم والدنانير وما قام مقامهما،…، وقد يقال أيضا على كلّ ما توافت أسباب كونه أو فساده القريبة،…، وقد يقال أيضا على كلّ ما يقال عليه العارض، وهو كلّ حادث سريع الزوال.

وأما في الفلسفة فإن العرض يقال على كلّ صفة وصف بها أمر ما ولم تكن الصفة محمولا حمل على الموضوع، أو لم يكن المحمول داخلا في ماهيته. وهذان ضربان، أحدهما عرض ذاتي والثاني عرض غير ذاتي. والعرض الذاتي هو الذي يكون موضوعه ماهيته أو جزء ماهيته، أو توجب ماهية موضوعه أن يوجد له على النحو الذي توجب ماهية أمر ما أن يوجد له عرض ما. فإن ذلك العرض إذا حد أخذ ذلك الأمر في حد العرض. فما كان من الأعراض هكذا فإنه يقال إنه عرض ذاتي. وغير الذاتي هو الذي لا يدخل موضوعه في شيء من ماهيته، وماهية موضوعه لا توجب أن يوجد له ذلك العرض. فهذا هو معنى العرض في الفلسفة.” (الفارابي، ١٩٨١، صفحة ٩٥)

عالج الفارابي مصطلح (العرض) عن طريق التفريق بين المعاني الجمهورية، والمعاني الفلسفية للمصطلح؛ فالعرض عند الجمهور يطلق على ما كان شيئا ماديا محسوسا، وجوده مؤقت غير دائم، أما ما كان معنويا قليل المكث سريع الزوال، فإن الجمهور يطلقون عليه (انفعالات)، سواء أكانت نفسية أم جسمانية، وهذا ما يسميه الفارابي (العوارض)، ومن الغريب قصر الفارابي معنى (العرض) على الشيء النافع فقط، بينما يجعل العوارض تشمل النافع والضار!

أما (العرض) عند الفلاسفة فإنه ينحصر في كونه صفة، ولكن هذه الصفة مشروطة بشرطين:

  • أن لا تكون الصفة خبرا لمبتدأ.
  • أن لا يكون الخبر جزءا من ماهية المبتدأ.

ومن ثم فإن الفارابي يربط معنى العرض عند الجمهور بالوجود وعدمه، أما عند الفلاسفة فالعرض مرتبط بعدم دخول الصفة في ماهية الموضوع؛ فالعرض عندهم لا يقوم بنفسه بل يحتاج إلى موضوع يحل فيه.

ويشرح البغدادي، تعريف (العرض) عند الفلاسفة، فيقول: “والعرض هو الموجود في موضوع، وفسروا الموجود في موضوع؛ بالموجود في شيء ليس هو جزء منه، أعني من الشيء الذي هو فيه، ولا يصح وجوده دون ما هو فيه، أعني لا يصح وجود الشيء الواحد المعين منه، إلا في الشيء المعين الذي هو موجود فيه” (البغدادي، ١٣٥٧هـ، صفحة ٧٣).

الجوهر:

يعد مصطلح الجوهر من المصطلحات الجدلية بين الفلاسفة أنفسهم من جهة، وبينهم وبين علماء الدين من جهة أخرى؛ وذلك لما يتخذه من أبعاد دينية وعقدية مختلفة عندهم، “فقد أطلق الفلاسفة المتقدمون؛ كأرسطو، وأمثاله، لفظ الجوهر على الله -تعالى-، وعنهم أخذت النصارى هذه التسمية، وأما المتأخرون من الفلاسفة؛ كابن سينا، فقد منع من إطلاق لفظ الجوهر على الله؛ لأنه يقول: الجوهر ما إذا وجد كان وجوده لا في موضوع، وهذا إنما يكون فيما وجوده زائد على ذاته، وواجب الوجود وجوده عين ذاته، فلا يكون جوهرا، ونفى الجوهر عن الله نفاة الصفات، الذين يقولون إن الجوهر ما شغل الحيز، وحمل الأعراض، قالوا: والله -سبحانه وتعالى- ليس كذلك”. (ابن باجه، ١٩٦٨)، و(العمرو، ١٤٣٣هـ، صفحة ٢٥٩)

ولكن الفارابي عرض المصطلح بعيدا عن أي بعد عقدي أو ديني؛ حيث شرح المصطلح وفق استعمالاته الجمهورية والفلسفية؛ فقال في كتاب (الحروف): “المعاني التي يقال عليها الجوهر عند الجمهور… كلها تنحصر في شيئين، أحدهما الحجارة التي في غاية النفاسة عندهم، والثاني ماهية الشيء وما به ماه يته وقوام ذاته -وما به قوام ذاته إما مادته وإما صورته وإما هما معا. ويكون الجوهر عندهم إما جوهرا بإطلاق وإما جوهرا لشيء ما.

وأما في الفلسفة فإن الجوهر يقال على المشار إليه الذي هو لا في موضوع أصلا. ويقال على كلّ محمول عرف ما هو هذا المشار إليه من نوع أو جنس أو فصل، وعلى ما عرف ماهية نوع نوع من أنواع هذا المشار إليه وما به ماهيته وقوامه -وظاهر أن ما عرف ما هو نوع من أنواع هذا المشار إليه فهو يعرف ما هو هذا المشار إليه، فلذلك تسمع المتفلسفين يقولون: “الحد” يعرف جوهر الشيء، ويدلّ “قوام” على جوهر الشيء. فإنهم يعنون بالجوهر ههنا الأشياء التي بالتئام بعضها إلى بعض تحصل ذات الشيء، وهي التي إذا عقلت يكون قد عقل الشيء نفسه ملخصا بأجزائه التي بها يقوم ذاته أو ملخصا بالأشياء التي بها قوام ذاته. فإن هذا المعنى الثالث من معاني الجوهر جوهر مضاف ومقيد بشيء.” (الفارابي، ١٩٨١)

يقول أرسطو في ذلك: “والجواهر صنفان: أول وثوان؛ فأما الجوهر الموصوف بأنه أول،…، وهو الذي لا يقالُ على موضوع ولا هو في موضوع، مثل هذا الإنسان المشار إليه والفرس المشار إليه. وأما التي يقال فيها إنها جواهر ثوان، فهي الأنواع التي توجد فيها الأشخاص على جهة شبيهة بوجود الجزء في الكلّ وأجناس هذه الأنواع أيضا. مثال ذلك أن زيدا المشار إليه هو في نوعه -أي في الإنسان -والإنسان في جنسه الذي هو حيوان.” (ابن رشد، ١٩٨٠، صفحة ٨٦-٨٧)

يتبع الفارابي في عرضه لمصطلح (الجوهر) الطريقة ذاتها التي اتبعها في (العرض)؛ فيذكر المعاني الجمهورية التي يستخدم فيها المصطلح عند العرب، ثم ينتقل لعرض المعاني الفلسفية التي يعنيها المصطلح عن طريق ترجمة ما جاء به أرسطو في مقولاته، مع إدراك الفارابي لاختلاف المستويات التي يقع اللفظ ضمنها حتى عند الجماعة الواحدة، وهذا ما يحدده السياق من جهة، والفئة المستخدمة للفظ من جهة أخرى.

وما نلحظه هو اتفاق الفارابي وأرسطو على انطلاق الجوهر من بعدين أساسيين هما (المادة، والصورة)، بينما يختلفان في عرضهما لمقولة (الجوهر) بما يلي:

ذكر الفارابي المعاني التي يحتملها المصطلح عند جمهور العرب، وهذا لم يرد عند أرسطو.

اختلاف أسلوب معالجة المصطلح من ناحية منهجية؛ فقد بدأ أرسطو بذكر أقسام الجوهر، ثم وصف كلّ نوع (رسمه)، أما الفارابي فإنه يبدأ بالوصف ثم التقسيم والشرح؛ فذكر المعاني المحتملة للفظ الجوهر عند الجمهور، ثم تطرق لمعانيه عند الفلاسفة.

استبدال الفارابي بعض المصطلحات بمصطلحات أرسطية أخرى، وهنا يظهر الفرق في الترجمة، وذلك على النحو الآتي:

  • الجوهر بإطلاق 
  • الجوهر المشار إليه الذي لا في موضوع
  • الجوهر الأول
  • كلياته (النوع، أو الجنس، أو الفصل)
  • الجواهر الثانية

وبالعودة إلى بيان الفرق بين المعاني الجمهورية والمعاني الفلسفية للمصطلح فإننا نلحظ تداخلا بين المعاني التي يرتديها المصطلح عند الجمهور، ومعانيه عند الفلاسفة، ومن ذلك قول الفارابي: “وأما المعنى الثالث فإنه جوهر مضاف، ونقل إليه هذا الاسم عن المعاني التي يسميها الجمهور الجوهر على أنه جوهر لشيء ما، مثل جوهر الذهب أو جوهر زيد أو جوهر هذا الثوب. فيكون المعنى الذي تسمي الفلاسفة جوهرا على الإطلاق إنما نقل إليه اسم الجوهر عن الذي يسميه الجمهور جوهرا على الإطلاق، والمعنى الذي تسميه الجمهور بالإضافة إلى شيء ما إنما نقل إليه اسم الجوهر عن المعنى الذي يسميه الجمهور جوهرا بالإضافة إلى شيء ما”. (الفارابي، ١٩٨١، صفحة ١٠٢)

الأمر الذي يدلّ على انطلاق معاني المصطلحات من واقع مادي، ليتطور فيما بعد ويتخذ أبعادا فلسفية عند فلاسفة اليونان، ومن ثم فإن اللفظ الواحد كما وضح الفارابي يتخذ دلالات متنوعة حسب السياقات المختلفة، بدليل تدرجه في ذكر المعاني المحتملة للفظ الواحد من المعاني المادية المحسوسة، إلى المعاني الذهنية، واكتساء اللفظ بمعنى فلسفي جديد لا يعني محو القيمة الأصلية التي كان يحملها عند الجمهور، وإنما هو تطور بإضافة معنى جديد إلى جانب المعاني المحتملة السابقة.

وهذا التطور في دلالات الألفاظ يكاد يلغي الفرق بين الاستعمالات الجمهورية والاستعمالات الفلسفية للفظ الواحد في بعض الأحيان، ومن ذلك ما نجده عند الفارابي في عرضه لمقولة (الشيء) التي يقول فيها: ” والشيء قد يقال على كلّ ما له ماهية ما كيف كان، كان خارج النفس أو كان متصورا على أي جهة كان، منقسمة أو غير منقسمة. فإنا إذا قلنا “هذا شيء” فإنا نعني به ما له ماهية ما. فإن الموجود إنما يقال على ما له ماهية خارج النفس ولا يقال على ما ماهية متصورة فقط، فبهذا يكون الشيء أعم من الموجود. والموجود يقال على القضية الصادقة، والشيء لا يقال عليها. فإنا لا نقول “هذه القضية شيء” ونحن نعني به أنها صادقة، بل إنما نعني أن لها ماهية ما. ونقول “زيد موجود عادلا” ولا نقول “زيد شيء عادلا”. والمحال يقال عليه “إنه شيء” ولا يقال عليه ” إنه موجود”. فالشيء إذن يقال على كثير مما يقال عليه الشيء وعلى ما لا يقال عليه الشيء.” (الفارابي، ١٩٨١، صفحة ١٢٨)

فلم يفرق الفارابي في هذه المقولة بين ما يستخدم فيه المصطلح عند الجمهور وعند الفلاسفة، وإنما شرح مصطلح (الشيء) بأسلوب يشعر القارئ باتفاق غير مصرح به على دلالة المصطلح عند الطرفين؛ فالشيء هو (الموجود) عند العرب، وهو (القضية الصادقة) عند الفلاسفة، وبما أن الفلاسفة تستخدم مصطلح (الصادق) لتعبر به عن (الموجود) فإننا حينئذ ندور في دائرة واحدة تحمل معاني (الشيء، والموجود، والصادق).

“الموجود في لسان جمهور العرب هو أو لا اسم مشتق من الوجود والوجدان. وهو يستعمل عندهم مطلقا ومقيدا، أم ا مطلقا ففي مثل قولهم “وجدت الضالة” و”طلبت كذا حتى وجدته”، وأما مقيدا ففي مثل قولهم “وجدت زيدا كريما” أو “لئيما”. فالموجود المستعمل عندهم على الإطلاق قد يعنون به أن يحصل الشيء معروف المكان وأن يتمكَّن منه في ما يراد منه ويكون معرضا لما يلت مس منه… وأما الذي يستعمل مقيدا في مثل قولهم “وجدت زيدا كريما” أو “لئيما” فإنما يعنون به عرفت زيدا كريما أو لئيما لا غير. وقد يستعمل العرب مكان هذه اللفظة في الدلالة على هذه المعاني “صادفت” و”لقيت”، ومكان الموجود “المصادف” و “الملقى” (الفارابي، ١٩٨١، صفحة ١١٠)

نلحظ من قول الفارابي السابق أنه يراعي السياقات اللغوية التي يستخدم فيها مصطلح (الموجود) عند جمهور العرب -وليس أهل اللغة -الأمر الذي يثبت ثقافته، ونظرته الشمولية لتوظيف المصطلح في إطارات متعددة؛ تتبع الفئات المستخدمة له، ولم يكتفِ الفارابي بذلك وإنما حاولَ رصد المرادفات للمصطلح في الدلالة ذاتها.

ثم ينتقل الفارابي لبيان دلالات المصطلح عند أهل الفلسفة بقوله: “فلما انتقلت الفلسفة إلى العرب واحتاجت الفلاسفة الذين يتكلمون بالعربية، ويجعلون عبارتهم عن المعاني التي في الفلسفة وفي المنطق بلسان العرب، ولم يجدوا في لغة العرب منذ أول ما وضعت لفظة ينقلون بها الأمكنة التي تستعمل فيها “استين” في اليونانية و”هست” بالفارسية، فيجعلونها تقوم مقام هذه الألفاظ في الأمكنة التي يستعملها فيها سائر الأمم، فبعضهم رأى أن يستعمل لفظة “هو” مكان “هست” بالفارسية و “استين” باليونانية. فإن هذه اللفظة قد تستعمل في العربية كبداية في مثل قولهم “هو يفعل” و “هو فعلَ”…، واستعملوا الوجود في العربية حيث تستعمل “هستي” بالفارسية، واستعملوا وجد ويوجد وسيوجد مكان كان ويكون وسيكون…وينبغي أن تعلم أن هذه اللفظة إذا استعملت في العلوم النظرية التي بالعربية مكان “هست” بالفارسية فينبغي أن لا يخيل معنى الاشتقاق، ولا أنه كائن عن إنسان إلى آخر،…، بل يستعمل في العربية دالا على ما تدلّ عليه ” هست ” في الفارسية و “استين ” في اليونانية. وتستعمل على مثال ما نستعمل قولنا ” شيء”…، فالموجود إذن يقال على ثلاثة معان: على المقولات كلها، وعلى ما يقال عليه الصادق، وعلى ما هو منحاز بماهية ما خارج النفس تصورت أو لم تتصور” (الفارابي، ١٩٨١، صفحة ١١٢).

وبذلك فإن الفارابي يشير إلى اختلاف دلالات اللفظ الواحد عند جمهور العرب، والفلاسفة، وإمكانية كون اللفظ دالا أو مدلولا؛ باختلاف المعاني التي يمكن للفظِ الواحد احتمالها، فهو تارة يستخدم (الموجود) للمحسوس الملموس، وتارة أخرى يستخدمه لما هو في الذهن، وقد أشار أحد الباحثين إلى: “أن الفارابي بإضفائه أبعادا جديدة على المعنى اللغوي للفظ ربما كان يتضمنه؛ فقام بتحليل بيان ي للألفاظ في أصولها (جذورها اللغوية)، ثم تركيب مش تقات جديدة عنها؛ لإكسابها معاني فلسفية تتلاءم إلى حد ما مع المعنى اليوناني الأرسطي بشكل عام؛ فقد قلب الفارابي نظام العلاقة بين اللفظ والمعنى عند النحويين، فالمعنى هو الذي يتحكم بطبيعة اللفظ [معنى (فكرة) -لفظ (عبارة) -محسوس (شيء)]، ومن ثم فإن مصطلحات كــ(الجوهر، والعرض، والموجود)، كلها ألفاظ أصلها مشت ق من الواقع المادي، وبعدها فلسفي يحاكي المعاني اليونانية (الأرسطية)” (جهامي، ١٩٩٠، صفحة ١٢٧-١٢٨)، ومن ثم فإن إدراك المعاني المختلفة والمتنوعة التي تعنيها الألفاظ يسهم إلى حد كبير في فهم المصطلحات الفلسفية التي تتكُئُ على تلك الألفاظ.

وبالنظر مرة أخرى إلى أسلوب الفارابي في ترجمة مقولات أرسطو بشكل عام، والسابقة منها بشكل خاص، فإننا نلحظ ما يلي:

تفريق الفارابي بين معاني المصطلح واستخداماته في اللغة

تفريق الفارابي بين معاني المصطلح واستخداماته في اللغة، وفي الفلسفة؛ فنراه دائم اللجوء إلى إتباع اللفظ عند اليونان بما يساويه في المعنى عند العرب ومن ذلك:

  • المشار إليه الذي لا في موضوع
  • الجوهر الأول

  • الكليات (النوع، والفصل، والجنس)
  • الجوهر الثاني
  • نفس
  • ذات
  • الإمكان
  • القوة
  • الصادق
  • الموجود

سعيه للتمييز بين معنى المصطلح ليس على صعيد اللغتين المترجم منها والمترجم إليها فقط، وإنما يحاول الإحاطة بمعنى الألفاظ والمصطلحات عند الفئات المستخدمة له أيضا، كالـ (الجمهور، والفلاسفة، وأهل الصنائع المختلفة).

اتبع الفارابي في ترجمته لمقولات أرسطو أسلوب الرسم، والشرح الكبير؛ فقد عرض لموضوعاته ومعانيه، وتعامل معها ككليات وماهيات مستقلة عن عباراتها، وألفاظها، ومصطلحاتها، وبيئاتها الخاصة؛ فلم يكتف بنصوص أرسطو وإنما كان يذهب لتأويلاتها المختلفة لدى الشراح (حنفي، ١٩٨١)، و(عبدالله، ٢٠٠٠)؛ فالمهم عند الفارابي إدراك ما قصده أرسطو، وليس النقل الحرفي الذي قد يخلّ بالمعنى، وقد صرح بذلك من خلال قوله: “فإنه ليس اقتفاء أرسطوطاليس في شرح ما كتبه من القوانين أن تستعمل عبارته وأمثلته بأعيانها حتى يكون اقتفاؤنا إياه على حساب الظاهر من فعله، فإن ذلك من فعل من هو غبي، بل اقتفاؤه هو أن يحتذي حذوه على حسب مقصودة…كما أنه ليس الاقتداء به أن نجعل العبارة عنها لأهل لساننا بألفاظ اليونانيين…، لكن الاقتداء به إيضاح ما في كتبه لأهل كلّ لسان ألفاظهم المعتادة.” (الفارابي، ١٩٨٦، صفحة ٦٨-٦٩)، و(حمود، ٢٠٠٣)

مراعاة الفارابي التدرج من المعنى الحسي إلى المعنى العقلي للفظ الواحد، عن طريق الانتقال من بيان المعاني المستخدمة للفظ الواحد عند أهل اللغة، والفلاسفة على حد سواء، وما ذلك إلا لأن الاصطلاح الفلسفي يشكل امتدادا لمعاني المصطلحات اللغوية العربية المحدودة إلى ما وراء الطبيعة مجردا إياها من لواحقها الكيفية والكمية، الأمر الذي يساهم في عملية تطوير المصطلحات وما تدلّ عليه. (عفيفي، ١٩٩٧)

لجأ الفارابي إلى أسلوب المترجمين في عصره، فعبر عن المصطلحات اليونانية بألفاظ عربية تارة، وبالتعريب تارة أخرى، وبالتعريف اللغوي والاصطلاحي تارة ثالثة، مع التزامه بتوضيحه اللغوي للمصطلحات الفلسفية بما هو موجود في اللغة نفسها؛ وذلك بتكثيفه الأمثلة من اللغة العربية، ومن ثم فقد رفدت ترجمة الفارابي لما جاء به أرسطو اللغة العربية بمصطلحات لغوية جديدة في الاستعمال، استطاع من خلالها أن يميز الاستعمال الاصطلاحي الفلسفي للمصطلح من الاستعمال الجمهوري على حد تعبيره، الأمر الذي يوحي لنا بوعي الفارابي الكامل بالفروقات الاستعمالية اللغوية للألفاظ والمصطلحات في أطرها المختلفة، وقد كان لذلك دور في تأثير الفارابي بمن جاء بعده من الشراح والمترجمين، في زمن لم تكن فيه الترجمة صناعة بحد ذاتها.

وإذا أمعنا النظر في الفرق بين المعاني الجمهورية والمعاني الفلسفية للمصطلح عند الفارابي، فإننا نلحظ أنه يركز على الاستعمالات اللغوية المادية للفظ عند الجمهور، وعندما يشير إلى المعاني الذهنية فإنه لا يذكر منها إلا المعاني القريبة المتبادرة إلى الذهن، وفي حال وجود معنى بعيد فإن الفارابي يوضح أن هذا المعنى قد استخدم على سبيل (المسامحة والتجوز) -على حد تعبيره -في بعض السياقات.

أما المعاني الفلسفية فهو يعالجها من حيث ارتباطها أو عدمه بالماهية أو الموضوع، منتقلا في ذلك من العام إلى الخاص بتدريج يظهر إحاطته بالمعاني الفلسفية التي يدلّ عليها المصطلح في السياقات المختلفة.

كثيرا ما يستخدم الفارابي مصطلح (الجمهور)، ولكنه لم يقصد به جماعة محددة بعينها، فهو يستعيره لأهل اللغة أحيانا، ولأهل صناعة ما أحيانا أخر، يقول الفارابي في ذلك: “لا ينبغي أن يستنكر علينا متى استعملنا كثيرا من الألفاظ المشهورة عند الجمهور دالة على معان غير المعاني التي تدلّ عليها تلك الألفاظ عند النحويين وعند أهل العلم باللغة التي يتخاطب بها الجمهور، إذ كنا ليس نستعملها بحسب دلالتها عندهم، إلا ما اتفق فيه أن كانت دلالته عند أهل هذه الصناعة بحسب دلالته عند الجمهور.” (الفارابي، ١٩٠٠، صفحة ٤٤)

على الر غم من كلّ الحيادية التي يبديها الفارابي في التعامل مع المصطلحات المترجمة ونقله لنصوص أرسطو المختلفة، إلا أننا نلحظ أحيانا انحيازه إلى الفلاسفة، الأمر الذي نستشفه من مثل قوله: “متى صادفت ما قد يتبين عندك أنه عرض لشيء ما قد استعمله الجمهور أو بعض أهل الصنائع في الجواب عن “ما هو الشيء” فليس ينبغي أن تظن أن العرض عند الجمهور أو عندنا حد يستعمل في الجواب عن “ما هو الشيء”، لكن ينبغي أن تعلم أن ذلك إذا استعملته في الجواب عن “ما هو الشيء” استعملته على أنه علامة للذات التي سبيلها أن تكون هي التي سئل عنها بحرف “ما هو” (الفارابي، ١٩٨١، صفحة ١٧٥)

فهو يجرد نفسه من كونه لغويا ويضم نفسه إلى الفلاسفة تارة، وينفرد برأيه تارة أخرى، وذلك كقوله: “رأى قوم أن يتجنبوها ويستعملوا الموجود مكان “هو” والوجود مكان الهوية. وأما أنا فإني أرى أن الإنسان له أن يستعمل أي هما شاء. ولكن إن يستعمل لفظة “هو” فينبغي أن يستعملها على أنها اسم لا أداة،….” (الفارابي، ١٩٨١، صفحة ١١٤-١١٥).

وبالنظر إلى كلّ ما سبق فإننا نلحظ كيفية بناء الفارابي لمصطلحاته المترجمة وتوضيحها بأسلوب تعليمي ينتقل فيه من الأعم إلى الأخص، وبعرضه لمقولات أرسطو في كتابه الحروف كان قد ابتدأ بالأعم أو ما عبر عنه بـ(الأجناس العالية)، والتي يمكن لباقي المقولات أن تندرج ضمنها، ثم بدأ بالتدرج إلى الأكثر خصوصية، مع ملاحظتنا للأطوار المختلفة التي مرت بها المصطلحات عنده حتى استطاع المواءمة بين المصطلح اللغوي العربي وبين ما يتضمنه من فكر يوناني؛ حتى أصبح للمصطلح العلمي المترجم أبعاد جديدة، تتم من خلالها تحقيق تلك الازدواجية في اللفظ الواحد.

فقد تعاطى الفارابي مع علاقة اللغة بالفكر بأسلوب مخضرم حاول من خلاله أن يؤكد عدم استغناء أي منهما عن الآخر؛ عن طريق اختيار أدق المصطلحات العربية المعبرة عن الفكر اليوناني، وتوسيع اللغة لتعبر عن ألفاظ، وتراكيب جديدة، تعكس ثقافة المترجم لها بأسلوب سلس، يتسم بالوضوح، والحرفية العالية في التعبير عن الأفكار المنقولة (جهامي، ١٩٠٠)، الأمر الذي أثبت خطأ أبي بشر متى بن يونس القنائي حين قال في مناظرته مع أبي سعيد السيرافي: أن لا حاجة بالمنطقي إلى تعلم اللغة وألفاظها، وأنه يكفيه من العربية أن يعرف الاسم والفعل والحرف، فإنه يستعين بهذا القدر إلى أغراض قد هذبها المنطق اليوناني. (التوحيدي، ١٩٠٠)

وقد كان وضوح اللغة دليلا على وضوح الفكرة، ومن ثم فإن سلامة اللغة ودقة التعبير ترتبطان ارتباطا وثيقا بسلامة التفكير، وكان الفارابي في كلّ ذلك يبحث عن أمثلته في اللغة العربية، ويشير أيضا إلى نظائرها في اللغة اليونانية، من أجل توضيح الفكرة وتقريبها إلى أذهان المتعلمين. (خليفة، ١٩٨٨)

وعلى الرغم من كلّ ذلك فقد اتهم محقق كتاب (تلخيص مقولات أرسطو لابن رشد) مؤلفات الفارابي الشارحة لمقولات أرسطو بأنها محدودة القيمة لمن ينشد فهم مقولات أرسطو؛ ففي الوقت الذي يفصل فيه أرسطو القول في أربعة مقولات فقط وهي: الجوهر، والكم، والإضافة، والكيفية؛ فإن الفارابي يفصل القول في المقولات العشر كاملة دون الإشارة إلى سكوت أرسطو عن الستة الباقية، كما يتهمون الفارابي بتغيير ترتيب أقوال أرسطو دون توضيح علة وقيمة ذلك!!! كما يتحدثون عن حذفه القول في الأسماء المتفقة، والأسماء المتواطئة، والأسماء المشتقة، على الرغم من أنها الأقوال التي بدأ فيها أرسطو كتابه (المقولات) دون تقديم تفسير لذلك، إضافة إلى قيام الفارابي بالحذف من جهة، والإضافة في جهة أخرى. (ابن رشد، ١٩٨٠)

ولكننا نقف إلى جانب أبي نصر الفارابي في هذا الصدد، فلا يجوز أن نحكم عليه بالتقصير في الإفهام لمجرد مخالفته ترتيب النص الأصلي لأرسطو؛ أو حذفه بعض ما جاء في كتاب المقولات؛ فالفارابي في كتابه (الحروف) لم يترجِم كتابا بعينه، وإنما جاء كتابه ليشكل مزيجا من آراء أرسطو في كتبه (المقولات، وما بعد الطبيعة، والبرهان، وحتى كتاب العبارة)، وإن كان جله ترجمة لكتابي (المقولات، وما بعد الطبيعة)، هذا من جانب.

ومن جانب آخر فقد حقق الفارابي -بثقافته العالية، وبسعة اطلاعه على اللغات الأخرى، وترجمته الدقيقة لمصطلحات أرسطو-، شروط الترجمة؛ في كونه متمكنا من اللغتين المترجم منها، والمترجم إليها، فلا يشترط بعد ذلك أن يتبع أسلوب أرسطو بحرفية كما فعل أوائل المترجمين والشراح.

يقول ابن الطيب البغدادي ت(٤٣٥هـ-١٠٤٣م) عن أسلوب أرسطو في مقولاته: “أنه يسلك في إيضاح ما يوضحه منها، طريقتي القسمة والرسم” (البغدادي 1.، ٢٠٠٢، صفحة ٢١١)، أما الفارابي فقد اتبع أسلوب الرسم والتفسير في ترجمته لمقولات أرسطو؛ فهي ترجمة تقوم على الوصف والشرح في كثير من الأحيان.

ولا شك أن الفارابي عندما ألف كتاب (الحروف) لم يكن بمعزل عما قام به السابقون له من ترجمة وشرح لكتب أرسطو، الأمر الذي شكل لديه نظرة شمولية استطاع من خلالها أن يبني ترجمته بالتأثر بما اقتنع به من السابقين أحيانا، وذلك كتأثره ببعض المصطلحات الواردة عند الفلاسفة السابقين له أمثال: (جابر بن حيان ت(١٩٩هـ-٨١٥م)، ويعقوب بن اسحق الكندي ت (٢٥٦هـ-٨٧٣م)، ومنها: (الحد، والفلسفة، والجوهر، والفاعل، والمنفعل، والصورة، والعنصر، والكمية، والكيفية، والقوة، والمحال، والمماسة،….).

أو انتقادهم وتخطئتهم، والإتيان بما هو أصلح في نظره أحيانا أخرى، ومن الأدلة على ذلك قوله: “…، ولما كانت عادة أرسطاطاليس في كثير مما يعرفه في أوائل هذه الصناعة أن يستعمل فيه نحو التعليم الذي يسمى إبدال الألفاظ، غلط لذلك جلّ من تكلف تفسير كتابه، فظنوا أن المقاييس وأجزاءها هي الألفاظ التي أبدلها أرسطاطاليس في التعليم مكان المعقولات،…، فالمقاييس هي معقولا ت ترتب في النفس متى ترتبت ذلك الترتيب أشرف الذهن بها على شيء آخر قد كان يجهله من قبل فيعلمه الآن.” (الفارابي، ١٩٠٠)

ومن الأدلة على اطلاع الفارابي على ما جاء به السابقون، استخدامه ألفاظا مثل: (وآخرون يرون، قوم زعموا، والقدماء، والنحويون)، أو ذكره أسماء بعض المفسرين الشارحين السابقين له مثل: (الإسكندر الأفروديسي، وبارمنديس، وأنطستانس الأثيني).

وعلى الرغم من كلّ ما قد يثار حول الفارابي من مغالطات إلا أن له فضلا كبيرا امتد أثره ليطال من بعده من فلاسفة ومفكرين، وإن كان كثير من علماء وفلاسفة المسلمين قد تناولوا مقولات أرسطو في مؤلفاتهم، إلا أن الفارابي يعد مرحلة لا يمكن الاستغناء عنها في ذلك. (البليدي، ١٩٧٤)

فقد كان للفارابي الفضل في التأسيس لعلم منظم يضبط حركة ترجمة المصطلحات، وفق قواعد ما زال المترجمون يتبعونها إلى يومنا هذا، وقد أثبت البحث دور الفارابي في إثبات مرور الألفاظ المصطلحات بمراحل تنتقل فيها من العموم إلى الخصوص، ومن المستويات المادية إلى المستويات الذهنية؛ تبعا للسياقات والبنى التركيبية المختلفة عند مستخدمي تلك المصطلحات، بعيدا عن التبعية والترجمة الحرفية التي ظهرت عند السابقين للفارابي.

المصادر والمراجع:

  • الأعسم، عبد الأمير، المصطلح الفلسفي عند العرب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٨٩م.
  • ابن باجة، محمد بن يحيى الأندلسي، رسائل ابن باجة الإلهية، تحقيق: ماجد فخري، دار النهار، بيروت، ١٩٦٨م.
  • بشر، كمال، دراسات في علم اللغة، دار غريب للطباعة والنشر، ١٩٩٨م.
  • البغدادي، أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا، المعتبر في الحكمة، جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، ١٣٥٧هـ.
  • البغدادي، أبو الفرج عبد الله بن الطي ب، الشرح الكبير لمقولات أرسطو، تحقيق: علي حسين الجابري وآخرين، بيت الحكمة، بغداد، ٢٠٠٢م.
  • البليدي، محمد الحسني، المقولات العشر، دار النجاح، بيروت، ١٩٧٤م.
  • التوحيدي، أبو حيان علي بن محمد، الإمتاع والمؤانسة، تحقيق: أحمد أمين، وأحمد زين، دار مكتبة الحياة، بيروت، ١٩٠٠م.
  • الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، ١٩٨٨م.
  • الجميلي، رشيد، حركة الترجمة في المشرق الإسلامي في القرنين الثالث والرابع للهجرة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ١٩٨٦م.
  • حنفي، حسن، الفارابي شارحا لأرسطو، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨١م.
  • الحمد، محمد عبد الحميد، حوار الأمم (تاريخ الترجمة والإبداع عند العرب والسريان)، المدى للطباعة والنشر، دمشق، ٢٠٠١م.
  • ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد، تلخيص كتاب المقولات، تحقيق: محمود قاسم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٠م.
  • الزعبي، زياد، المثاقفة وتحولات المصطلح، وزارة الثقافة، الأردن -عمان، ٢٠٠٧م.
  • الشهابي، الأمير مصطفى، المصطلحات العلمية في اللغة العربية في القديم والحديث، دمشق، المجمع العلمي العربي، ط٢، ١٩٦٥م.
  • عبد الله، محمد فتحي، مترجمو وشراح أرسطو عبر العصور، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، ٢٠٠٠م.
  • عفيفي، زينب، فلسفة اللغة عند الفارابي، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٧م.
  • العمرو، آمال بنت عبد العزيز، الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية، جامعة محمد بن سعود الإسلامية وكرسي الأميرة عنود بنت عبد العزيز لدراسات العقيدة والمذاهب المعاصرة، ١٤٣٣هـ.
  • غوتاس، ديمتري، الفكر اليوناني والثقافة العربية، ترجمة: نقولا زيادة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ٢٠٠٣م.
  • الفارابي، أبو نصر، الألفاظ المستعملة في المنطق، تحقيق: محسن مهدي، دار المشرق، بيروت، ١٩٠٠م.
  • الفارابي، الحروف، تحقيق: محسن المهدي، دار المشرق، بيروت، ١٩٠٠م.
  • الأبحاث العلمية:
  • جهامي، جرار، “حروف” الفارابي: لغة فلسفية أم فلسفة لغة؟ حوليات فرع الآداب العربية (معهد الآداب الشرقية)، ١٩٩٠م، ٥ (٥)، ١٢٥ -١٣٣.
  • حمود، جمال، الفارابي بين المنطق الأرسطي والنحو العربي، مجلة الجمعية الفلسفية المصرية، ٢٠٠٣م، ١٢ (١٢)، ١٠٩-١٢٢.
  • خليفة، عبد الكريم، اللغة والنحو في فكر الفارابي الفيلسوف، مجلة مجمع اللغة العربية الأردني، ١٩٨٨م، ١٢ (٣٤)، ١١-٢٦.
  • الخويلدي، زهير، نظرية الحد عند المناطقة العرب، ليبيا المستقبل-منبر الكتاب، ليبيا، ٢٠٠٧م.
  • الهوامش:
  • (١) ويطلق على المقولات (المحمولات، أو الموجودات العشرة).
  • [(*)]باحثة، جامعة اليرموك.