آثـار الفارابي في الفكر الفلسفي
الأستاذة: الدكتورة بليلي شفيعة / قسم الفلسفة المدرسة العليا للأساتذة
لقد كرّس الفارابي(259هـ / 872م ـ 339هـ / 950م) حياته كلها للفلسفة الحقة، وللفيلسوف بالحقيقة، فكان فيلسوفا بالحقيقة. تشكل فلسفته نواة كل فلسفة جاءت بعده، إسلامية كانت أو أوربية.
فالترجمات المختلفة التي ترجمت إليها كتبه في العالم كانت سببا في انتشار آرائه وأفكاره، وساعد هذا الانتشار على اطّلاع كثير من المفكرين على تراثه والاهتمام به، فنهل أكثرهم منه وسمحت الفرصة لبعضهم نقد آراءه وتمحيصها فنما المجال الفلسفي بسبب ذلك وصار الفارابي من بين العظماء الذين يستمر تأثيرهم استمرارا منجبا خصيبا، وهم في الواقع لا يختمون بحوثهم ولكن آثارهم تنجب إمكانات فكر لا تنضب. و من الذين استمر تأثير الفارابي فيهم أكثر من غيرهم تلاميذه، وهؤلاء منهم المباشرون أي الذين درسوا عليه، ومنهم غير المباشرين أي الذين عرفوا الفارابي واتخذوه أستاذا من خلال مؤلفاته.
ومن الزمرة الأولى نجد أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الله البغدادي، وأبا زكريا يحيى بن عدى المنطقي (280-364 هـ)، أفضل تلاميذة أبى نصر. وابن السراج النحوي (ت316 ه/929 م) الذي تعلم عنه الفارابي قواعد اللغة مقابل تعليمه المنطق، وإبراهيم بن عدى الحكيم الذي كان ” أخص خواص أبى نصر، وملازما له ومدون تصانيفه ” (1).
أما تلاميذه غير المباشرين فأشهرهم ابن سينا الذي يقول عنه ابن خلكان أنه تخرج بكتب الفارابي وبكلامه انتفع في تصانيفه(2) بل كثيرا ما يظن المرء أنه يرى ابن سينا في مرآة الفارابي، وبلغ حدّ تأثر ابن سينا بالفارابي إلى أن يقول أو ليرى: ” إن كل ما نلقاه فيما بعد عند ابن سينا وابن رشد موجود فعلا في صلب مادة تعاليم الفارابي”(3) ويكفي بابن سينا نفسه شاهدا على مدى استفادته بكتب الفارابي إذ يقول:
” قرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت أفهم ما فيه والتبــس علي غرض واضعه حتى قرأته أربعين مرة، وصار محفوظا وأيست من فهمه وقلت لاسبيل إلى فهمه. فبينما أنا يومــا بعد صلاة العصر في الوراقين وإذا بدلّال ينادي على مجلد فعرضه علي فرددته ردّ متبرم به معتقد أن هذا العلم لا فائدة فيه، فقال اشتره فإني أبيعك أياه بثلثة دراهم فاشتريته فإذا هو من تصانيف أبي نصر في أغراض ذلك الكتــاب فرجعت إلى بيتي وأسرعت إلى قراءته فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب وفهمته، وفرحت فرحـا شديدا وتصدقت ثاني يوم على الفقراء بشيء كثيرا ” (4).
هذا عن تلاميذه. وأما عن المفكرين والفلاسفة الذين تأثروا به فنذكر منهم المسلمين المتمثلين في اخوان الصفا وابن باجة وابن رشد وابن سبعين وابن عربي، وابن خلدون، والسهروردي والشيرازي وغيرهم. ِ
وأما الأروبيون، المسيحيون منهم واليهود، فهم إبراهيم بن داود الطليطلي وابن ميمون” وغيوم الأوفيرنىGuillaume d’Auvergne” و”ألبرت الكبير” Albert le Grandو فنسان دى بوفيه ” Vincent de Beauvaisالذي اقتبس من فلسفة الفارابي اقتباسات كثيرة، ظهرت واضحة في كتابه Speculum ” وجنديسالينوس” Gundissalinus ” والقديس توما الأكوينىSaint Thomas D’aquin الذي استعان بوصف الفارابي لإثبات وجود الله. كما لا ننسى روجي بيكون Roger Bacon واسبنوزا Spinozaالذي ذهب في آرائه مذهبا يشبه الفارابي.
وأما عن المجالات التي تأثر بها هؤلاء الفلاسفة فيمكن أن نصنفها إلى نوعين:
الأول شروحه وتفاسيره: استفاد ابن سينا (370- 428 هـ) من شروح الفارابي لكتب أرسطو وخاصة كتب”مابعد الطبيعة”، كما أخذ عنه أبو الفرج بن الطيب الجاثليق (ت435 هـ) تفسيره لقاطيغورياس. و من أكبر المستفيدين من شروحه المنطقية ابن رشد (520- 595 هـ )(5).
كما كانت لابن باجة(ت533هـ/1138م) سلسلة من التعاليق على منطق الفارابي وشروحه منها:
- 1 ـ التعليق على كتاب ايساغوجي
- 2 ـ التعاليق على كتاب العبارة
- 3 ـ التعاليق على كتاب القياس والبرهان للفارابي.
وميزة هذه التعاليق أن ابن باجة تبسط فيها تبسطا كبيرا فى تدبير عبارات الفارابي المنطقية و تحليلها و المقارنة بينها و بين أقوال أرسطو حينا و شرّاحه أحيانا.
وهي تشهد لأصحابها بالعلم الواسع فى حقل المنطق و بعد الغور فى تدبّر بعض هذه العبارات المستغلة. ويلاحظ أن أو فى هذه التعاليق تدور على كتاب”العبارة” و”البرهان”(6).
أما النوع الثاني من المجالات التي أثر الفارابي فيها فإنه يتمثل في الآراء التي أخذها عنه الفلاسفة من بعده أو اتبعوه فيها. ويظهر أن أعظم مفعول لفلسفة الفارابي كان على فلاسفة القرون الوسطى، إذ كان كل واحد منهم تربطه بالفارابي رابطة قرابة أو نسب في الفكر والرأي، فما من عنصر هام في فلسفتهم إلاّوله جذور في فلسفة الفارابي، وكلما أمعنا في دراسته ظهر لنا بجلاء أنه لم يكن فقط منبعا ينهل منه المفكرون في العصور الوسطى، بل كان أكبر أساتذته(7)، وما ظهور الرشدية اللاتينية التي كانت من بين المكونات الفكرية لفلسفة عصر النهضة إلّا مخاض الفلسفة العربية المتشبعة بآراء الفارابي وابن رشد.
هذا والميادين التي تأثر بها هؤلاء الفلاسفة تتمثل فيما يلي:
أولا:
تصنيف العلوم عند الفارابي
لقد كان الفارابي بكتابه ” إحصاء العلوم ” سبّاقا إلى وضع الموسوعات العلمية المختصرة، ولقد انتشر كتابه هذا في أوساط المفكرين والمصنفين، فحظى باهتمام كبير من قبلهم وأصبح فيما بعد ” نواة لعدة كتب ألفت في هذا الموضوع” (8). ومن بين الذين ساروا على منوال هذا الكتاب ونهلوا منه: اخوان الصفا( 334 -447 هـ) الذين ألفوا اثنتين وخمسين رسالة، خصصوا كل واحدة منها لمعالجة علم من العلوم المختلفة وهي تنقسم بصفة عامة إلى أربعة أقسام: رياضية وطبيعية ونفسانية وإلهية. ومنهم أيضا ابن سينا في كتابه ” الشفاء ” الذي وسّع فيه الحديث عن العلوم التي ذكرها الفارابي في إحصائه، ثم ابن نديم(ت438 هـ/995 م) في كتابه ” الفهرست ” وفخر الرازي (ت543هـ) في كتابه ” حدائق الأنوار في حقائق الأسرار” الذي تحدث فيه عن ستين علما. ومن هذا القبيل أيضا: رسالة ” إرشاد القاصد إلى أسمى المقاصد ” لشمس الدين محمد بن ابراهيم بن ساعد الأنصاري السنجارى(ت749هـ ) وهي رسالة تعرض فيها لعدد كبير من العلوم وذلك بإيجاز ويظهر أنه اقتبس في رسالته هذه شيئا معتبرا من إحصاء الفارابي، ثم كتاب ” مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم والمشهورين من أعلامها ” لطاش كبري زاده ( ت 968 هـ ) وكذلك كتاب ” مفاتيح العلوم ” لأحمد بن يوسف الخوارزمي( ت387 هـ ) وهو في مقالتين: أولاهما في علوم الشريعة وما يقترن بها من العلوم العربية. والثانية في علوم العجم من اليونانيين وغيرهم من الأمم. وقد عقد ابن خلدون( 732 -808 هـ ) في مقدمته فصلا في العلوم وأنواعها وطرقها وأنحائها، ثم قام بتلخيص هذه العلوم حاج خليفة( ت1067 هـ ) في مقدمة كتابه ” كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون “.
وقد سلك في أكثرها مسلك طاش كبرى زاده، وان كان قد تعرض له بالنقد حينا وبالنقل عنه والزيادة عليه حينا آخر(9) ومن هذه المؤلفات أيضا “أبجد العلوم” لأبى صديق حسن خان ملك بهوبال (1248 -1307هـ)، وكتاب ” كشاف اصطلاحات الفنون ” للمولوى التهانوى الهندى(كان حيا سنة 1158 هـ/1745م).
وأما واضعوا الموسوعات الأجانب في القرون الوسطى فقد تأثروا به أيما تأثر. وقد تعرض Baurإلى هذا التأثير على فلاسفة اللاتين عامة وعلى جنديسالينوس(ت1180م ) الذي كان كتابه” تقسيم الفلسفة ” بالخصوص ذائعا أيما ذيوع. ويظهر أن جند يسالينوس لم يقم إلا بنقل ما جاء به الفارابي في” الإحصاء” ما عدا بعض الإضافات.
ومن المشاهير الذين استفادوا من الكتاب فائدة جلية روجي بيكون(980-1036م) في كتابه” Opiustertium “(10).
إن هذه الأمثلة التي قدمنا ها عن تأثير الفارابي على من بعده بكتابه ” إحصاء العلوم” تدل على أهمية هذا الكتاب وأهمية تأثيره في الفكر الفلسفي، وتدلّ كما يقول عثمان أمين على أن الفارابي ” هو الذي رسم الخطة ووضع الحجر الأساسي لبناء موسوعات العلوم في اللغة العربية. ثم زادوا على ما كتب في بعض المواضيع، وساروا في تصانيفهم على نمط قد يوافق نمطه في ترتيب العلوم أو يخالفه…ومهما يكن من أمر هذا الاتفاق أو الاختلاف فإن للمعلم الثاني فضل السبق في هذا المضمار”(11).
ثانيا:
التوفيق بين الدين والفلسفة عند الفارابي:
كانت فلسفة الفارابي كلها محاولة بذل فيها مجهودات جبارة للتوفيق بين الفلسفة والدين، وما حديثه عن الواجب والممكن والفيض و النبوة وغيرها من المشاكل إلاّ مواضيع عبّر فيها عن إيمانه العميق بأن الفلسفة و الدين هدفهما واحد، وهو الحقيقة القصوى والسعادة القصوى، ولذلك فهما لا يتناقضان حتى ولو اختلف منهجهما.
ولقد ذهب ابن سينا مذهب الفارابي في الواجب والممكن والنبوة وكثير من الأشياء. ونجد قبله اخوان الصفا الذين امتازت فلسفتهم بالتوفيق والتلفيق، ولم يكن التوفيق لديهم بين الفلسفة والدين الإسلامي بل بين عدة مذاهب فلسفية وديانات كثيرة. وعلى الرغم من ذلك فإن اختلاف هذه المذاهب وهذه الديانات يشكل مبحثا واحدا لأنها تبحث عن الحق الواحد، فتراهم في كل رسالة يقدمون آراءهم الفلسفية في مواضيع مختلفة ثم يربطون هذه الآراء في خواتم رسائلهم بمسائل أخروية وأخلاقية، فيتحدثون عن الحشر والمعاد، والجنة والنار وأخلاق الرسل والأنبياء، ويقدمون في كل مرة آيات قرآنية أو أحاديث نبوية وأدعية، فيشعر القارئ من كل هذا أنه يقرأ الفلسفة والشريعة الإسلامية، وأن هذا الربط الذي بينهما إنما هو ربط ليس في الشكل والعبارات بل في المضمون والهدف.
إن الفلسفة في نظرهم خطر على غير العالم بالشريعة وأحكامها وأما من ” قد تعلم علم الشريعة، وعرف أحكام الدين، وتحقق أمر الناموس، فإن نظره في علم الفلسفة لا يضره، بل يزيده فيعلم الدين تحققا، وفي آمر المعاد استبصارا، وبثواب الآخرة وبالعقاب الشديد يقينا، واليها اشتياقا، وفي الآخرة رغبة، والى الله تعالى قربة” (12).
ومن بين السائرين على درب الفارابي في هذا الميدان أي ميدان التوفيق ابن طفيل ( ت581هـ / 1851م) وابن رشد. لقد بسط الأول فكرة الفارابي حول كمال الطريق الفلسفي نحو الحقيقة. وهذا الطريق لا يخالف طريق الدين أبدا، وذلك في قصة ” حي بن يقظان ” إذ كان حي رمزا للعقل الإنساني المتحرر من كل سلطة ومن كل المعارف السابقة، ومع ذلك يهتدي وينتهي إلى نفس الحقائق التي قال بها الدين الإسلامي..
وأما ابن رشد فقد خصص لهذا الموضوع كتابا سماه: ” فصل المقال وتقرير ما بين الحكمة والشريعة من اتصال “. ومن خلال عنوان الكتاب نفهم رغبة ابن رشد الشديدة في التأكيد على أن الفلسفة هي البحث في الموجودات بما هي موجودة، والشريعة لم تمنع هذا البحث بل دعت إلى اعتبار الموجودات بالعقل والنظر فيها ووجوب معرفتها وكل هذا إنما يزيد في الإيمان وفي معرفة صانع الموجودات، وهو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ويقدم ابن رشد للتدليل على أفكاره الآيات القرآنية التي تحثّ الناس على التفكير في مخلوقات الله ووجوب معرفتها ومن هنا كانت الحكمة لا تناقض الشريعة ولا تعاديها وإنما هي صاحبتها وأختها الرضيعة بل هما ” المصطحبتان بالطبع المتحابتان بالجوهر والغريزة” (13).
ويظهر أن محاولات التوفيق بين الفلسفة والشريعة وإيجاد الصلة بينهما قد أثرت كثيرا على تطوير الفكر الفلسفي الأوروبي في القرون الوسطى وأثارت العديد من النقاشات الحامية حول الروح وطبيعة المعرفة وتشكل المفاهيم العامة، فذهب توما الأكوينى (1227ـ 1274م) إلى أنه ليس هناك فى الحقيقة تناقض بين الإيمان و العقل أو بين الفلسفة و الاّهوت لأن” النظر فى الفلسفة كلها يكاد أن يكون جميعه موجها إلى معرفة الله (14) فهناك إذن توافقا على المستوى النظرى بين نتائج الإيمان و نتائج العقل، على الرغم من أن هذا التوافق لايبدو على المستوى العملى. فالفلسفة و الاّهوت يشكّلان قراءة واحدة كلّية.فلا العقل إذا مااستعملناه بطريقة صحيحة،ولا الوحي الصادر عن الإله يخدعاننا. والحقيقة أن توافق الحقيقة مع الحقيقة ضرورى(15). و للأكوينى فصل في كتابه”مجموعة الردود على الخوارج ” بعنوان:” فى أن حقيقة الإيمان المسيحى لا تضادها حقيقة العقل”، يؤكد فيه على وحدة الحقيقة كما قال بها الفارابى ثم ابن رشد.
كما ذهب دومنيك الغوندسالفي أوجنديسالينوس (ت 1180م) وبعده غيوم الاوفيرني Guillaume d’Auverngne(ت 1239م ) إلى الجمع بين الفارابي وأوغسطين (354ـ 430م) و بين وحدة العقل وبين الإلهام الصوفي الربانى(16).
ثالثا:
التمييز بين الماهية و الوجود عند الفارابي:
يكاد الداّرسون للفلسفة يتفقون على أن أول من قام بالتمييز بين الماهية و الوجود، هو الفارابى. و لقد نتج عن هذا التمييز،تقسيم الموجودات إلى الواجب و الممكن. يقول الفارابى:”الموجودات على ضربين:أحدهما إذا اعتبر ذاته لم يجب وجوده،و يسمى”ممكن الوجود”. و الثانى إذا اعتبر ذاته وجب وجوده و يسمى”واجب الوجود”. وإذا كان ممكن الوجودـ إذا فرضناه غير موجود لم يلزم منه محال، ولاغنى بوجوده عن علّة. وإذا وجب ــصارواجب الوجود بغيره.”(17)
أول من تأثر بهذا التمييز و التقسيم هو ابن سينا ثم تلاه ابن ميمون. يقول ابن سينا: ” كل موجود إذا التفت إليه من حيث ذاته من غير التفات إلى غيره: فإما أن يكون بحيث يجب له الوجود في نفسه، أو لا يكون. فإن وجب فهو الحق بذاته، الواجب الوجود من ذاته، وهوالقيوم. وإن لم يجب، لم يجز أن يقال: إنه ممتنع بذاته بعد ما فرض موجودا، بل إن قرن باعتباره ذاته شرطا. مثل شرط عدم علته، صار ممتنعا، أو مثل شرط وجود علته صار واجبا. وإن لم يقرن بما شرط، لا حصول علة ولا عدمها، بقي له في ذاته الأمر الثالث، وهو الإمكان، فيكون باعتبار ذاته الشيء الذي لا يجب ولا يمتنع. فكل موجود: إما واجب الوجود بذاته، أو ممكن الوجود بذاته “(81).
أما ابن ميمون(1135ـ1204م) فيرى أن كل ما لوجوده سبب، فهو ممكن الوجود باعتبار ذاته، لأنه إن حضرت أسبابه وجد، وان لم تحضر أو عدمت أو تغيرت نسبتها الموجبة لوجوده لم يوجد.وكل واجب الوجود باعتبار ذاته، فلا سبب لوجوده بوجه، ولا على حال (19).
و أكثر تأثرا بالفارابى فى هذا الموضوع من فلاسفة العصور الوسطى القديس توما الأكوينى الذى تناوله بالدراسة فى رسالة له تسمى”الماهية و الوجود” حيث قال فيها: ” كل ما لا يدخل في مفهوم الماهية أو الهوية فهو طارئ عليها من الخارج، ويؤلف معها مركبا لأنه لا يمكن تعقل أي ماهية دون أجزائها، بينما يمكن تعقل كل ماهية أو هوية دون تعقل وجودها فيمكن أن أعقل ما الإنسان وما العنقاء ؟ وأجهل إن كان لهما وجود في عالم الأعيان. فمن الواضح إذن أن الوجود شيء والماهية أو الهوية شيء آخر(20).
فالأكوينى يرى أن جميع المخلوقات وجودها غير ماهيتها، لأنها ليست سبب وجودها، فلو كانت هي نفسها علّة وجودها لتقرر وجودها قبل أن تكون قد حصلت على الوجود و هذا خلف. فمن الضروري إذا أن هذه الموجودات استمدت وجودها من غيرها أي من موجود خارج عنها، فوجود المخلوقات ليس شيئا مطلقا ولكن متلقى، لأجل ذلك فهو محدود بقدر طاقة المتلقى. ويكون الموجود الذي تتلقى منه المخلوقات وجودها، في نفسه وجودا محضا، مطلقا، أي أن ماهيته عين وجوده، وإلا احتاج إلى علة أخرى توجده أو يستمد منها وجوده، ولاستمر التسلسل في العلل إلى ما لا نهاية، ومثل هذا الموجود لا يمكن إلا أن يكون فريدا، وأول الموجودات، بل علة كل شيء وهو الإله. فكل موجود بغيره سببه واجب الوجود بذاته .
ولقد أنشأ الأكوينى من التمييز بين الماهية و الوجود دليلا أثبت به وجود الإله و هو دليل الواجب و الممكن جاء فيه: ” نجد في الأشياء ما يمكن وجوده وعدمه، إذ منها ما يرى معروضا للكون والفساد، وهكذا ممكنا وجوده وعدمه. وكل ما كان كذلك فيمتنع وجوده دائما، لأن ما يمكن أن لا يوجد فهو معدوم في حين ما. فإذا لو كان عدم الوجود ممكنا في جميع الأشياء للزم أنه لم يكن حيناما شيء، ولو صحّ ذلك لم يكن الآن أيضا شيء لأن ما ليس موجودا لا يبتدئ أن يوجد إلاّ بشيء موجود. فإذا لو لم يكن شيء موجودا لاستحال أن يبتدئ شيء أن يوجد فلم يكن الآن شيء وهذا بيّن البطلان. فإذا ليست جميع الموجودات ممكنة، بل لابد أن يكون في الأشياء شيء واجب. والواجب إما واجب لذاته أو لغيره. والتسلسل في الواجبات لغيرها مستحيل كاستحالته في العلل المؤثرة… فإذا لا بد من إثبات شيء واجب لذاته ليس واجبا بعلة أخرى بل غيره واجب به، وهذا ما يسميه الجميع الله”(21). و هذا الدليل كما نرى مأخوذ حرفيا من تقسيم الفارابى للموجودات إلى الواجب و الممكن.
رابعا:
نظرية الفيض عند الفارابي :
إن نظرية الفيض عند الفارابي نظرية فيها آراء تختلف عما هو لدى أفلوطين و هي عند اخوان الصفا نظرية فيها آراء قريبة جدا من آرائه.
فالله أفاض الوجود كما يفيض من عين الشمس النور وهذا الفيض متصل غير منقطع وأوله العقل الفعال،” وهو جوهر بسيط روحاني، نور محض، في غاية التمام والكمال والفضائل وفيه صور جميع الأشياء، كما يكون في فكر العالم صور المعلومات.وفاض من العقل الفعال فيض آخر دونه فى الرتبة يسمى العقل المنفعل، و هي النفس الكلية و هي جوهرة روحانية بسيطة قابلة للصور و الفضائل من العقل الفعال على الترتيب و النظام. و عن النفس فاضت الهيولى الأولى و هي جوهرة بسيطة روحانية،قابلة من النفس الصور و الأشكال.فأول صورة قبلت الهيولى الطول و العرض و العمق،فكانت بذلك جسما مطلقا و هو الهيولى الثانية.و وقف الفيض عند الجسم و لم يفض منه جوهرآخر لنقصان رتبته عن الجواهر الروحانية. فأول صورة عملت النفس في الجسم الشكل الكروي الذي هو أفضل الأشكال كلها، و حركته بالحركة الدورية التي هي أفضل الحركات، فتكون عالم الأفلاك الذي يضم إحدى عشرة كرة. و يلي عالم الأفلاك عناصر العالم السفلى من هواء و نار و تراب و ماء، و هي عناصر تختلط و تتوحد لتولد المعادن و النبات و الحيوان. و أما العقل و الهيولي الأولى و الطبيعة فهي جواهر بسيطة. و يبتدئ عالم المركبات عند الجسم(22).
هذا و ينبغي أن نشير إلى أن عملية الفيض هذه إنما هي فعل ضروري لأنه ليس من الحكمة أن يحبس الله فضائله في ذاته فلا يجود بها و لا يفيضها(23). وهذا القول يتناقض تماما مع قول إخوان الصفا بحرية الله و إرادته المطلقتين إذ أن العالم عندهم ” محدث مبدع مخترع كائن بعد أن لم يكن، و أن مبدعه و مخترعه و خالقه و مصوره هو البارئ جل جلاله، أبدعه كما شاء و كيف شاء بقوله تعالى ” كن ” فكان ” (24).
و يظهر أن مرجع هذا التناقض هو محاولتهم التوفيق بين ما يقول القران و ما تقول به الفلسفة الافلوطينية، و هي محاولة بذل فيها الفارابي جهودا كثيرة و لكن شاعت فيها أخطاء و تناقضات شتى .
كما تبنى نظرية الفيض أيضا ابن سينا الذي وافق الفارابي في عدة أمور حتى أنك عندما تقرأ له يخيل لك أنك تقرأ للفارابي، لقد تعرض ابن سينا للواجب والممكن وصفات واجب الوجود بنفس الكيفية التي تحدث عنها الفارابي وقال بالفيض أيضا كما قال به هذا الأخير إلا أنه وسّع وأسهب في شروحه فكان أكثر وضوحا من معلمه. فهو لا ينسب العلم فقط لله في عملية الفيض ولكن ينسب القدرة أيضا والإرادة، ويرى أن الله لا يصدر عنه الكل دون قصد، وأن قصده ليس على سبيل قصدنا كما أن الصدور ليس أمرا مانعا أو كارها في ذاته وإنما هذا الفعل ” من لوازم جلالته المعشوقة له لذاتها وكل ذات تعلم ما يصدر عنه ولا يخالطه معاوقة ما… بل هو راض بفيضان الكل عنه ولكن الحق الأول إنما فعله الأول وبالذات أنه يعقل ذاته التي هي لذاتها مبدأ النظام الأخير فى الوجود”(25).
وينطلق ابن سينا من المسلمة التي انطلق منها الفارابي و هي أنه من الواحد من حيث هو واحد إنما يوجد عنه واحد، و لذلك فلا يجوز أن يكون أول المبدعات عنه كثيرة، لا بالعدد و لا بالانقسام إلى مادة و صورة، بل أن أول الموجودات هي العقول المفارقة و بما أنها كثيرة العدد فليست إذن موجودة معا عن الأول، بل يجب أن يكون أعلاها هو الموجود الأول عنه، ثم يتلوه عقل و عقل، و لأن تحت كل عقل فلكا بمادته و صورته التي هي النفس، و عقلا دونه، فتحت كل عقل ثلاثة أشياء في الوجود، فيجب أن يكون إمكان وجود هذه الثلاثة عن ذلك العقل الأول في الإبداع لأجل التثليث المذكور فيه، و الأفضل يتبع الأفضل من جهات كثيرة، فيكون إذا” العقل الأول يلزم عنه بما يعقل الأول وجود عقل تحته، و بما يعقل ذاته وجود صورة الفلك الأقصى و كما لها، و هي النفس، و بطبيعة إمكان الوجود الحاصلة له المندرجة في تعقله لذاته وجود جرمية الفلك الأقصى المندرجة في جملة ذات الفلك الأقصى بنوعه و هو الأمر المشارك للقوة. فيما يعقل الأول يلزم عنه عقل، و بما يختص بذاته على جهتيه الكثرة الأولى بجزأيها أعنى المادة و الصورة، و المادة بتوسط الصورة أو بمشاركتها، كما أن إمكان الوجود يخرج إلى الفعل بالفعل الذي يحاذي صورة الفلك و كذلك الحال في عقل عقل، و فلك فلك، حتى ينتهي إلى العقل الفعّال الذي يدبر أنفسنا، و ليس يجب أن يذهب هذا المعنى إلى غير النهاية حتى يكون تحت كل مفارق مفارق ” (26).
يظهر من خلال عملية الفيض هذه أن لكل فلك من الأفلاك نفسا تحركه و عقلا يدبره و ليس من الضرورة الاستمرار فى الصدور الى غير نهاية، كما لا يبقى هذا الكل الذي صدر عن الله دون رعاية بل يرعاه الله بكل عناية لأنه راض عنه .
خامسا:
التصــوف عند الفارابي:
إذا تتبعا نظرية الاتصال التي قال بها الفارابي في التصوف، في الفلسفة العربية، نجد أول من تلقفها هم اخوان الصفا مثل باقي العديد من النظريات، وهم يؤكدون مثل الفارابي على أن طريق السعادة إنما يكون بالعمل الصالح والفضائل الحميدة التي ترسخ في النفس ثم تتويج هذه الآخيرة بالعلم والمعارف النظرية التي بموجبها يمكنها الاتصال بالعقل الفعال الذي يفيض عليها الفضائل الموجودة في جوهرها، وبما تتلقى منه يكون تمامها وسعادتها يقول إخوان الصفا :
” و إنما صارت النفوس الناطقة تلتذ بالعلوم و المعارف، لأن صور المعلومات في ذاتها هي المتممة لها، المكملة لفضائلها، المبلغة لها إلى أتم غاياتها، و أفضل نهاياتها عند باريها، جل ثناؤه. و اعلم أن هذه الأحوال لا تليق بالنفس الشهوانية، و لا بالنفس العضبية و لكن تليق بالنفس الناطقة إذا هي انتبهت من نوم الغفلة و استيقظت من رقدة الجهالة، وانفتحت لها عين البصيرة و عاينت عالمها، و عرفت مبدأها و معادها، و اشتاقت عند ذلك إلى باريها و تاقت و حنت إليه، كما يحن العاشق إلى معشوقه “(27).
و يلي إخوان الصفا في هذه النظرية ابن سينا الذي تولاها بالتشريح ضمن ما تولي من آراء معلمه الفارابي. وأهم كتاب يحمل هذا التشريح كتاب” الإشارات و التنبيهات ” الذي يخصص جزءه الآخير لهذا الموضوع، ويحدثنا عنه في فصله المعنون بالبهجة والسعادة فيقول:
” والنفوس البشرية إذا نالت الغبطة العليا، في حياتها الدنيا كان أجل أحوالها أن تكون عاشقة مشتاقة لا تخلص عن علاقة الشوق، اللهم إلا في الحياة الأخرى “(28).
و يحدثنا أيضا عن العابد و الزاهد و العارف و عن درجات العارفين و مقاماتهم فيقول :” إن للعارفين مقامات و درجات يخصون بها في حياتهم دون غيرهم، فكأنهم في جلابيب من أبدانهم قد نضوها و تجردوا عنها إلى عالم القدس، و لهم أمور خفية فيهم، و أمور ظاهرة عنهم يستنكرها من ينكرها، و يكبرها من يكبرها ……. و نحن نقصها عليك ….. العارف يريد الحق الأول لا لشيء غيره و لا يؤثر شيئا على عرفانه، و تعبده له فقط، لأنه مستحق للعبادة و لأنها نسبة شريفة إليه لا لرغبة أو رهبة ….. “(29).
هذا و درجات العارفين هي درجة الإرادة ثم الرياضة ثم درجة السكينة ثم مرحلة الملكة التي تمكّن الاتصال .
فغاية السعادة عند ابن سينا هي اتصال العبد بربّه بواسطة العقل الفعال الذي يصدر عنه الإشراق والنور، وهكذا فهو لا يقبل الاتحاد إطلاقا.
وإذا مضينا وراء نظرية الإتصال في المدرسة الأندلسية فإننا نجد أنها قد نالت حظوة كبيرة لدى ا بن باجة فى كتابه ” تدبير المتوحد” القائم على إثبات أن الإنسان بإمكانه الاتصال بالعقل الفعال بواسطة العلم وتنمية القوى الإنسانية. وهو كتاب يرى فيه أن الفضائل والأعمال الخلقية جميعا ترمي إلى سيادة النفس العاقلة واستيلائها على النفس الحيوانية. كما يرى أنه وفي خضم العوائق الاجتماعية، على الفرد أن يسعى جاهدا إلى الاتصال بالعالم العلوي منفردا أو متبوعا بالمجتمع كله(30).
ويبدو أن نظرية الإتصال أو السعادة التي قال بها الفارابي لم تجد لها صدى في نفوس فلاسفة الإسلام فقط، ولكن في نفوس غيرهم من اليهود والأوروبيين أيضا، وأولهم موسى ابن ميمون(ت1204م) وهو الممثل الأول للفلسفة اليهودية وجد فيها المنبع الفيّاض لتوفيقه بين الديانة اليهودية والفلسفة إذ يقرّ بأن كمال الإنسان لا يتحقق إلاّ بالدرس والبحث وأن العلم عبادة يقرّب صاحبه من الله جل شأنه، وكلما زادت درجته في العلم والمعرفة زادت درجة قربه إليه فتنكشف له الحقائق الأزلية.
وهو مع هذا يردد في تعاليمه جوهر ما جاء به الفارابي من حيث صفات البارئ تعالى بشكل يوافق المعتقدات اليهودية، فالله في نظره هو العقل والعاقل والمعقول، وهذه الأشياء لا تكون كثرة بل وحدة بالضرورة ومن هنا فهو أزلي(31). و لأنه عقل محض فإنه لا يمكن إدراكه لأن المادة التي تدخل في تكويننا تشكل أكبر عائق في ذلك(32).
هذا ومن أكثر المطّلعين على فلسفة ابن ميمون الفيلسوف اسبنوزاSpinoza (1632 ـ 1677 م). وهكذا يكون ابن ميمون الجسر الواصل بين أبي نصر واسبنوزا الذي يشاركه في عدة أفكار. فكلا هما صوفي النزعة في سلوكه وآرائه. وتصوفهما من بعد هذا عقلي نظري مبني على العلم والدراسة ونظرياتهما الكلامية متقاربة ومتشابهة. فصفات البارئ عند اسبنوزا لا تختلف كثيرا عنها لدى الفارابى، والله في رأيهما علم ومعلوم وعالم في آن واحد وهوية وما هية معا وهو مسبب الأسباب والجوهر المطلق، وهو موجود بنفسه وجودا أزاليا قديما. ونظرا إلى هذا فهو يخالف الكائنات التي تستمد وجودها منه(33).
إلاّ أن سبنوزا يقول بوحدة الوجود. وأما الفارابي فإنه يجعل فاصلا كبيرا بين الخالق ومخلوقاته ولا يتم الاتحاد.
سادسا:
النبوة عند الفارابي:
لقد تأثر بنظرية النبوة عند الفارابي اخوان الصفا الذين تحدثوا في الجزء الثالث من رسائلهم عن قوة المتخيلة وتفاوت الناس فيها، وبينوا مالها من أثر في اقتناص العلوم والمعارف وفي الانفعالات النفسية المختلفة خاصة في المنامات والأحلام، كما بينوا أن النبي ” شخص فاض عليه من السابق بواسطة المثالي قوة قدسية صافية مهيأة لأن تنتقش عند الاتصال بالنفس الكلية بما فيها من الجزئيات كما قد يتفق ذلك لبعض النفوس الذكية في المنام حتى تشاهد من مجاري الأحوال في المستقبل إما صريحا بعينه أو مدرجا تحت مثال يناسبه مناسبة ما فيفتقر فيه إلى التعبير، إلا أن النبي هو المستعد لذلك في اليقظة، فلذلك يدرك الكليات العقلية عند شروق ذلك النور وصفاء القوة النبوية كما ينطبع مثال المحسوسات في القوة الباصرة من العين عند شروق نور الشمس على سطوح الأجسام الصقلية “(34).
وأما ابن سينا فإنه خلّف بخصوص هذه النظرية رسالة بعنوان: ” إثبات النبوات وتأويل رموزهم وأمثالهم”. وهي رسالة يفسر فيها النبوة مثل الفارابي تفسيرا نفسيا علميا ويؤول فيها بعض الآيات القرآنية تأويلا فلسفيا. والذي يراه حين تحدث عن النبوة في القسم الاخير من كتابه ” الإشارات والتنبيهات ” هو أنه بإمكان بعض الناس معرفة الأحداث المستقبلية والتبوء بالغيب لأن هذه الحقائق المكمونة في العالم العلوي إنما تم لهوءلاء الاطلاع عليها بفضل قوة مخيلتهم وذلك في النوم.
إذ ” أن النوم أشبه بالمرض منه بالصحة، وإذا كان كذلك كانت القوى المتخيلة الباطنة، قوية السلطان ووجدت الحس المشترك معطلا، فلوحت فيه النقوش المتخيلة مشاهدة، فرئى المنام أحوال في حكم المشاهدة “(35) بل إذا قويت مخيلة بعض الناس وعظمت نفوسهم فإنه يتم إدراكهم للغيب حتى في حالة اليقظة. يقول ابن سينا:” إن للنفس الإنسانية أن تنال من الغيب نيلا ما في حال المنام، فلا مانع من أن يقع مثل ذلك النيل في حال اليقظة إلاّ ما كان إلى زواله سبيل ولارتفاعه إمكان” (36).ه من
ويقول أيضا: ” تنبيه: قد علمت فيما سلف أن الجزئيات منقوشة في العالم العقلي نقشا على وجه كلي، ثم قد نبهت لأن الأجرام السماوية لها نفوس ذوات ادراكات جزئية و إرادات جزئية تصدر عن رأي جزئي. ولا مانع لها عن تصور اللوازم الجزئية لحركاتها الجزئية من الكائنات عنها في العالم العنصري .
إشارة : ولنفسك أن تنتقش بنقش ذلك العالم بحسب الاستعداد و زوال الحائل. قد علمت ذلك فلا تستنكرن أن يكون بعض الغيب ينتقش فيها من عالمه”(37).
فالحقائق المنقوشة في اللوح المحفوظ إنما يدخل في إدراكها عوامل فطرية مثل قوة المخيلة وعوامل مكتسبة مثل رفعة النفس وسموها بتعويدها الأعمال الصالحة. وهكذا تكون النبوة عند ابن سينا فطرية أكثر منها مكتسبة، وكل هذا خاضع لإرادة الله وعنايته، ومن هنا يحظى بعض الأشخاص بهذا الاتصال فيتم لهم معرفة بعض الأمور الغيبية ويتم على أيديهم بعض الكرامات ولا نتعجب لذلك لأنه من فضل الله. يقول ابن سينا:” إذا بلغك أن عارف حدث عن غيب فأصاب متقدما، ببشرى أو نذيرفصدق ولا يتعسرن عليك الإيمان به، فان لذلك في مذاهب الطبيعة أسباب معلومة” (38).
هذا ونجد هذه النظرية بعد ابن سينا لدى إبن ميمون وألبير الكبيرAlbert le Grand(ت1280م) المسيحي في القرون الوسطى وسبنوزا في العصر الحديث.
لقد اهتم ابن ميمون بمشكلة النبوة وخصص لها نصيبا معتبرا ضمن كتابه المشهور ” دلالة الحائرين” وهي مشكلة يعرض مختلف الآراء فيها، ويأخذ فيها كما هو شأنه بالآراء التي تخدم الديانة اليهودية. و أولها آراء بعض المتكلمين الذين يرون في النبوة هبة وفضلا من عند الله. ويرون أن الله هو الذي يختار من عباده من يشاء بغض النظر عن علمهم أو جهلهم. وثانيها آراء بعض الفلاسفة الذين يدخلون عامل الكمال في القدرات العقلية والنفسية للشخص. وثالثها رأيه الشخصي الذي يؤكد فيه أن النبوة تدخل فيها إرادة الله ويدخل فيها تعليم وتربية الشخص. و لهذا فإنه ينبغي أن يكون هذا الأخير مستعدا وكاملا في الفضائل الأخلاقية والعقلية. ويدعّم ابن ميمون رأيه بقول الأطباء: ” أن النبوة تقيم في الشخص العالم، القوى والثري “(39) وهو ثري من الناحية العقلية إذ أنه قوي المخيلة وبموجبها يمكنه الاتصال بالعالم العلوي وعلى قدر ما تعظم المخيلة تسمو الإلهامات النبوية وتتنوع وعليه فتفاوت الأنبياء بينهم في نظره يرجع إلى تفاوت مخيلاتهم. و المخيلة لا تكفي وحدها في عملية الاتصال كما بين ذلك الفارابي بل ينبغي أن تشاركها قوى فكرية عالية.
وأما ألبير الكبيرالذى أثرت هو أيضا فيه آراء الفارابي في نواحي عدة وخاصة نظرية الاتصال فإنه يرى أن الإنسان متى وصل إلى مرتبة العقل المستفاد أصبح على ارتباط لا ينحل بالعالم الروحاني، وأضحى إنسانا كاملا، كأنه شبيه بالله .. ويغدو قادرا على معرفة كل شيء، وفاز بسعادة لا نظيرة لها (40). و هو من بعد هذا يحلل نظرية النبوة تحليلا سيكولوجيا يتفق اتفاقا تاما مع ما جاء به الفارابي.
ونجد في النهاية اسبنوزا الذي يتفق معه حين يعطي للمخيلة ونشاطها أهمية قصوى في الإلهامات النبوية، بل هي الشرط الأساسي لها سواء كانت هذه الإلهامات صورا رمزية أو عبارات صريحة (41).
هذا وينبغي أن نشير إلى أن إبراهيم مذكور قد تتبع معالم هذه النظرية حتى القرن 19 مع مفكرين مسلمين وهما السيد جمال الدين الأفغاني (ت1897 م) والإمام محمد عبده (ت1905م)، إذ يؤكد الأفغاني على مهمة النبي الاجتماعية والسياسية، وعلى أن النبي والحكيم روح المجتمع ومبعث الحياة والإصلاح. و هذه مسألة يعد الفارابي أول من صورها في الإسلام صورة علمية نظرية.
وأكد محمد عبده على أن النبوة أمر ضروري لأنها من متممات كون الإنسان و من أهم حاجاته في بقائه وهي نعمة منحها الله لكيلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وليس غريبا أن يختص الله بعض خلقه بالوحي والالهام، فقد سمت نفوسهم وأصبحوا أهلا للفيض الإلهي والكشف الرباني، وبديهي أن درجات العقول متفاوتة يعلو بعضها بعضا، ولا يدرك الأدنى منها الأعلى إلا على وجه الإجمال. وليس هذا التفاوت نتيجة الاختلاف في التعليم فحسب، بل كثيرا ما كان أثرا من آثار الاختلاف في الفطرة التي لا تخضع لقوانين الكسب والاختيار، ولا يزال المرء يرقى في الكمال حتى يبدو البعيد له قريبا، وتتفتح أمامه حجب الغيب (42)، يقول محمد عبده: “إن من النفوس البشرية ما يكون لها من نقاء الجوهر بأصل الفطرة ما تستعد به من محض الفيض الإلهي لأن تتصل بالأفق الأعلى و تنتهي من الإنسانية إلى الذروة العليا، و تشهد من أمر الله شهود العيان مالم يصل غيرها إلى تعقله أو تحسسه بعصا الدليل و البرهان، و تتلقى عن العليم الحكيم ما يعلو وضوحا على ما يتلقاه أحدنا عن أساتذة التعليم “(43)
و يبدو أن الإمام محمد عبده أقرب إلى الفارابي لأنه حاول مثله التوفيق بين العقل والنقل وبين العلم والدين.
سابعا:
تأثير الطبيعة على الأخلاق عند الفارابي:
إن الافكار التي قال بها الفارابي في مجال الاجتماع مثل تأثير الوسط الجغرافي على تطور الشعوب و على طبيعة أخلاقهم، قال بها فيما بعد إخوان الصفا إذ خصصوا فصلا في رسائلهم تحت عنوان: ” في تأثير طبيعة البلدان في الأخلاق “.
جاء فيه أن اختلاف التراب و الهواء و سواحل البحار و الزروع و مطالع البروج كلها عوامل تؤدي إلى اختلاف أخلاق أهلها أو طباعهم و ألوانهم و لغتهم وعاداتهم و آرائهم و مذاهبهم و أعمالهم و صنائعهم و تدابيرهم و سياستهم، لا يشبه بعضها بعضا، بل تنفرد كل أمة منها بأشياء من هذه التي تقدم ذكرها لا يشاركها فيها غيرها (44).
و بالمثل نجد في مقدمة ” كتاب العبر ” لابن خلدون فصلا يتحدث فيه عن أثر الهواء في أخلاق البشر و يأخذ السودان على سبيل المثال، اذ يمتاز السودانيون بالخفة و الطيش و حبهم للرقص و الغناء نتيجة شدة الفرح و السرور اللذين يساورانهم، و السبب في ذلك انتشار الحرارة المفشية للهواء، والناس إذ يتنفسون هذا الهواء تتصل حرارته بأرواحهم، فتبعث فيها حرارة غريزية تحدث فيهم الفرح و البهجة، فيعبرون عنها بالرقص و الغناء و كثرة الحركة .
ولا تؤثر حرارة الهواء أو برودته في أخلاق الناس فقط، بل حتى في حياتهم الاجتماعية الاقتصادية، فلما كانت مصر حارة أكثر من بلاد المغرب فان أهل مصر نتيجة لفعل حرارة الهواء في أمزجتهم تجدهم منبسطين، لا يفكرون في العواقب من ناحية المأكل، فهم يشترون دائما من الأسواق دون أن يدخروا، في حين نجد أهل المغرب الذين يستولي عليهم الحزن نتيجة البرودة، فهم يفكرون في العواقب، اذ يدخرون قوت سنتين من الحبوب، و مع هذا يباكرون كل يوم لشراء قوتهم(45)
ثامنا:
السياسة و الاجتماع عند الفارابي :
تأثر ابن باجة كثيرا بفلسفة الفارابي وترددت في تقسيمه للمدن عبارات كثيرة للفارابي ويظهر ذلك في كتابه ” تدبير المتوحد ” فهو يقسم المدن إلى أربع: المدينة الفاضلة أو الكاملة أو الإمامية ومدينة الكرامة، والمدينة الجماعية ومدينة التغلب، ويرى أن الغاية القصوى للمتوحد في المدينة الفاضلة هي تلك الغاية التي يذكرها الفارابي دائما في كتبه والتي ينبغي للفيلسوف أو الرئيس أو النبي تحقيقها في مدينته وهي الاتصال بالعقل الفعال واللحاق بعالم المفارقات مصدر السعادة. كما وتأثر ابن باجة أيضا بالفارابي فيما ذهب إليه هذا الأخير في غرض علم السياسة الذي تدبر به المدن وتصلح به سيرة أهلها ويسددو به نحو السعادة وذلك بالارتقاء شيئا فشيئا من النظر في الأفعال والسير والملكات الإرادية والمهن الملكية و في أنواع المدن حتى ينتهي إلى الله مدبر المدينة الفاضلة ومدير العالم الذي يأخذ عنه رئيس المدينة مبادئ تسيير مدينته الفاضلة. وهكذا يفصل ابن باحة القول في نظرته إلى ماهية العلم السياسي وأهدافه وإلى المتناظر بين العالم والمدينة، من جهة والمدينة و البدن من جهة ثانية، متطرقا إلى الآفات التي تلحق بالمدينة، والبدن وما يقتضيه ذلك من تدبير، ويقارن بين طب الأجسام أي الصناعة الطبية والصناعة المدنية، وجميعها مصطلحات قد وردت في كتاب” فصول منتزعة”، حيث يقارن الفارابي بين الطبيب الذي يعالج الأبدان و بين الإنسان المدني الذي يعالج الأنفس من خلال الصناعة المدنية التي يعرف بها وجه التدبير في حفظ صحة المدينة وأبنائها(46).
هذا وإذا انتقلنا من ابن باجة إلى العصور الحديثة فإننا نجد عند بعض فلاسفتها أفكارا وآراء، بل ملاحظات اجتماعية وسياسية قد سبق إلى ذكرها الفارابي وذلك في أصل نشأة المجتمع. وليس في هذا مبالغة لأن كثيرا من المؤلفين قد ذكر هذه الآراء والأفكار ومن بين هؤلاء ” صبيح صادق” الذي خصص مقالا في مجلة المورد * بعنوان ” الفارابي وأثره في الفكر الأوربي ” يذكر فيه نظريات بعض الفلاسفة في أصل المجتمع ثم يورد نصوص الفارابي لملاحظة الشبه الكبير الموجود بين الطرفين. ) Hobbes1588ـ1679 م ) القائل بأن الإنسان البدائي كان همجيا لا يرغب إلا في اشباع رغباته… وكانت القوة هي كل شيء بالنسبة إليه فأصبح ذئبا لأخيه الإنسان، ولقد نتج عن حالة الخوف هذه تنازل الأفراد عن حقوقهم لشخص واحد يكون حاكمهم وحاميهم, يقول الفارابي:
” نرى الموجودات التي نشاهدها متضادة وكل واحد منها، يلتمس إبطال الآخر. ونرى كل واحد منها، إذا حصل موجودا، أعطى مع وجوده شيئا يحفظ به وجوده من البطلان، وشيئا يدفع به عن ذاته فعل ضده، ويجوّز به ذاته عن ضده، وشيئا يبطل به ضده .. وأن يكون كل إنسان متوحدا بكل خير هو له أن يلتمس أن يغالب غيره في كل خير هو لغيره، وأن الإنسان الأقهر لكل ما يناويه هو الأسعد … وأنه ينبغي أن يبغض كل إنسان كل إنسان وأن ينافر كل واحد كل واحد…(47).
ولقد جاء بعد هوبس” جان جاك روسو” Jean jacques rousseau (1778 ـ1712) الذى قال إن الإنسان كان يعيش عيشة طبيعية أي في الطبيعة، ولما أرادا أن يعيش بسلام، عمد إلى الاتفاق مع أخيه الإنسان. وسمي هذا الاتفاق بالعقد الاجتماعي، وهو الذي أدى إلى قيام الدولة في نظره. يقول الفارابي:
” …. وقوم رأوا أن الارتباط هو بالإيمان والتحالف والتعاهد
على ما يعطيه لكل إنسان من نفسه ولا ينافر الباقين ولا يخاذلهم.. (48)
أما ” دافيدهيوم” David hiume( 1711 – 1776 ) الذي ذهب إلى معارضة العقد الاجتماعي فإنه يرى أن أصل المجتمع إنما قام على أساس الغريزة الجنسية أولا إذ أنها المسؤولة عن تكوين الأسرة ومن ثم فإن أفراد الأسرة متشاركون بشعور العاطفة والحنان. حتى إذا كبرت هذه العائلة، أخذت الأنانية تتسرب إلى أفرادها، فيحتاج هؤلاء عند ذلك إلى تكوين سلطة بالقوة. ومن ثم تحولت هذه السلطة القائمة على القوة إلى سلطة اكتسبت ثقة الجماهير.
يقول الفارابي:
” فقوم رأوا أن الاشتراك في الولادة من والد واحد هو الارتباط به.
وبه يكون الاجتماع والائتلاف والتحاب، والتوازر على أن يغلبوا غيرهم، وعلى الامتناع من أن يغلبهم غيرهم “(49)
هذا وأما أوجست كونت ” Auguste comte ( 1798 -1857) فيرى أن الحاجة إلى التجمع هو الذي كون المجتمع وأن الاسرة هي الوحدة القياسية للمجتمع وليس الفرد. وأن اللغة هي العامل الرئيسي في تكوين الدولة. وأن نتيجة اشتراك العائلة بخصائص اجتماعية، ونفسية، يؤدي إلى نمو الجماعات ومن ثم الدولة.
يقول الفارابي:
” وآخرون رأو أن الارتباط هو بتشابه الخلق والشيم الطبيعية،
والاشتراك في اللغة واللسان وأن التباين يباين هذه وهذا هو
لكل أمة ” (50).
والذي يراه الفيلسوف الألماني ” نيتشه”Nietzshe ( 1844- 1900 ) الذي جاء بنظرية القوة والكفاح لأجل الحياة. هو أن الضعفاء يجب اخضاعهم للأقوياء وتجنيدهم تحت سلطانهم وأن الدولة أدوات للتنافس.
يقول الفارابي:
فالأقهر منها لما سواه يكون أتم وجودا والغالب أبدا إما
أن يبطل بعضه بعضا، لأنه في طباعه أن وجد ذلك الشيء
نقص، ومضرة في وجوده هو، وأما أن يستخدم بعضا،
وأن يستعبده لأنه يرى في ذلك الشيء أن وجوده لأجله هو(51)
الموسيقى عند الفارابي :
لقد اهتم الفارابي اهتماما كبيرا بالموسيقى وأبدع في تأليفها فكان من بين العظماء في هذا الميدان، واهتم الفلاسفة الذين تلوه بهذا العلم، ووسعوا مجالاته، وكتبوا فيه مثل اخوان الصفا وابن باجة و ابن سينا الذي قطع بالموسيقى أشواطا بعيدة، إذ قام بنقلها من مجالها النظري إلى الحياة العملية فاستعملها وسيلة للتطبيب، وأدخلها بذلك في مجرى حياة المرضى، ولقد نقل عنه أن العلاج يكون إما بالصوت أو بالنبات أو بالسكين.
و لقد انتقل أثر أهمية الموسيقى إلى العالم الأوربي بعد أن ترجم كتاب ” إحصاء العلوم ” وكتاب ” الموسيقى الكبير” إلى لغات عديدة واعتمد عليهما العلماء في الدراسة والتأليف. وبالفعل، فلقد اقتبس جنديسالينوس فصلا عن الموسيقى في كتابه تقسيم الفلسفة(52).
وتأثر جيروم دي مورافيهJérome de moravie ( النصف الأول من القرن الثالت عشر) في كتابه عن الموسيقى بما كتبه الفارابي في إحصاء العلوم، وقام بنقله نقلا حرفيا وجعله فصلا من فصول كتابه وسماه ” تقسيم الموسيقى عند الفارابي “(53).
وكتب ريمون لول Ray Mond Lull ( 1235 – 1315م ) في الموسيقى متأثرا بالفارابي، واستعار يوحنا اكيدوس تعريف الفارابي للموسيقى، وكان أحد مصادره في هذا الفن(54).
ولقد استمر هذا التأثير حتى القرن 16 حيث استفاد الموسيقيون الغربيون من كتب الفارابي في وضع نظريتهم في الموسيقى، والذي ساعد على ذلك الترجمة والدراسة اللتان حظى بهما كتاب الموسيقى الكبير. هذا ونشير إلى أن المستشرق الانجليزي ” فارمر” Farmer قد اقتبس قسما من كتاب ” إحصاء العلوم” للفارابي وطبعه في لندن سنة 1935.
ولقد توالت بعد ذلك الدراسات والإشارات عنه. ومنها دراسة الدكتور محمد أحمد الحفي ومقتطفات الموسيقار اسكندر شلفون في مجلة” روضات البلابل ” (55).
هوامش الدراسة:
(1) ظهير الدين البيهقي، تتمة صوان الحكمة، نقلا عن محفوظ حسن علي، الفارابي في المراجعالعربية.1975 ج1. ص75
(2) ابن خلكان، وفيات الاعيان وأنباءالزمان.تحقيق و تعليق:محمد محي الدين عبد الحميد،مكتبة النهضة المصرية.القاهرة. الطبعة 1. 1948 . ج4 ص239
(3) أوليري دي لاسي، الفكر العربي ومركزه في التاريخ:تر: اسماعيل البيطار – دار الكتاب
اللبناني. ص135.
(4) الصفدي، الوافي بالوفيات، مطبعة الدولة. استانبول. 1931. ج1.ص108
(5) صبيح صادق، ” الفارابي وأثره في الفكر الأوروبي”، مقال في مجلة المورد. الخاصة بالفارابيص: 121.
(6) ماجد فخرى،أثر الفارابى فى الفلسفة الأندلسية، مقال ضمن كتاب:الفارابى و الحضارة الإنسانية. ص446.
(7) محمد عبد الرحمن مرحبا، من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الاسلامية.ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر.منشورات العويدات. ص375
(8) عثمان أمين، مقدمته لإحصاء العلوم للفارابي. مطبعة السعادة.1931 . ص 13
(9) نفس المرجع السابق.ص14-15
(10) أسامة عانوتي، كنوز من الفكر العربي – الأهلية للنشر والتوزيع – بيروت 1981. ص 181ـ 182
(11) عثمان أمين مقدمته لإجصاء العلوم للفارابى. ص 15-16
(12) اخوان الصفا، رسائل اخوان الصفا، دار بيروت للطباعة والنشر 1983.م1.ص157
(13) ابن رشد،فصل المقال و تقرير مابين الحكمة و الشريعة من اتصال تقديم و تعليق أبو عمران الشيخ و جلول البدوي.الشركة الوطنية للنشر و التوزيع.الجزائر 1982 . ص64
(14) توما الأكوينى، مجموعة الردود على الخوارج.ترجمة و تعليق:المطران نعمة الله أبى كرم المرونى.مطبعة اللبنانيين.لبنان 1931. الكتاب 1الفصل 1ص14.
(15)-Gilson (E) ,la philosophie au moyen age .Payot .Paris .p528
(16 ) أنظر: قاسمنجانوف، الفارابي، ترجمة برهان الخطيب, دار التقدم. موسكو. ص215- 216
(17)أنظر الفارابى، عيون المسائل ضمن كتاب مبادئ الفلسفة القديمة،تصحيح و نشر المكتبة السلفية. القاهرة 1910 ص40
(18)ابن سينا، الإشارات ضمن (ابن سينا) ليوحنا قمير (سلسلة فلاسفة العرب).دار المشرق. بيروت. الطبعة 2 . 1985.ص57
(19) ابن ميمون، دلالة الحائرين مكتبة الثقافة الدينية.الطبعة.2. 1993 ج2 ص 260 ـ 261 (4-1) م.
(20)الأكوينى الوجود والماهية، ضمن نماذج من الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى. أوغسطين، أنسلم، توما الأكويني.ترجمة وتقديم و تعليق:حسن حنفى حسنين.سلامة منا و شركاه.الطبعة 1 ..1969.ص245-246
(21) الأكوينى، الخلاصة اللاهوتية. ترجمة: الخوري بولس عواد. المطبعة الأدبية. بيروت 1887المجلد 1.المبحث 2.الفصل3.ص31-33
(22) اخوان الصفا، رسائل اخوان الصفا.م3.ص197
(23) نفس المرجع السابق ص 196
(24) نفس المرجع السابق.م2 ص87
(25) ابن سينا، النجاة، قسم الإلهيات. الناشر محي الدين صبري الكردي الكانيمشكاني- القاهرة. ص449
(26) نفس المرجع السابق ص454-455
(27) إخوان الصفا، الرسائل، م 3 ص 281
(28) إبن سينا، الإشارات والتنبيهات، حقيق وتعليق: دنيا سليمان. دار إحياء الكتب العربية. ج 3. ص222.
(29) نفس المرجع السابق ص.225
(30) -S.Munk, Melanges de Philosiphie Juive et Arabe.P.Librairie Philosophiques.J.Vrin. 1955p388
(31)-Moise Ben Maimoun.Guide des Egares. Traduction.S.Munk.Paris G.P.Maison Neuve. Larose.T :1.p.301
(32) Ibid.T : 3 p.57
(33) إبراهيم مذكور، الجانب الصوفي في الفلسفة الاسلامية. مجلة الرسالة م2.ع:172. سنة 1936. ص1688
(34) الغزالي، فضائح الباطنية، تحقيق وتقديم: عبد الرحمن بدوي الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة. 1964. ص41
(35) ابن سينا، الاشارات والتنبيهات. ج 3 . ص 246
(36) نفس المرجع السابق ص 242 ـ 243
(37) نفس المرجع السابق نفس الصفحة
(38) نفس المرجع السابق ص 241
(39) Moise Ben Maimoun. Guide des Egares. T :2.P263
(40) أرنست رينان، ابن رشد والرشدية، ترجمة : عادل زعيتر. القاهرة 1957.ص247
(41) أنظر: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة. دار القلم. بيروت لبنان. ص 116
(42) محمد عبدو رسالة التوحيد، تحقيق محمود أبو رية. دار المعارف بمصر. الطبعة 4 ص 113
(43) نفس المرجع السابق. نفس الصفحة
(44) إخوان الصفا، الرسائل. م 1. ص 303
(45) ابن خلدون، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر. دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر. بيروت الطبعة 2. 1961 . م 1 ص 148 ـ 149
(46) ماجد فخري أثر الفارابي في الفلسفة الأندلسية. ص 440
* انظر المقال. م4. ع3. سنة 1975
(47) الفارابي، آراء أهل المدينة الفاضلة .ص 151 – 153
(48) نفس المرجع السابق. ص155
(49) نفس المرجع السابق ص 154
(50) نفس المرجع السابق. ص 155
(51) نفس المرجع السابق. ص 151 – 152
(52) صبيح صادق، الفارابي واثره في الفكر الاوروبي. ص121
(53) أنظر: أسامة عانوتي، كنوز من الفكر العربي، الاهلية للنشر والتوزيع، بيروت1981.ص182
(54) صبيح صادق، الفارابي وأثره في الفكر الأوروبي. ص 121.
(55) محسن جمال الدين، الفارابي: ملامح من شخصيته العلمية في الأندلس مقال في مجلة المورد م4. ع3 سنة 1975. ص73…