الفلسفة السياسية بين أفلاطون والفارابي دراسة مقارنة

الأستاذ: منصور سالم عبد النبي ([·])
مقدمة:
إن السياسة أمر محتوم وضروري في كل دولة، فالسياسة هي النظام الذي ينظم الدولة، وبها تسير البلاد إلى الأفضل والأحسن، فالسياسة هي فن إدارة الدولة، وبدون السياسة الحكيمة الرشيدة تنتشر الفوضى والفساد في الدولة، وهي التي تعبر عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، إذ إن يجب على الإنسان دراسة علم السياسة لكي يتمكن من فهم الأمور التي تجري في الدولة، ويكون قادرا على فهم حقه، وفي ممارسة حريته السياسية.
وتتمثل الدراسة في التساؤلات الآتية:

وفي هذا البحث سوف أتحدث عن فيلسوفين عظيمين وهما: 

  1.  أفلاطون: الفيلسوف اليوناني من خلال كتابه الجمهورية والقوانين.
  2.  الفارابي: الفيلسوف الإسلامي من خلال كتابه آراء أهل المدينة الفاضلة وكتابه السياسة المدنية.

 تبرز أهمية هذه الدراسة في بيان الأمور الآتية:

 أما الهدف من هذه الدراسة:

 الدراسات السابقة:

بعد البحث والاطلاع لم يجد الباحث دراسة بحثه الفلسفة السياسية عند أفلاطون والفارابي، ولكن معظم الدراسات التي تكلمت عن أفلاطون والفارابي تهتم بالجانب التربوي والاجتماعي، وكذلك الجانب الأخلاقي والجمالي من الفيلسوفين، فهذا ما جعلني أهتم بالجانب السياسي عندهما من خلال مصنفاته الأصلية، وسوف أعرض ذلك في غضون هذا البحث.

 منهجية الدراسة:

اعتمدت في هذه الدراسة على المناهج التالية:

أولا: المنهج الاستقرائي التحليلي القائم على استقراء الآراء السياسية الهامة عند أفلاطون والفارابي من كتبهم الأصلية ..

ثانيا: تحديد معنى المصطلحات المستخدمة في الفلسفة السياسية من خلال الحكومات السياسية عند كلا منهما.

ثالثا: استخدام منهج المقارن بين آراء أفلاطون في كتابه الجمهورية آراء الفارابي في كتابه آراء أهل المدينة الفاضلة والسياسة المدنية.

رابعا: استخدام المنهج النقدي في نقد الحكومات الفاسدة والضالة وكذلك نقد السياسات الفاسدة المتبعة عند أفلاطون والفارابي.

 خطة البحث:

احتوى هذا البحث على أربعة مباحث هامة تتمثل (حياة أفلاطون ونشأته ومؤلفاته – نشأة الدولة وتطورها ومفهوم العدالة ونظام التربية ومضادات المدن – حياة الفارابي ونشأته وأهم مؤلفاته – نشأة الدولة عند الفارابي وشروط رئيس المدينة الفاضلة ومفهوم العدالة ومضادات المدينة الفاضلة).

أولا: حياة أفلاطون ونشأته:

((ولد أفلاطون في أثينا سنة 427 في أسرة شريفة كبيرة النفوذ، أخد بنصيب وافر في الأدب اليوناني والعلوم الرياضية، ثم قرأ كتب الفلاسفة واستمع إلى أحد أتباع هرقليطس، ولما ناهز العشرين عرف سقراط فأعجب به ولزمه إلى النهاية ثماني سنوات وكان من شهود المحاكمة ومن زواره في السجن )) ([1]) ومن رحلاته العلمية التي أثرت في فلسفته السياسية رحلته إلى مصر وإيطاليا ((حيث سافر إلى مصر قضى فيها ما يقارب من العام، واتصل بالمدرسة الكهنوتية في عين شمس ثم عاد إلى وطنه وبقى فيه نحو سبع سنوات، وفي تلك الفترة بدأ يكتب وينشر، ثم رحل إلى جنوب إيطاليا وعرف هناك بعض كبار الفيتاغوريين)) ([2])

ثانيا: مصنفات افلاطون:

نجد أن لأفلاطون مصنفات كثيرة معظمها محاورات وهذه المحاورات تحتوي على فلسفته السياسية ((فمحاوراته كثيرة تزيد عن ثلاثين محاورة فلسفية منها- الدفاع – وفيه موجز لفلسفة سقراط وتبرئته مما أتهم به)) ([3]) وأيضا كتاب النواميس ((وهي استدراك على كتاب السياسة، وفي الكتاب صورة للمدينة العلمية الممكنة في عالم لم يصبح أهله كلهم فلاسفة بعد)) ([4]) ومن الجدير بالذكر أن مؤلفات أفلاطون تتقسم إلى ثلاث فترات.

الفترة الأولى: مؤلفاته في فترة الشباب ((وهي قريبة العهد بأستاذه سقراط، وهذه المحاورات هي (الدفاع سقراط) و (أقريطون) و(أطفيرون) والمحاورة الأخيرة تدور حول (النفوس ))) ([5])

الفترة الثانية: فترة الكهولة ((وهي متأثرة بأراء الفيثاغورية أشهراها محاورة (أقراطيلوس) ويناقش فيها المشكلة اللغوية) ([6])

الفترة الثالثة: مرحلة الشيخوخة (وهي ذات طابع جدلي جاف، ومنها (السفسطائي) حيث يتكلم عن الأجناس العليا والوجود واللاوجود، والفن وأقسامه وأيضا (السياسي) يتكلم عن رئيس المدينة ويستعرض مسائل سبق وأن أشار إليها في( الجمهورية )وفي (فيلسيبوس) ([7])

ثالثا: مكانته العلمية:

يقول أ. محمد أحمد منصور في موسوعته الفلسفية ((بأنه أعظم فيلسوف في العصور القديمة وربما في كل العصور، ولد نحو عام 427 ق.م لأسرة أثينية ارستقراطية)) ([8]) ويقول عنه أيضا د. إسماعيل الشرفا ((ومن جهة أخرى يعد أفلاطون مفكر عبقري عظيم اتصف بذكاء ناذر، وخيار مبدع، وفهم لمبادئ الوجود، لم يغتر طول حياته، وعليه يعد مؤسس المثالية الموضوعية، ومن خصائص أفلاطون (الجدل المنسق ) ([9])

 فلسفته السياسية:

إن هدف أفلاطون الأسمى في فلسفته السياسية تكوين دولة عادلة يرأسها فيلسوف حكيم وهذه الجدولة تهتم بالصالح العام ((الدولة وجدت لأجل الصالح العمومي، لا لأجل تفضيل طبقة على أخرى ، ثم إن كانت العدالة هي الفضيلة الكبرى، ففي الدولة تمارس هذه العدالة الممارسة الفضلى لأنها تتحقق أفضل ما تتحقق، يبذل كل مواطن جهده في تتميم الواجب المترتب عليه مع احترامه الآخرين)) ([10]) ومهمة الدولة ترجع إلى الفيلسوف ((أما مهمة هذا العدل وهذا الانسجام، فيجب أن تسند إلى الفيلسوف، لأن الفيلسوف وحده قد شاهد الحقيقة الوجودية المطلقة، ولذلك فهو وحده يستطيع أن يقيم التوازن اللازم بين المواطنين، لأن علم الموازنة يبين مراتب القيم)) ([11])

ولأفلاطون كتب في السياسة من أهمها كتاب الجمهورية وكتاب النواميس (أما الكتاب الأول فهو من كتب الشباب وأما الكتاب الثاني فهو من كتب الشيخوخة، والفرق بين الكتابين أن كتاب الجمهورية يبين لنا كيف ينبغي للحاكم الفيلسوف أن يحكم بالعقل والعدل، وما هي شروط الدولة المثالية، على حين أن الكتاب الثاني يقنع بحكومة واقعية أقرب إلى حال الإنسان، ففي كتابه الجمهورية بحث نظري في الأخلاق السياسية، وفي كتاب النواميس بحث عملي في القوانين ولاسيما قوانين العقوبات، فموضوعه إذا التشريع لتحقيق المثل الأعلى المرسوم في الجمهورية ولكن مع مراعاة طاقة الإنسان ومقتضيات حياته)) ([12]).

والدولة في نظر أفلاطون لابد أن تقوم على العدالة لأنها أصل الأشياء، والعدالة هي التي تحقق التوازن الطبيعي ((تتفق نظرية أفلاطون عن العدالة مع نظرية سقراط في خاصية مهمة وهي أن أصل العدالة موجود في أصل الأشياء التي مصدرها الآلهة، ولقد رأينا أن سقراط يرى أن العدالة مصدر إلهي وهو القانون، أما أفلاطون فيرى أن مصدر العدالة هو التوازن الطبيعي الذي هو أيضا من خلق الله )) ([13])

فيما سبق يتبين لنا أن هدف أفلاطون من قيام الدولة هو تحقيق العدالة لأنها هي التناغم والانسجام مع النظام الإلهي سواء أكان في الطبيعة أوفي أعراف الناس.

 المدينة العادلة عند أفلاطون:

يقول د. جميل صليبا عن العدالة في فلسفة السياسية عند أفلاطون (القد أورد أفلاطون في كتابه الجمهورية ثلاث تعريفات للعدالة :الأول هو أن العدالة اتفاق أعمال إنسان مع التقاليد الموروثة ، والثاني أن العدالة هي تحقيق مصلحة الأقوى والثالث :أن العدالة هي اتفاق الناس فيما بينهم على أن لا يظلم بعضهم بعضا)) ([14])

 الفيلسوف ((هو رئيس المدينة)) وحاكمها:

((وفي القوانين يتخذ دور المحقق الذي يساعد أهل المدينة على خلاص نفوسهم وفي سبيل ذلك يخيرهم بين السجن أو الاعتقاد في آلهة المدينة، وأخيرا فهو الشخص المتحمس أو الملهم في (فيدورس) وفي (المأدبة))) ([15])

 كيف تفسر الأنظمة السياسية عند أفلاطون ؟

رأى أفلاطون أن الأنظمة السياسية لأتثبت على حال واحدة، وأنها تتغير بتغير أخلاق البشر، وأما السبب المباشر لتلك التغيرات فيرجعه أفلاطون إلى نشوب الخلافات بين أفراد السلطة الحاكمة نفسها، وقبل أن يتحدث أفلاطون عن دولته الفاضلة فإنه قد ميز بين أربعة أنواع من الدول كلها فاسدة في نظره، وهي الدول اليتموقراطية والأوليجاركية والديمقراطية و الطاغوتية.

وفي تقدير أفلاطون فإن الفساد يدب في أركان الدولة المثلى عندما يغفل حكامها عن إدراك الأوقات الفاسدة منها، والواقع أن أفلاطون كان صريحا في تحديده لطبيعة العوامل التي تؤدي إلى الشقاق في الدولة، وبالتالي إلى التغيرات والثورات السياسية حيث يقول ((أن التفرقة بين الناس إنما ترجع إلى أنهم في المجتمع لا يستخدمون كلمات: ملكي، وليس ملكي، وملك غيري، وليس ملك غيري، بالنسبة إلى أشياء واحدة، وعلى ذلك فأصلح الدول هي تلك التي يستخدم فيها أكبر عدد من المواطنين هذه الكلمات بمعنى واحد، وبالنسبة إلى أشياء واحدة، وهذه الدول أشبه ما تكون بفرد واحد)) ([16]) إذا الدولة السياسية عند أفلاطون لابد أن تقوم على العدالة، لأنها متعلقة بأفعال الإنسان الباطنية، يقول أفلاطون (( ولكن الواقع أن للعدالة على الرغم من ارتباطها الواضح بهذا المبدأ لا تتعلق بأفعال الإنسان الظاهرة، !نما بأفعاله الباطنة، وبما يختص به الإنسان وما يكون فيه قوام الناس، فالشخص العادل لا يسمح لأي جزء منه بفعل شيئ خارج عن طبيعته ولا يقبل أن يتعدى أي جزء من أجزاء النفس الثلاثة على وظائف الجزأين الآخرين. ([17])

 النظام السياسي في القوانين:

((وفي كتاب القوانين نجد أن أفلاطون قد رجع عن بعض آرائه السابقة في الجمهورية فنراه يرفض شيوعية النساء والأطفال، وكذلك الملكية الخاصة، وحكم الفلاسفة، وقد استعاض عن حكم الفلاسفة بمجلس حكومي مؤلف من مجموعة من الأفراد هم حراس الدستور الذين يراقبون الزواج وحياة الأسرة ومعاشها ويقسمون الأرض ويحققون تفتيتها بالميراث)) ([18])،أما الدولة فغرضها الأول عند أفلاطون هو السلام فيقول ((يجب أن تنظم الدولة دائما بهدف السلام لا الحرب، ولكي تكون على ذلك النحو، يجب أن نجعل من (الخير التام ) المثل الأعلى للخلق بالنسبة لمواطنيها، ويتطلب التدريب الخلقي الذي يمكن أن يتبع في مثل هذا الخير التام يتطلب فضح الغوايات والداهنات لرذائلنا الجالبة للذة)) ([19])

 خصائص النظم الدستورية عند أفلاطون :

يقول أفلاطون ((أن النظم الدستورية المشروعة التي تعتبر الأنسب بالنسبة للجماعة هي ما كانت متفقة مع بيئتها الطبيعية ومواردها الاقتصادية ومع تكوين الشعب نفسه )) ([20])

والنظام السياسي في القوانين عند أفلاطون يتحدث عن أنواع الحكومات:

 نظام المدينة وتربية الأحداث:

فيما سبق تحدثنا عن أثر أفلاطون على الفكر السياسي وهي ما يلي:

لقد كانت لمدرسة الجمهورية تأثير واضح على الإنتاج الفكر السياسي.

إن فلسفة أفلاطون السياسية ظهرت من خلال الجمهورية والقوانين.

إن المدينة الفاضلة في نظر أفلاطون يجب أن تظل واحدة متحدة حكيمة يحكمها شجاعة جنودها، عفيفة بعمالها عادلة، بما يقوم به كل فرد من أفرادها من الأعمال المناسبة مع استعداداته ومؤهلاته.

يؤكد أفلاطون في كتابه النواميس (القوانين) على قانون العقوبات لتحقيق المثل الأعلى الرسوم في الجمهورية ولكن مع مراعاة طاقة الإنسان.

يوضح لنا أفلاطون أن فضائل المدينة لا تختلف عن فضائل الفرد وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة.

إن مفهوم الاشتراكية عند أفلاطون يعبر عن وحدة الدولة أي إتباع نظام الحياة الاشتراكية وهي اشتراكية الملك، واشتراكية الملك، واشتراكية الملك فهي أن لا يملك حراس الدولة وحكامها.

ثانيا : 

الفارابي حياته ونشأته:

((هو محمد بن محمد بن طرخان من فاراب تركستان، وهو الملقب بالمعلم الثاني، ولم يكن أفضل منه في حكماء الإسلام قبله، وقيل الحكماء الأربعة، اثنان قبل الإسلام، وهما أرسطو وأبو قراط، واثنان في الإسلام، وهما أبو نصر أبو علي)) ([21])

ثانيا: 

أهم مؤلفات الفارابي :

للفارابي مصنفات متعددة ومتنوعة في جميع العلوم والفنون، ومعظمها مطبوعة ((له تصانيف كثيرة أكثرها موجودة في الشام، وما وجد منها بخرسان الختصر الأوسط في المنطق، والمختصر الموجز، وكتاب البرهان، وجوامع كتب المنطق، وآراء المدينة الفاضلة، والتعليقات، وشرح كتب أرسطو، وشرح أو قليدس في الموسيقا أربع مجلدات)) ([22])، ونظرا لمؤلفات الفارابي الغزيرة سمي بالمعلم الثاني ((لقب الفارابي بالمعلم الثاني وأرسطو بالمعلم الأول، وأراد البرهان على غرار الأفلاوينين)) ([23])

ثالثا : مكانته العلمية:

يقول ابن خلكان ((الفارابي أكبر فلاسفة المسلمين على الإطلاق)) فقد أنشأ مذهبا فلسفيا كاملا ،وقام في العالم العربي بالدور الذي قام به أفلوطين في العالم الغربي وهو الذي اخذ عن ابن سينا وعده أساتذة له، كما أخذ عنه ابن رشد وغيره من فلاسفة العرب، وقد لقب بحق ((المعلم الثاني)) على اعتبار أن أرسطو((المعلم الأول )) ([24])

 فلسفة الفارابي السياسية:

نلاحظ أن الفارابي له مؤلفات في فلسفة السياسة، مثل كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة ،والسياسة المدنية، حيث نجد أن مؤلفاته في السياسة على كتاب الجمهورية والقوانين في السياسة لأفلاطون، وفلسفة السياسة عند الفارابي وتسمى بالعلم المدني حيث يقول الفارابي ((أما العلم المدني فأنه يفحص عن أصناف الأفعال والسنن الإرادية وعن الملكات والأخلاق والسجايا والشيم التي عنها تكون الأفعال والسنن، وعن الغايات التي لأجلها تفعل، وكيف ينبغي أن تكون موجودة في الإنسان وكيف الوجه في ترتيبها فيه على النحو الذي ينبغي أن يكون وجودها فيه والوجه في حفظها)). ([25])

وللمدينة رئيس أو ملك أو إمام من أجل تحقيق السياسة النافعة ((لهذه المدينة رئيس يسميه الفارابي أيضا((الملك)) و((الإمام)) ويشترط فيه شروطا جسمية وعقلية وخلقية، كما يشترط الفقهاء هم أيضا شروطا فيمن يرونه أهلا للإمامة)) ([26])

والمدينة الفاضلة إذ يجتمع في رئيسها الحكمة والسلطة، ويظل الفيلسوف يراوده انتظار ائتلاف الحكمة والسلطة في مدينته الفاضلة.

 الرابط بين الإلهيات والسياسات عند الفارابي:

يقول د. ماجد فخري ((على إننا ما تحولنا إلى فكر الفارابي من حيث مادته بعد أن نظرنا إليه من حيث منهجه وتاريخه وجدنا أنه ينقسم إلى قسمين رئيسيين :الأول في الإلهيات والثاني في السياسة)) ([27]) .

ولعل كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة الذي ألفه الفارابي في الاجتماع الإنساني، ووصف شرائطه وأنواعه، بل يبحث في كثير من السائل الإلهية وسبب ذلك ((أن رأي الفارابي في السياسة تابع لرأيه في العقول السماوية، وصور الموجودات عن السبب الأول، وعلاقة الأكوان بعضها ببعض، فكتاب المدينة الفاضلة مجموع فلسفي مختصر، يجد القارئ فيه كل ما يحتاج إلى معرفته من نظريات الفيض والإرادة والاختيار، والوحي والنبوة والسعادة)) ([28])

 مفهوم المدينة الفاضلة عند الفارابي:

يقول الفارابي ((والمدينة الفاضلة تشبه البدن التام الصحيح، الذي تتعاون أعضاؤه كلها على تتميم حياة الحيوان، وعلى حفاظها عليه، وكما أن البدن أعضاؤه مختلفة متفاضله الفطرة والقوى وفيها عضو واحد رئيس وهو القلب، وأعضاؤه تقرب مراتبها من ذلك الرئيس، وكل واحد منها جعلت فيه بالطبع قوة يفعل بها فعله، ابتغاء لا هو بالطبع غرض ذلك العضو الرئيس )) ([29])

 شروط رئيس المدينة الفاضلة عند الفارابي :

يقول الفارابي ((وكما أن العضو الرئيس في البدن هو بالطبع أكمل أعضائه وأتمها في نفسه وفيما يخصه، وله منكل ما يشارك فيه عضو آخر أفضله، ودون أيضا أعضاء أخرى رئيسية لا دونها ،ورياستها دون رياسة الأول، وهي تحت رياسة الأول رأس وترأس، وكذلك رئيس المدينة هو أكمل أجزاء المدينة فيما يخصه وله من كل شارع فيه غيره أفضله . ودونه قوم مرؤوسون منه ويرؤسون آخرين، ورئيس المدينة الفاضلة لا يمكن أن يكون أي إنسان اتفق، لأن الرئاسة أنما تكون بشيئين: أحدهما أن يكون بالفطرة والطبع معدا لها، والثاني بالهيئة والملكة الإرادية والرياسة التي تحصل لمن فطر بالطبع معدا لها. ([30])

((وكذلك الرئيس الأول للمدينة الفاضلة ينبغي أن يكون صناعته صناعة لا يمكن أن يخدم بها أصلا، ولا يمكن فيها أن ترأسها صناعة أخرى أصلا، بل تكون صناعته صناعة نحو غرضها تؤم الصناعات كلها وإياه يقصد بجميع أفعال المدينة الفاضلة، ويكون ذلك الإنسان إنسانا ل أيكون يرأسه إنسان أصلا، وإنما يكون ذلك الإنسان إنسانا قد استكمل فصار عقلا ومعقولا بالفعل )) ([31])

 أهم خصال وشروط رئيس المدينة عند الفارابي :

إن الرئيس الذي لا يرأسه إنسان آخر أصلا، وهو الإمام، وهو الرئيس الأول للمدينة الفاضلة، وهو رئيس الأمة الفاضلة، ورئيس المعمورة في الأرض كلها، ولا يمكن أن يصير هذا الحال إلا لمن اجتمعت فيه بالطبع اثنتا عشرة خصلة قد فطر عليها:

ويكون الرئيس الثاني الذي يخلف الأول من اجتمعت فيه من مولده وصباه تلك الشرائط ويكون بعد كبره فيه ست شرائط:

  1. أن يكون حكيما.
  2. أن يكون علما حافظا للشرائع والسنن والسير التي دبرها الأولون للمدينة.
  3. أن يكون له جودة استنباط فيما لا يحفظ عن السلف فيه شريعة، ويكون فيما يستنبطه من ذلك محتذيا الأئمة الأولين.
  4. أن يكون له جودة رؤية وقوة استنباط لما سبيله يعرف في وقت من الأوقات الحاضرة من الأمور والحوادث التي تحدث مما ليس سبيلها أن يسير فيه الأولون.
  5.  أن يكون له جودة إرشاد بالقول إلى شرائع الأولين.
  6.  أن يكون له جودة ثبات ببدنه في مباشرة أعمال الحرب، وذلك أن يكون معه الصناعة الحربية الخادمة والرئيسية. ([33])

 مضادات المدينة الفاضلة عند الفارابي :

والمدينة الفاضلة تضادها المدينة الجاهلية، والمدينة الفاسقة، والمدينة المبتذلة، والمدينة الضالة، وبضادها أيضا من إفراد الناس نوائب المدن.

 أنواع المدن الفاسدة عند الفارابي:

 العقل الفعال: وكل شيء سبيله أن يعلمه أهل المدينة ويعتقدونها ولكن تكون أفعال أهلها أفعال أهل المدن الجاهلية.

المدينة الضالة :وهي التي تظن بعد حياتها هذه السعادة ولكن غيرت هذه وتعتقد في الله عز وجل وفي الثواني وفي العقل الفعال آراء فاسدة لا يصلح عليها. ([35])

الخاتمة

بعد أن انتهيت من هذا البحث توصلت إلى مجموعة نتائج وهي ما يلي:-

يؤكد أفلاطون أن الأنظمة السياسية لا تثبت على حالة واحدة، فإنها تتغير بتغير أخلاق البشر

من أهم العوامل التي تساعد على فساد الأنظمة السياسة هي نشوب الخلافات بين أفراد السلطة الحاكمة نفسها، والدول الفاسدة التي تحدث عنها أفلاطون هي:

1-التيموقراطية، 2 – الأوليجاركية، الديموقراطية، والطاغوتية.

لقد كان المدرسة (الجمهورية ) تأثير واضح على الإنتاج الفكري السياسي لفلاسفة مسلمين كبار شأن أبى نصر الفارابي الذي كتب على أثر المنهاج.

من خلال المقارنة بين الفلسفة السياسية منذ أفلاطون والفارابي تبين أن الفارابي حاول أن يصوغ حقائق الإسلام بما يتفق مع أصول الفكر الأفلاطوني وذلك كما سيبدى في كتبه المرسوم ب ( المدينة الفاضلة ) .

من أهم كتب الفارابي السياسية، جوامع كتاب النواميس لأفلاطون، وكتب السياسة المدينة، وكتاب آراء أهل المدينة الفاضلة، ورسالة في السياسة.

يتناول الفارابي خصال وصفات الرئيس وهي، أن يكون تام الأعضاء، جيد الفهم، ذكيا، حسن العبارة، محبا للصدق مبغضا للكذب، كبير النفس.

المدينة الفاضلة عند الفارابي هي بناء ذهني مجرد وقد ركب من قراءة لجمهورية أفلاطون، ومما بلغه عن سياسة أرسطو.

يؤكد الفارابي على ضرورة الاجتماع الإنساني ورابطة، ومن أهم أنواع المجتمعات هي، المجتمعات الكاملة، والمجتمعات غير الكاملة.

تناولنا في هذا البحث المدن المضادة للمدينة الفاضلة عند الفارابي وهي : المدينة الجاهلة، الضرورية، الخسة والشقوة، الكرامة، التغلب والفاسقة، المبدلة، الضالة. 

 

المراجع

أولا: المصادر:

القوانين، أفلاطون، ترجمة من اليونانية إلى الإنجليزية، د. تيلور، نقله إلى العربية محمد حسن ظاظا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، بدون طبعة، 1987 م.

جمهورية أفلاطون، ترجمة د. فؤاد زكريا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، بدون طبعة، 1985 م.

السياسة المدنية :الفارابي – حققه د. فوزي متري بخار- دار المشرق – بيروت – لبنان – الطبعة الثانية – 1993.

إحصاء العلوم، الفارابي، تحقيق د. علي بوملحم، دار ومكتبة الهلال، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1996 م.

آراء أهل المدينة الفاضلة، الفارابي، تحقيق د. البيرنصري نادر، الطبعة السابعة، 1997، دار المشرق، بيروت.

تاريخ حكماء الإسلام – ظهر الدين البيهقي – تحقيق ممدوح حسن محمد- مكتبة الثقافة الدينية مصر- الطبعة الأولى 1417 ه 1996م

ثانيا :المراجع:

تاريخ الفكر الفلسفي من طاليس إلى أفلاطون، د. محمد علي أبوريان، الجزء الأول، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، الطبعة الخامسة، 1972 م.

أفلاطون، سيرته آثاره، مذهبه الفلسفي، الأب جيمس فيتكان اليوعي، المكتبة الشرقية، بيروت لبنان، الطبقة الأولى، 1991.

تاريخ الفلسفة العربية، د. جميل صليبا، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1415 هـ- 1995 م .

مفهوم العدالة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي، د. بشير إمام، دار روائع، الأردن، الطبعة الأولى، 1414 هـ – 2003 م.

تاريخ الفلسفة الإسلامية، د. ماجد فخري، نقله إلى العربية د. اليازجي – دار المشرق، بيروت ، الطبعة الثانية 2000 م.

دروس في تاريخ الفلسفة، تأليف : د . إبراهيم مدكورو. أ. يوسف كرم، دار الفكر العربي، القاهرة، بدون طبعة وسنة نشر

ابن خلكان ((وفيات الأعيان ))- الجزء الثاني – ص 100 وما بعدها من من طبعة بولاق سنة 1899 م.

السلطة الثقافية والسلطة السياسية، د. علي أو قليل، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1996.

ثالثا :الموسوعات:

الموسوعة الفلسفية د. إسماعيل الشرفا، دار أسامة، الأردن، الطبعة الأولى، 2003 م.

موسوعة أعلام الفلسفة، أ. محمد أحمد منصور، دار أسامة، الأردن، الطبعة الأولى.

[·] عضو هيئة تدريس بكلية الآداب زليتن – الجامعة الأسمرية الإسلامية.

[1] دروس في تاريخ الفلسفة، تأليف: د. إبراهيم مدكور و. أ. يوسف كرم،  دار الفكر العربي، القاهرة، بدون طبعة وسنة نشر، ص 16.

[2] المرجع السابق،  نفس الصفحة.

[3] الموسوعة الفلسفية د. إسماعيل الشرفا، دار أسامة، الأردن،  الطبعة الأولى،  2003 م،  ص 54

[4] المصدر السابق،  ص 55 .

[5] تاريخ الفكر الفلسفي من طاليس إلى أفلاطون،  د. محمد علي أبوريان،  الجزء الأول،  دار المعرفة الجامعية،  الإسكندرية،  الطبعة الخامسة، 1972 م،  ص 178

[6] المرجع السابق نفس ص 169 .

[7] المرجع السابق نفس الصفحة.

[8] موسوعة أعلام الفلسفة،  أ. محمد أحمد منصور، دار أسامة،  الأردن،  الطبعة الأولى،  ص 61 .

[9] الموسوعة الفلسفية،  د. إسماعيل الشرفا،  مصدر سابق، ص 54 .

[10] أفلاطون، سيرته آثاره، مذهبه الفلسفي،  الأب جيمس فيتكان اليوعي،  المكتبة الشرقية،  بيروت لبنان،  الطبقة الأولى،  1991، ص 83.

[11] المرجع السابق نفس الصفحة.

[12] تاريخ الفلسفة العربية، د. جميل صليبا،  الشركة العالمية للكتاب،  بيروت،  لبنان،  الطبعة الثالثة، 1415 ه- 1995 م،  ص 52 .

[13] مفهوم العدالة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي،  د. بشير إمام،  دار روائع، الأردن، الطبعة الأولى، 1424 هـ – 2003 م

[14] تاريخ الفلسفة العربية،  د. صليبا،  مرجع سابق،  ص 52.

[15] تاريخ الفكر الفلسفي،  د. أبوريان،  مرجع سابق،  ص 174 .

[16] جمهورية أفلاطون،  ترجمة د. فواد زكريا،  الهينة المصرية العامة للكتاب،  بدون طبعة،  1985 م، ص 78 .

[17] المصدر السابق،  ص 328.

[18] تاريخ الفكر الفلسفي،  ابوريان،  مرجع سابق،  ص 295

[19] القوانين،  أفلاطون،  ترجمة من اليونانية إلى الإنجليزية،  د. تيلور، نقله إلى العربية محمد حسن ظاظا،  الهيئة المصرية العامة للكتاب،  بدون طبعة،  1987 م،  ص 30 .

[20] القوانين،  أفلاطون،  المصدر السابق،  ص 39 .

[21] تاريخ حكماء الإسلام – ظهر الدين البيهقي – تحقيق ممدوح حسن محمد- مكتبة الثقافة الدينية مصر- الطبعة الأولى 1417 ه- 1996 م، ص 41

[22] المصدر السابق نفس الصفحة.

[23] موسوعة أعلام الفلسفة – محمد أحمد منصور- مرجع سابق – ص 221 .

[24] ابن خلكان ((وفيات الأعيان ))- الجزء الثاني – ص 100 وما بعدها من من طبعة بولاق سنة 1899 م

[25] إحصاء العلوم،  الفارابي، تحقيق د. علي بوملحم،  دار ومكتبة الهلال،  بيروت لبنان،  الطبعة الأولى 1996 م ص 79.

[26] السلطة الثقافية والسلطة السياسية،  د. علي أو قليل،  مركز دراسات الوحدة العربية،  بيروت لبنان،  الطبعة الأولى 1996، ص 184.

[27] تاريخ الفلسفة الإسلامية، د. ماجد فخري،  نقله إلى العربية د. اليازجي – دار المشرق،  بيروت،  الطبعة الثانية 2000،  ص 192 .

[28] تاريخ الفلسفة العربية،  د. جميل صليبا،  مرجع سابق،  ص 167.

[29] آراء أهل المدينة الفاضلة،  الفارابي،  تحقيق د. البيرنصري نادر، الطبعة السابعة، 1997،  دار المشرق،  بيروت،  ص 118 .

[30] المصدر السابق ص 120

[31] آراء أهل المدينة الفاضلة،  المصدر السابق،  ص 120 .

[32] آراء أهل المدينة الفاضلة،  المصدر السابق ص 121

[33] آراء أهل المدينة الفاضلة – الفارابي – ص 129.

[34] آراء أهل المدينة الفاضلة – الفارابي – ص 130

[35] آراء أهل المدينة الفاضلة – الفارابي – ص 131