ليو شتراوس والفلسفة الإسلامية الوسيطة
(1)جورج تامر(*)
1-ليو شتراوس: حياته وآثاره
ولد ليو شتراوس في 20 سبتمبر/ ايلول 1899، من عائلة يهودية في قرية كرشهاين التابعة لمقاطعة هس الألمانية. درس الفلسفة والرياضيات والعلوم الطبيعية في جامعات ماربورج وفرانكفورت وبرلين وهامبورج على التوالي. وحاز عام 1921 على درجة الدكتوراه في الفلسفة، وقد تناولت رسالته مشكلة المعرفة لدى الفيلسوف فريدريش هاينرش ياكوبي (1743 – 1819). تابع بعدها الدراسة في فرايبورج، فالتقى هوسرل وهايدجر. عمل ابتداء من عام 1925 باحثا في أكاديمية العلوم اليهودية في برلين، حيث ألف كتابه الأول نقد الدين لدى سبينوزا(2). انضم شتراوس في شبابه إلى إحدى المنظمات الطلابية الصهونية. وتتصف بواكير مقالاته الصحافية بحماسة قومية يهودية، واهتمام بالغ بوضع اليهود في ألمانيا أثناء جمهورية فايمار(3). حصل شتراوس عام 1932 على منحة من مؤسسة روكفلر قادته إلى باريس، حيث تعرف إلى المستشرق الشهير لويس ماسينيون، الذي “ترك في نفسه أبلغ الأثر(4)، ثم انتقل إلى لندن. رحل عام 1938 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث درس أولا في “المدرسة الجديدة للأبحاث الاجتماعية” New School for Social Research في نيويورك، وأصبح ابتداء من عام 1948 أستاذا لتاريخ الفكر السياسي في جامعة شيكاغو. توفى في انابوليس في 18 تشرين الأول 1973.
ترك ليو شتراوس 17 كتابا – ترجم كثيرا منها إلى عدة لغات وأعيد طبعه – وعددا كبيرا من المقالات والدراسات. ويضاف إلى آثاره المكتوبة الأثر الكبير الذي خلفه في الأوساط الأكاديمية والسياسية في أميركا من خلال تلاميذه الذين احتلوا مراكز هامة في الجامعات والإدارة الأميريكية، ويعرفون اليوم باسم الشتراوسيين (The Straussians)(5).
ولا تعزي أهمية شتراوس في خطاب الفلسفة والعلوم السياسية الحديثة فقط إلى المواضيع التي عالجها، بل أيضا إلى الطريقة التي اعتمدها في معالجتها، والأسلوب الذي استعمله في تأويل كتابات وسيطة وقديمة. يضاف إلى ذلك تشديده على أهمية النقل الشفوي للأفكار، وأحاطته لنفسه بحلقة من التلاميذ المخلصين الشديدي الإعجاب به، الذين ساهموا بدورهم في نشر أفكار معلمهم، وأحاطوه وأنفسهم بهالة من السرية.
أما مؤلفات ليو شتراوس التي تناول فيها بعض جوانب الفلسفة الإسلامية الوسيطة فهي:(6)
كتاب الفلسفة والشريعة (Philosophie und Gesetz)(7). وهو من أهم أعمال شتراوس، إذ إنه يحتوي الخطوط الأساسية للبرنامج الفلسفي الذي التزم به طوال حياته، ولم يضف إليه لاحقا إلا ما تطلبته ظروف العمل الأكاديمي في أميركا. يطرح الكتاب إشكالية العلاقة بين الفلسفة والشريعة انطلاقا من واقع اليهود في ألمانيا في عشرينات القرن الماضي، حيث كانت الجماعة اليهودية تعاني من صراع داخلي حاد بين دعاة المحافظة على التقليد الديني والحضاري اليهودي ودعاة الاندماج في المجتمع الألماني وثقافته. وولد هذا الصراع تحديات فكرية، كان على المثقفين إيجاد أجوبة عليها، تدور بشكل أساسي حول قيمة الدين وأهميته بالنسبة إلى الفرد والمجتمع. ويتضمن الكتاب مقدمة مستفيضة يهاجم فيها شتراوس كلا من النزعة التقليدية المتحجرة والعقلانية الحديثة الرافضة للدين، معلنا أن العقلانية الغربية الحديثة أخفقت في القضاء على الاعتقاد الديني، وسبب إخفاقها هذا هو أنها – كما سبق لنيتشه وهايدجر أن بينا – لا تهتم بجذور ما تنتقده، بل تكتفي بالتعامل مع ظواهره فقط. وفي المقدمة يعلن شتراوس إلحاده الذي يصفه بأنه نابع من نزاهة عقلية، وأنه يقوم على قواعد الكتاب المقدس. ومعنى هذا الاعتراف الذي يبدو متناقضا هو أن شتراوس أراد أن ينكر وجود الله من دون أن يتنكر للدين.
ويرسى شتراوس الدراسة الأولى على أساس مفهومه للدين كشريعة تتضمن بالدرجة الأولى أحكاما تتناول حياة الفرد والمجتمع، ترافقها عقائد هي موضوع إيمان، ضرورية لتثبيت الأحكام الاجتماعية الطابع في النفوس. ويحول ثنائية العلم والإيمان إلى ثنائية الفلسفة والشريعة، معلنا أن الإيمان يتناول ما تتضمنه الشريعة، وبالتالي فهو يأتي بعدها. ويصرح شتراوس بأن فلاسفة القرون الوسطى المسلمين واليهود أدركوا وجود الثنائية بين الفلسفة والشريعة، فجعلوا مسألة استيعاب دين الشريعة فلسفيا صلب فلسفتهم التي كانت بدورها قائمة على أساس الشريعة. ويخصص لثنائية الفلسفة والشريعة الدراستين اللاحقتين في الكتاب. وأولاهما تتناول تبرير الفلسفة أمام منبر الدين، كما ورد عند ابن رشد في كتاب فصل المقال. والثانية – وهي الأطول في الكتاب – تتناول آراء الفارابي وابن سينا وابن ميمون في النبوة، وشتراوس يعد هذه الآراء تفسيرا فلسفيا للدين. وهو يعرض في هذه الدراسة مفهومه الجديد للدين، كما طوره بناء على إشارة ابن سينا ورجوعا إلى فلسفة الفارابي، وهذا ما سأفصله لاحقا.
بعض الملاحظات حول العلم المدني لدى ابن ميمون والفارابي(8)
في هذه الدراسة المستفيضة التي صدرت إثر الكتاب الآنف ذكره يكمل شتراوس الخط الذي بدأ به ويوسعه معمقا بعض نقاطه. وهكذا يذكر في مطلعها أن الفلاسفة المسلمين واليهود الوسيطين أتوا بعلم مدني، محوره شخص النبي والشريعة التي يأتي بها لتنظيم شؤون الناس الدينية والدنيوية معا، وأن هؤلاء الفلاسفة يتبعون في تفسير الشريعة نموذج نواميس أفلاطون.
ويبين شتراوس بواسطة شواهد كثيرة أن ابن ميمون متأثر في فلسفته وتفسيره للتوراة بفلسفة الفارابي، الذي طور “سياسة فلسفية” مكنته من أن يعتبر دين الوحي تحقيقا لبرنامج أفلاطون الذي هدف إلى تأسيس الدولة المثالية، وهذا ما جعل الفلاسفة المسلمين يوقفون السعي الفلسفي من أجل تأسيس هذه الدولة، وينصرفون إلى شرح ظاهرة الوحي في إطار السياسة الأفلاطونية. ويؤكد أن نقد الحداثة والتقليدية الدينية، على حد سواء، لا يجدي نفعا إلا إذا تم بواسطة فهم صحيح للعقلانية الوسيطة، وأن هذا لا يكون إلا بفهم فلسفة الفارابي السياسية الأفلاطونية، التي تضم حقول الفلسفة المختلفة(9). ويصف شتراوس فلسفة الفارابي بأنها “نقدية حقا” إذ إنها ترفض المذهب الطبيعي والتطرف الديني على حد سواء(10).
ويتطرق مجددا إلى موضوع النبوة قائلا أن الفارابي وابن سينا وابن رشد إنما نظروا إلى النبوة كواقع سياسي في الجوهر، ولهذا أضافوا صفة الإقدام في الحروب إلى الصفات التي أعلن أفلاطون ضرورة وجودها في شخص الملك – الفيلسوف، والتي رأوا ضرورة اجتماعها في النبي أيضا، وقد حددوا مهمته الأساسية بالقيادة السياسية التي تسخر من أجلها الفلسفة والقدرة على التنبؤ.
كتاب مفقود للفارابي(11)
يتناول شتراوس في هذه الدراسة كتاب ابن فلقيرا “بدء الحكمة”، ليبين أن القسم الثاني منه أنما هو ترجمة عبرية لكتاب الفارابي إحصاء العلوم ورسالة ابن سينا في أقسام العلوم العقلية. أما القسم الثالث فيعتبره شتراوس ترجمة لكتاب مفقود ألفه الفارابي في فلسفة أفلاطون وارسطوطاليس، مقدمته كتاب تحصيل السعادة(12). وكتاب الفارابي المثلث الأجزاء المفقود يعرض، في رأي شتراوس، فلسفة أفلاطون وأرسطو كفلسفة واحدة ذات طبقتين: باطنية أفلاطونية وظاهرية ارسطوطالية. وهو يذهب إلى أن الفارابي يسقط من هذه الفلسفة ميتافيزيقا ارسطوطاليس، ليس بسبب فساد المخطوطات التي وصلته كما يفترض المؤرخون، ولكن بسبب عدم قبوله الميتافيزيقا إلا في إطار سياسي، كما هي الحال في الفلسفة الأفلاطونية. ويختم الدراسة داعيا بنبرة متحمسة إلى نبش آثار الفارابي وتحقيقها ودراستها، لأهميتها البالغة في سبيل فهم مقاصد الفلاسفة الوسطيين.
أفلاطون الفارابي(13)
يخصص شتراوس هذه الدراسة المستفيضة لعرض الفارابي لفلسفة أفلاطون(14). وهو يولي هذا الأثر أهمية كبيرة لأنه، في رأيه، يحتل قلب الكتاب الذي يعتقد أن الفارابي تناول فيه “أغراض فلسفة أفلاطون وارسطوطاليس”(15)، فهو التالي يعكس جوهر الفلسفة الكلاسيكية بامتياز. ويرى شتراوس، بناء عليه، أن ما عده الفارابي غرض أفلاطون الصحيح أنما هو غرض الفلاسفة جميعا. وأن الفارابي يريد في عرضه أن يصف الترابط الداخلي والضروري في فكر أفلاطون الناضج، وهذا ما جعله يهمل التعامل مع النصوص الأفلاطونية بدقة تاريخية، ليلتفت عوضا عن ذلك إلى الحقيقة الكامنة فيها، فيظهر بذلك أفلاطونيا حقا، تتجلى أفلاطونيته في ازدواجية تفسيره لآثار أفلاطون. إذ أن ظاهر النص يبدو مناسبا لأكثرية القراء، فيما هو يخفي تحته طبقة تفسيرية لا يبلغها إلا الفلاسفة وحدهم. ويقرن شتراوس هذه الازدواجية التي ينسبها إلى أثر الفارابي بما لاحظه هذا من أن أفلاطون جمع في الجمهورية بين طريقة سقراط الملائمة لمخاطبة الفلاسفة أو المستعدين لتقبل الفلسفة، وطريقة ثراسيماخوس الملائمة للتعامل مع عامة الشعب. ويشير شتراوس إلى أن الفارابي هو المفسر الوحيد الذي لاحظ تمييز أفلاطون هذا وجمعه هاتين الطريقتين. ويرى أن عنصرا آخر من أفلاطونية الفارابي يتجلى في اختراعه ما لا تتضمنه النصوص التي لخصها. فهو يختفي وراء عمل الشارح، ناسبا إلى أفلاطون أقوالا لم يقلها أو مهملا ما قاله أفلاطون حقا، ليشير بذلك إلى ما لا يستطيع التصريح به أو نفيه خوفا من أن يرمي بالكفر.
ويشير إلى أن الفارابي يوحي لقرائه بأن الفلسفة سياسية جوهرا وبأنها لا يمكنها منح الناس السعادة إلا إذا اقترنت بالسياسة؛ ولكن هذا ليس إلا “سياسة أفلاطونية” تخفي عن الجماهير اقتناع الفلاسفة بأن السعادة الحقة لا تأتي إلا بواسطة التأمل النظري للموجودات. وهم يضطرون إلى تقنيع رأيهم خوفا من اضطهاد غير الفلاسفة، إذا روا أن طريق السعادة قد سدت دونهم. وكما تترفع الفلسفة، برأيه، عن السياسة تترفع أيضا عن الأخلاق التي لا تنتج السعادة ولا تجدي إلا في حفظ المجتمع.
والدراسة تمتاز بجهد لغوي كبير بذله شتراوس ليبرهن على أن ما ينسبه إلى الفارابي من آراء أنما هو مستخرج من النص. ولكن الملاحظات اللغوية التي بني شتراوس عليها أراءه الهامة واهية أو مبالغ بها، أو تناقض النص، وهذا يدفع إلى الاستنتاج أن ما نسبه إلى الفارابي في هذه الدراسة من صفات إنما هو وصف ذاتي لشتراوس نفسه(16).
كيف قرأ الفارابي نواميس أفلاطون(17)
تتوسط هذه الدراسة كتاب “ما هي الفلسفة السياسية؟” الذي يعتبر عالما مصغرا لفكر شتراوس. وربما أراد من هذا الترتيب أن يشير إلى المكانة المركزية التي يحتلها الفارابي في فكره، وبالأخص فيما يتعلق بقراءته لأفلاطون ولفهمه الناموس تحديدا. والدراسة نتيجة تعاطي شتراوس الطويل مع تلخيص الفارابي لنواميس أفلاطون ابتداء من عام 1931-1932، حين بدأ وقريبه المستشرق بول كراوس بترجمة التلخيص إلى الألمانية. ولعلهما اضطرا إلى إيقاف العمل لعدم وجود تحقيق موثق للنص(18). وهذه الدراسة مميزة كسابقتها بجهد بذله شتراوس لاستخلاص النص الجاف، غير المهذب، آراء الفارابي في وجود الله والشرائع. والنص، بحسب شتراوس، فيه ظاهر وباطن، الأمر الذي يفسر وجود أقوال متناقضة فيه.
يقارن شتراوس تلخيص الفارابي للنواميس بعرضه لفلسفة أفلاطون بمجملها فيتوصل إلى أن الفارابي عرض في التلخيص علم كلام أفلاطون، والدليل على ذلك أن النص يتضمن 26 كلمة مشتقة من فعل “كلم”، بينما نجد كتاب فلسفة أفلاطون يعرض فلسفته، لكونه يخلو من كلمات كهذه خلوا تاما. ويشير في مطلع الدراسة إلى أن التلخيص لا يتضمن الكتاب العاشر من النواميس، وهو “مقالة أفلاطون اللاهوتية بامتياز”(19). وهذا يدل على أن شتراوس ينسب إلى الفارابي فهما لعلم الكلام لا مكان فيه للاهوت. ويضيف أنه لو فسر الفارابي اللاهوت الأفلاطوني، لكان فسره كلاهوت سياسي في سياق نظرية الثواب والعقاب فقط.
ويشير شتراوس إلى أن الانطباع الأول الذي ينشأ لدى قارئ النص، بأن الفارابي لم يفهم أفلاطون إلا قليلا، يتبدد لدى التمعن فيه، إذ نكتشف أن الفارابي يشترط في القارئ معرفة النص الأفلاطوني، ولذا فإن ما يبدو ابتعادا عن أفلاطون أو سوء فهم له إنما هو تقويم للأفكار الأفلاطونية التي يشدد عليها الفارابي أو يصمت عنها أو يعدلها. وهو بذلك يتستر بالتلخيص، علما منه بأن الفرق شاسع بين شريعة الإسلام ونواميس أفلاطون. أهم ما يخفيه الفارابي عن القارئ المعتاد هو عدم إيمانه بوجود الله. ويعتقد شتراوس أنه اكتشف في النص إشارات إلى ذلك، الأمر الذي يدفعه إلى أن ينسب إلى الفارابي فهمه صفه “الإلهي” على أنها لا تعني أكثر من “الإنساني الممتاز”(20).
اختم هذا العرض الموجز لكتابات شتراوس في الفلسفة الإسلامية بالإشارة إلى أن الدراستين الأخيرتين تعرضان تفسير الفارابي لفكر أفلاطون، كما التزم به ليو شتراوس(21). وهما مبنيتان على دراسة نصية لعملين من أعمال الفارابي. وقد اعتمد شتراوس من أجل التوصل إلى استنتاجاته الهامة على ملاحظات لغوية تفترض بدورها أن يكون الفارابي عرف النصوص الأفلاطونية الأصيلة تامة، فأهمل مثلا أفكارا معينة لأنه كان يرفضها ولا يستطيع التصريح برفضها خوفا من الاضطهاد الديني والاجتماعي، فلجأ بواسطة العرض والتلخيص إلى حذف ما يرفضه، أو نسب إلا أفلاطون ما اعتقد به خفية – متسترا بذلك وراء عمله كشارح لنص تسلمه. وبما أن الفارابي وسائر الفلاسفة المسلمين لم تصلهم النصوص الفلسفية القديمة كاملة أو خالية من التشويش، فإنه يعسر قبول افتراضات شتراوس واستنتاجاته. يضاف إلى ذلك أن شتراوس تعامل أحيانا مع النص العربي بحرية لا يسمح النص بها، لينسب إلى الفارابي قناعات لا تتضمنها النصوص بحد ذاتها. والنقطة الأهم هي أن المؤرخين لم ينقلوا إلينا أن الفارابي تعرض لأي نوع من أنواع الاضطهاد أجبره على إخفاء آرائه. ناهيك عن أن شتراوس يفترض، من دون أن يثبت ذلك، أن آراء الفارابي كانت تستدعي الملاحقة بسبب ابتعادها عن تعاليم الدين الإسلامي. وهذا، بلا ريب، افتراء على الفارابي.
ويبرز فكر شتراوس ثلاثة جوانب أساسية، تناولها أتباعه وناقدوه بالبحث والتحليل، فنشأت ثلاثة اتجاهات للتعاطي مع شتراوس. وسأقوم فيما يلي بعرض هذه الاتجاهات مشيرا إلى أهم ممثليها.
أ- ليو شتراوس فيلسوفا يهوديا: يتناول هذا الجانب معالجته لمسائل يهودية ومفكرين يهود، ويعتبرها بعض النقاد مركز فكره على الإطلاق(22). وينوه هذا التفسير باهتمام شتراوس بفلسفة ابن ميمون (1135 أو 1138 أو 1205 – 1207) وبالأخص كتابه الفلسفي الأساسي “دلالة الحائرين”(23)، الذي خصص له شتراوس أبحاثا صدرت على مدى ثلاثين عاما تقريبا(24). ويرى بعض الدارسين لفكر شتراوس أنه أتبع نهج ابن ميمون في علاج مسألة العلاقة بين الدين والعقل واهتدى بواسطته إلى الفكر الأفلاطوني السياسي الذي لعب في القرون الوسطى دورا أساسيا في تكوين التفسير الفلسفي للوحي الإلهي(25). واهتمام شتراوس بابن ميمون والفكر اليهودي الوسيط نبع من رغبته في معالجة مشاكل فكرية يهودية معاصرة. إلا أن هذه الخطوة كانت في الوقت نفسه عودة إلى “إنجازات إنسانية” عامة الطابع، مما يجعل بعض الدارسين ينسبون إليه “اهتمامات يهودية”، من دون أن يكرسوه “فيلسوفا يهوديا(26).
ب- ليو شتراوس فيلسوفا أفلاطونيا: تلعب فلسفة أفلاطون السياسية دورا أساسيا لدى شتراوس الذي يتخذ لنفسه سقراط مثالا، تدور أبحاثه حول مشكلة العدالة ومسألة النظام المثالي. أصحاب هذا التيار التفسيري يرون أن الفيلسوف شتراوس ارتدى ثوب باحث في تاريخ الأفكار الفلسفية، لينزع الأفكار الأصيلة ما اعتراها من شوائب عبر العصور، وأن اقتصاره على تفسير آثار فلسفية ماضية لم يكن إلا سعيا وراء تحقيق شرط أساسي لفلسفة أصيلة حاضرة(27). ويشيرون إلى أن ليوس شتراوس فهم المثل الأفلاطونية على أنها تعبير عن توق النفس الإنسانية إلى ما ينقصها، مما يجعل المثل غير المتبدلة متماهية والمشاكل الأساسية الدائمة التي تعتري الوجود الإنساني. وهم يعتبرون أن الإشكالية اللاهوتية – السياسية، التي شغلت شتراوس طول حياته، إشكالية أخلاقية أساسها في الفكر السقراطي؛ وأنه ليس من جديد في الأديان السماوية لم يكن لدى الأغريق، ولم يعالجه أفلاطون(28). وتبرز أفلاطونية شتراوس في أنه اعتبر الوجود الإنساني بأسره وضعا يشابه الكهف الذي يذكره أفلاطون في كتاب السياسة. فالناس يبدأون حياتهم وينهونها، بحسب رأيه، أسرى التقليد، ولا ينفع لفك الأسر إلا تبني اللامعرفة السقراطية التي تستعمل التساؤل الجذري للخروج من كهف التقليد(29). وينكر المفسرون الذين يركزون على أفلاطونية شتراوس أن يكون فيلسوفا يهوديا، إذ أنه رفض رفضا مطلقا إمكان وجود فلسفة تجمل صفة أي دين(30).
ج- ليو شتراوس فيلسوفا باطنيا (esoteric): هذا الوجه يركز عليه بالدرجة الأولى ناقدوه، الذين يتهمونه بأنه عرف كيف يخفي أفكارا هدامة للمجتمع خلف مهارة في تفسير نصوص اعتبرها باطنية، واستطاع بذلك أن يسلب عقول تلاميذه الذين كانوا مستسلمين عقليا لسيطرته(31).
ويقترن اسم شتراوس في الأوساط الأكاديمية، فعلا، بلفته النظر ابتداء من أواخر العقد الرابع من القرن العشرين إلى نوع من الكتابة ينشئ نصوصا ذات مستويين، ظاهر وباطن. وفيما أن ظاهر النص قابل لأن يفهمه القراء على اختلاف معارفهم، ينغلق باطنه عليهم، ولا ينكشف إلا للفلاسفة الذين يستعملون هذا النوع المزدوج من الكتابة ليخفوا حقيقة أفكارهم عن عامة الناس. وقد طور شتراوس قانونا تفسيريا يعتمد مثلا على إحصاء كلمات معينة في النص، والإشارة إلى الجمل المكررة أو المتناقضة فيه، وموقع بعض مقاطعة، لكشف الحجاب عن معان مستترة في كتابات كسينوفون وأفلاطون والفارابي وابن ميمون وميكافلي وسبينوزا وسواهم. ويعزو شتراوس لجوء الفلاسفة إلى الكتابة المبطنة بشكل أساسي إلى خوفهم من الاضطهاد الديني والسياسي من ناحية، وحذرهم من نشر تعاليم تهدد سلام المجتمع بالخطر إذا وقعت بين أيدي الجهال، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى أذية الفلسفة، من ناحية أخرى(32).
أما نقاد شتراوس فيأخذون عليه أولا أنه ينسب، اعتباطيا، هذا النوع من الكتابة إلى فلاسفة لم يعرفوا أيا من أنواع الاضطهاد، وأنه يصرف جهدا كبيرا على تفاسيره التي تبقى مقتصرة على الشكل واللغة من دون معالجة المضمون، وهذا ما يبرر نزع صفة الفيلسوف عنه(33). ويتهم النقاد شتراوس بأنه سلك منهج سرية التعليم الشفوي، فأسر إلى خاصة تلاميذه بحقيقة آرائه، الأمر الذي يحتم التفتيش عن تعاليمه الحقيقية، لا في كتبه، بل لدى أتباعه الذين يختلفون في نقلها وتقويمها، فلا تتسنى معرفة حقيقتها(34). وتذهب شاديا دروري، وهي واحدة من أعنف نقاده، إلى اتهامه بأن زبدة تعاليمه ليست إلا الإلحاد، وإنكار القواعد الدينية الأخلاقية التي يقوم عليها المجتمع، ونفى إمكانية تنوير الجموع بسبب فجوة مزعومة بين الفلسفة والمجتمع، وهذا ما يجعل الحقيقة حكرا على الفلاسفة(35).
تظهر هذه اللمحة عن جوانب فكر شتراوس والقراءات المختلفة له أنه متعدد الأوجه، مثير للاهتمام والنفور على حد سواء. وكم من تلميذ يشبهه بنبي(36). وأحد نقاده يصفه بأنه “أبو الهول من دون سر”. ورغم تزايد الاهتمام في السنوات الأخيرة بدراسة فكر شتراوس واستخراج مضامينه، فقد أهمل الباحثون إيفاء علاقته بفلسفة العرب حقها، أو تجاهلوها تماما، رغم أهميتها بالنسبة إلى نشوء فكره وتطوره. ولسد هذا الفراغ العلمي قمت ببحث هذا الجانب المهمل من فكره، وسأعرض فيما يلي نتائج البحث باختصار(37).
2- أثر سبينوزا وا بن رشد في تكوين فكر ليو شتراوس
تناول كتاب سبينوزا “رسالة في اللاهوت والسياسة”(38) بالتحليل ليظهر أن قراءة سبينوزا للتوراة، وبالتالي موقفه السلبي من اليهودية، دينا وشعبا، إنما ينبعان من موقف نقدي تجاه الدين بشكل عام، لا من حقده على اليهودية تحديدا(39). ولتدعيم وجهة نظره يقدم عرضا تاريخيا لنقد الدين بدءا من ابيقور ووصولا إلى سبينوزا، محددا الموقع الذي يتخذه نقد سبينوزا للدين اليهودي في سياق تاريخ نقد الدين إجمالا. ويقوم نقد ابيقور للدين على اعتباره نابعا من الخوف البشري الذي يسببه المجهول والكوارث الطبيعية التي تنزل بالإنسان فجأة. ويرى الابيقوريون في الاستسلام للذة علاجا للخوف واستغناء عن عبادة الآلهة.
ويتوقف شتراوس لدى ابن رشد، مشيرا أولا إلى أن التعامل مع الدين اكتسب لدى الفلاسفة المسلمين الوسيطين بعدا لم يكن موجودا من قبل. إذا إن هؤلاء الفلاسفة اتخذوا لأنفسهم صناعة البحث النظري – وهو بنظره يتنافى والحياة الدينية القائمة على طاعة الوصايا الإلهية والخضوع لها، من دون إعمال الفكر فيها – في عصر اشتدت فيه سيطرة الدين على حياة المجتمع والأفراد من كل جوانبها. أما ابن رشد فهو الفيلسوف المسلم الذي اقترن اسمه في القرون الوسطى في أوروبا بنقد الدين، وحتى بالإلحاد، وهذا ما جعل بعضهم ينسبون إليه كتابا مجهول الصاحب، ينعت مؤسسي الأديان السماوية الثلاثة بالدجالين. وقد أثرت آراء ابن رشد في الدين والسياسة والمجتمع كثيرا على المفكرين الأوروبيين الوسيطين مثل ميكافلي وبرونو وسبينوزا. ويميز شتراوس في هذا السياق بين الفكر الرشدي الأصيل والتقليد الرشدي الأوروبي المسيحي، منوها بأن ابن رشد يرى – متبعا خطي أرسطو – أن سعادة الإنسان تتحقق في البحث النظري في الموجودات، وأنها بذلك فقط وقف على الفلاسفة الذين يدركون أن عامة الشعب تبقى بعيدة عن السعادة الحقة، طالما أنها بعيدة عن معرفة الحقائق. ويقترن بهذا المفهوم للسعادة الذي يجعلها مقتصرة على قلة من الناس منح الدين دورا سياسيا قوامه ضبط العامة بوسائل الثواب والعقاب التي تؤمن الاستقرار الاجتماعي(40).
ويرى شتراوس أن ابن رشد يختلف عن ابيقور في أنه لا يعتبر الدين نتاجا للوجود الإنساني، طبيعيا، ذاتي المنشأ، بل شريعة تفرضها على الناس عقول فذة، هي عقول الأنبياء. وبحسب هذا التفسير، فإن الدين، بتدبيره شؤون الجماعات البشرية، يعوض عن عجز السياسة عن ضبط الناس الذين تسيطر عليهم الأهواء، فيصبح “إحدى مسلمات العقل”(41)، وهذا ما يوجب على الفلاسفة عدم نبذه، بل توظيفه والاحتفاظ به أداة نظام. ويرى شتراوس، استنادا إلى ذلك، أن نظرية سبينوزا في الدولة هي في الخط الرشدي، الذي ينسب إلى الدين مركزا هاما في بناء الدولة وحفظها(42). فسبينوزا لا يؤمن بقدرة السياسة على ضبط الناس، الذين كثيرا ما تتغلب عليهم أهواؤهم، فلا يخضعون لمستلزمات النظام الاجتماعي، بل يقومون بما يخدم مصالحهم الفردية، مهددين بذلك استقرار المجتمع. وهو بالمقابل يرى أنه يمكن السيطرة على الناس بواسطة الدين، إذ أنهم يتبعون الوصايا الدينية خوفا من العقاب ورغبة في الثوب. وهكذا يصبح الدين وسيلة ناجعة يكبح بها الحكام جماح الشعب. سبينوزا ينوه بهذه الوظيفة السياسية – الاجتماعية للدين ويدعو لذلك إلى الاحتفاظ به. ويميز سبينوزا بين الحكماء – وهم الخاصة – وعامة الشعب، التي تتألف برأيه من “الأتقياء” والمؤمنين بالخرافات. وهو بهذا التمييز يبغي تقريب الدين من الفلسفة، لينسب إليه دورا فعالا في السياسة، التي يضع الفلاسفة أسسها النظرية(43). وهكذا يتخذ الدين في نظرية الدولة لدى سبينوزا موقعا متوسطا بين الإيمان بالخرافات، من جهة، والفلسفة، من جهة أخرى. وإذ ينسب سبينوزا لأتباع الدين موقفا وسطا بين الغباء والحكمة، ينسب إلى الدين القدرة على قيادة عامة الشعب، التي تخضع عادة لتأثير الأهواء والخيال، إلى ممارسة عيشة تتلاءم ومتطلبات العقل وتنسجم مع حاجة المجتمع. وبذلك يعترف سبينوزا بالدين كمبدأ سياسي ضروري لنشوء الدول واستقرارها، ويعترف بأهميته لتعليم عامة الناس الفضائل، إذ إنهم لا يستطيعون إدراكها بالعقل كما يفعل الفلاسفة.
يتوصل شتراوس بواسطة تحليله نقد سبينوزا للكتاب المقدس إلى أن هذا النقد مبني على فكرة أن الكتاب لا يحتوي أي تعليم حول النقاط التي يتناولها بأقوال متضاربة، وإن كل ما لا يتناوله الكتاب بتعليم مباح للعقل التعليم فيه، والعقل في ذلك لا يخضع لاعتبارات أخرى، سوى الاعتبارات العقلية والمنطقية. ولا يخفى على العارف أن القناعة نفسها التي يبرر بها الفلاسفة تأويل الكتب المقدسة دفعت أيضا بابن رشد إلى بحث مسألة التأويل والدعوة إليه في كتاب فصل المقال(44). ويلاحظ تشابه بنيوي في الحجج التي يسوقها ابن رشد وسبينوزا من أجل تأييد التأويل، ولا يسعنا في هذا السياق تفصيلها. ولكن ابن رشد، بعكس سبينوزا يعترف بحدود للعقل لا يجوز تخطيها في تفسير النصوص المقدسة، فلا ينكر وجود الله والنبوات وحشر الأجساد. أما سبينوزا فيحرر العقل من كل مسؤولية تجاه الشريعة.
وفي إطار تحليله نقد سبينوزا لابن ميمون يكشف شتراوس عن نقاط يتفق فيها سبينوزا مع ابن رشد، فيشير إلى أن سبينوزا – عكس ابن ميمون – يتفق مع ابن رشد في الاعتقاد بقدم العالم، ولكنه يخالفه الرأي حين ينفي إمكانية حدوث الوحي الإلهي. وهذا ما يدفع شتراوس إلى انتقاد سبينوزا الذي يرفض، بناء على اعتقاده بوحدة العقل والإرادة لدى الله، أن يكون الله قد خلق العالم وأن تكون الشرائع ذات أصل إلهي على حد سواء؛ وكان الأحرى به، أن يميز بين هذين الاعتقادين الدينيين، فيتمسك، لأسباب سياسية، بالقول أن الشرائع إلهية(45). ويخلص شتراوس إلى انتقاد بحاثة سبقوه، ضخموا أثر ابن ميمون على سبينوزا انطلاقا من تبعيتهما للدين اليهودي، مثبتا أن ما يقبله سبينوزا من تعاليم ابن ميمون إنما هو إرث مشترك لفلاسفة العرب الوسيطين، على اختلاف أديانهم. أن سبينوزا على توافق أكبر مع ابن رشد منه مع ابن ميمون، وخاصة فيما يتعلق بنظرته إلى الدين(46).
ما أبرزه شتراوس في أول مؤلفاته من أثر رشدي على فكر سبينوزا بقى قوي الحضور في آثاره اللاحقة، التي تمحورت حول الدور الذي يلعبه الدين في نشوء الاستقرار في المجتمع واستمراره. وينتقد شتراوس تناقضا اكتشفه في فكر سبينوزا قائما على أنه طرح، من جهة، مفهوما حلوليا لله، يجعل روح الله حالا في كل قلب بشري، وهذا يعني أن الأنبياء في نقل رسالتهم لا يقومون إلا بمخاطبة كلمة الله الكامنة في قلوب سامعيهم. بينما قرر، من جهة أخرى، أن الدين يقوم على تأثير خيالي شعوري يأتي من الخارج. وهذان حكمان مختلفان. فإن كان قلب الإنسان يحتوي بذرة الدين فليس الإنسان بحاجة إلى من يقنعه بتعاليم الدين بواسطة التأثير على مشاعره، كما تفعل الأديان. ويشير أخيرا إلى أسبينوزا لا يوضح كيف يفعل الدين سياسيا في المجتمع، وكيف تتوافق ضرورة مأسسة الدين مع حلولية الله(47).
3-ابن سينا والتحول في فكر ليو شتراوس
يتضح من عرض تحليل شتراوس لنقد الدين لدى سبينوزا أنه اكتشف علائق فكرية بينه وبين ابن رشد طبعت نظرته إلى الدين وظلت بارزة في مؤلفاته اللاحقة. ولكن تحولا جذريا طرأ في فكر شتراوس حين قرأ حوالي العام 1929 في رسالة ابن سينا في أقسام العلوم العقلية: أما ما كان “يتعلق بالنبوة والشريعة فيشتمل عليه كتابان هما في النواميس”(48). واستنتج شتراوس من ذلك أن ابن سينا، ممثلا لكل الفلاسفة المسلمين الوسيطين، يرى في “نواميس” أفلاطون الأساس الذي ينبغي عليه فهم الدين فلسفيا. وقد أدى هذا الاستنتاج بشتراوس إلى النتائج التالية:
1- من الناحية التاريخية، اعتبر شتراوس الفلسفة الإسلامية الوسيطة أفلاطونية في الجوهر، يتجلى طابعها الأفلاطوني الأساسي في سعي الفلاسفة المسلمين إلى تعليل الدين وتفسيره بواسطة فلسفة افلاطون السياسية، وأن الفلاسفة المسلمين في سعيهم إلى استيعاب الوحي فلسفيا اهتموا بعلوم أرسطو المنطقية والطبيعية عرضا. وتخالف وجهة نظر هذه التفسير السائد للفلسفة الإسلامية على أنها تتبع التقليد المشائي الذي خالطته عناصر أفلاطونية وأفلاطونية محدثة. وموقف شتراوس نابع من اعتقاده بأن صلب الفلسفة الإسلامية الوسيطة إنما هو تفسير النبوة والشريعة بمفاهيم فلسفية أفلاطونية من أجل إبراز الدين كنظام سياسي بالدرجة الأولى. ولكن التفاتة إلى تاريخ الفلسفة العربية تظهر ما يخالف هذا التفسير. فمعالجة الفلاسفة العرب، من الكندي إلى ابن رشد، للظواهر الدينية، مثل النبوة، كانت أحد شواغلهم، ولكنها لم تكن على الإطلاق شاغلهم الرئيس، وهذا يظهر من آثارهم التي تناولت مختلف العلوم المنطقية والرياضية والطبيعية والميتافيزيقية. ويمكن القول أن اهتمام العرب بآثار أرسطو، الذي أطلقوا عليه لقب “المعلم الأول”، فاق اهتمامهم بآثار أفلاطون. وقد طال اهتمامهم بالفلسفة الأرسطوطالية كل الحقول الفلسفية من المنطق إلى الطبيعيات والأخلاق. ويصرح ابن رشد بأنه اضطر إلى تلخيص كتاب أفلاطون في السياسة بسبب عدم وصول كتاب أرسطو المماثل إليه، ولو أنه وصله لما كان اهتم بكتاب أفلاطون(49).
2- وجد شتراوس في قول ابن سينا الشكل الذي يمكن أن يوظف فيه الدين من أجل حفظ النظام السياسي – المجتمعي، إلا وهو الشريعة. وهكذا عثر لدى ابن سينا على ما افتقده لدى سبينوزا. وما هي مذاك العلاقة بين الدين والشريعة، التي يرى أنها في جوهرها، تتألف من وصايا وتعاليم تنظم حياة الفرد والدولة(50).
3- أعلن شتراوس بناء عليه أن الشريعة مماثلة للناموس (nomos) كما ورد شرحه لدى أفلاطون، ونسب هذا الفهم إلى الفارابي وابن سينا وابن رشد(51).
4- تبني شتراوس وجهة نظر تقول بأن اعتبار الدين شريعة تنظم شؤون الفرد والمجتمع بأسرها يعيد إلى الدين أهميته في المجال العام، بعد أن كانت قد اضمحلت نتيجة اعتبار الدين مسألة خاصة بالوعي والإيمان الشخصي، كما هي الحال في الغرب بعد الإصلاح اللوثري. ورأى شتراوس هذا الفهم للدين حلا مناسبا للأزمة التي تعتري المجتمع الغربي الحديث، نتيجة عزل الدين عن السياسة(52).
5- اعتبر شتراوس أن الفلسفة السياسية الأفلاطونية الطابع – خصوصا كما ظهرت في الفلسفة الإسلامية – هي الإطار الملائم لدمج الدين والسياسة في سبيل تأسيس المجتمع المثالي، الذي يؤمن للفلسفة كل شروط الازدهار(53). وقرر أحياء هذه الفلسفة ردا على الأزمة التي تعتري الفلسفة في عصر الحداثة.
وتنعكس هذه النتائج في كتابات شتراوس اللاحقة، ولذا فهي ستعالج في سياق هذه الدراسة. وقد دفعه قول ابن سينا إلى الانكباب على دراسة الفلسفة الإسلامية الوسيطة، فاكتشف فكر الفارابي الذي كان له عنده أبلغ الأثر، إذ رأى فيه الفيلسوف الأول في التاريخ بعد ظهور الوحي، الذي يستعمل مفاهيم أفلاطونية لاستيعاب الدين في إطار الفلسفة السياسية. وغدا الفارابي في نظره فيلسوف الحقبة الأعظم الذي أعاد بعث الفلسفة بعد اضمحلالها تحت تأثير الدين(54). وقرر، مدفوعا بقول ابن سينا وفلسفة الفارابي، العودة إلى الفلسفة الإسلامية واليهودية الوسيطة، التي قادته بدورها إلى الفلسفة الكلاسيكية، ليستخرج منها ما يرد به على أزمة فلسفية تعتري الحداثة.
وسأتناول في ما يلي بالعرض النقدي على التوالي معالجة شتراوس لأزمة الحداثة، ومفهومه للدين، ومفهومه للفلسفة السياسية، محاولا في سياق ذلك إظهار تأثره بالفكر الفلسفي الإسلامي الوسيط.
4- الأزمة والنبوة
لم يكن شتراوس وحيدا في ملاحظة أزمة تعتري الحداثة الغربية، فقد سبق لتلاميذ كانط ودلتاي في أوروبا أن أعلنوا عنها بعد الحرب العالمية الأولى، وعم الشعور بأنها تطال الفلسفة أكثر من سواها من العلوم. ولم تكن الفلسفة التقليدية قد تعافت بعد من هجوم نيتشه عليها، حتى هزها هايدجر بنقده الداعي إلى تحطيم التقليد، للوصول إلى أسس الفكر الإنساني في الوجود واللغة. فكيف يصور شتراوس الحداثة وأزمتها.
الحداثة بالنسبة إلى شتراوس مشروع تم في ثلاث “موجات”. الموجة الأولى بدأت مع ميكافلي وتابعها هوبس، وهي تتميز بكسر العلاقة مع التقليد ومنح الإنسان الحق بتقرير المصير من خلال السيطرة على الطبيعة وتسخيرها وفقا لحاجات الإنسان. أما الموجة الثانية فتفوق الأولى تطرفا، وقد أطلقها روسو الذي انتفض على سابقيه باسم الفضيلة، معلنا الإرادة الإنسانية العامة سببا للتطور الإنساني الذي يأخذ شكل عملية تاريخية. وتبدأ الموجة الثالثة للحداثة مع نيتشه الذي يرفض مثل روسو وجود حالة طبيعية كانت للجنس البشري ويصر على تاريخية التطور البشري، ولكنه لا يعترف إلا بإرادة السلطة محركا للتطور(55).
وتتجلى أزمة الحداثة في افتقار الإنسان إلى توجيه خلقي، مما يسبب لديه تقلقلا في التصرف وعدم وضوح في نتائج السلوك. وما يلاحظ على صعيد الأفراد يلاحظ أيضا لدى المجتمعات التي تشكو من فقدان التوجه وتشوش الأهداف. ويرى أن أزمة الحداثة الحاضرة ناتجة عن أن التقدم العلمي بقى مقتصرا على الأمور التقنية، وأنه رغم ذلك لم يحقق الازدهار العام في كل أنحاء العالم، كما كان مرجوا. ولم يطل التطور الأخلاق ولا وضع الإنسانية عموما، كما تدل على ذلك كوارث الحروب والبربرية التي شهدها العالم في النصف الأول من القرن العشرين والتي تثير شكا محقا في تقدم الإنسان. وهكذا انقلبت الثقة بالتقدم العام وحتميته، تلك الثقة التي سادت منذ أواسط القرن التاسع عشر، إلى أزمة ذات أسس نظرية، تطال الفلسفة بشكل جذري(56).
وينسب شتراوس إلى الحضارة الغربية الحديثة أساسيين هما: الكتاب المقدس والفلسفة اليونانية، مشيرا إلى أن الحداثة قد ألحقت الأذى بكليهما، إذ فصلت بين لاهوت الكتاب وخلقيته، من جهة، وكبتت الخلقية العقلانية، وهي إرث الفلسفة اليونانية، من جهة أخرى، ففقد هذان الأساسان قيمتهما في الحداثة. ولذا يرى شتراوس أن لأزمة الحداثة طابعا لاهوتيا يتجلى بشكل خاص في كبت السؤال الأهم الذي يزامن الفلسفة منذ نشوئها، رغم أن الفلاسفة لا يتلفظون به كثيرا – ألا وهو السؤال عن وجود الله(57).
ويعلن شتراوس أن الكتاب المقدس والفلسفة اليونانية ضدان لا يتفقان وهما في صراع دائم يدور بالدرجة الأولى حول كيفية تدبير المرء حياته. ففيما يأمر الكتاب بمخافة الله والخضوع له، تتطلب الفلسفة فكرا نقديا قادرا على التشكيك في كل ما هو موجود(58). وهو يرى أن هذا الصراع يمنح حضارة الغرب حيويتها. وهو ما زال يطال الغرب وحوض البحر المتوسط كله(59). ويرى شتراوس أن لا مخرج من المأزق الذي يوجد فيه العقل الحديث، إذ لم ينجح في محو التقليدية الدينية، إلا بالعودة إلى عقلانية القرون الوسطى، حيث نجح الفلاسفة المسلمون واليهود في تلقف عقلانية اليونان، من دون أن يضحوا بتعاليم الدين. وما ساعد هؤلاء الفلاسفة على ذلك هو أنهم تعاملوا مع الدين على أنه “شريعة أعطاها الله نبيا”. واعتبار الدين شريعة يبرز معناه السياسي ويجعل الوحي “موضوعا للفلسفة في علم النبوة” الذي تناول فيه الفلاسفة المسلمون طبيعة الشريعة ونشوءها وغرضها(60).
إن غرض شتراوس هو التوصل إلى مفهوم للدين يقبله العقل ويمكن استخدامه لتقديم حل لأزمة الحداثة. وهو لذلك يتوجه إلى الفارابي بعد أن لم يسعفه ابن ميمون في إيجاد أجوبة شافية للأسئلة التي دارات بشكل رئيس حول التفعيل السياسي للدين. ويعثر في المدينة الفاضلة على نوعين من النبوة. الأول منهما يقتصر على معرفة المقبلات، والثاني هو ما يمتلكه الرئيس الأول للمدينة الفاضلة من قدرة على النبوة ناتجة عن فيض العقل الفعال على مخيلته(61). ويصف شتراوس النوع الأخير بالنبوة الحقة، إذ هي تقترن بالفلسفة من أجل إنشاء المدينة الفاضلة وتدبير شؤونها، وهذا ما يجعل السياسة عماد النبوة وغرضها. ويخلص إلى أن الفلاسفة المسلمين اعتقدوا أن النبي يمتلك، إضافة إلى الوحي، صفات تؤهله لأن يكون أيضا فيلسوفا ومعلما للبشر وقائدا سياسيا، وأنه يجب أن تتوفر فيه هذه القدرات من أجل خلق المجتمع المثالي وقيادته – فالقدرات النبوية تخدم بالنهاية غرضا سياسيا. والشريعة التي تهدف إلى تحقيق كمال الإنسان النفسي هي الشريعة الإلهية التي يعلنها النبي. وهي تضمن بقاء الاجتماع الإنساني، الأمر الذي يجعل الفيلسوف أيضا محتاجا إليها ومطيعا للنبي(62).
وينسب شتراوس إلى الفلاسفة المسلمين الوسيطين أنهم فهموا دينهم تحقيقا للدولة المثلى التي نادى بها أفلاطون، ولم يستطع أن يحققها، لأنه لم يكن يمتلك الوحي وما يمنحه من سلطان علوي على الناس. وهكذا يوفق شتراوس بين الدين – تحديدا اليهودية والإسلام – وجمهورية أفلاطون، وبين النبي والفيلسوف – الملك. وهو يستند لإثبات نظريته على نصوص لابن سينا في النبوة. ولكن دعامته الأولى هي الفارابي(63).
ويرى شتراوس أن الفلاسفة المسلمين كانوا على علاقة جدلية بأفلاطون إذ أنهم نظروا إلى فلسفة الدولة المثالية على أنها تنبؤ لما تحقق بتأسيس الإسلام، وفسروا النبوة بواسطة مفاهيم افلاطونية، من دون أن يكونوا خاضعين لأفلاطون خضوعا كليا، وجهوا إليه النقد في الوقت نفسه إذا اعتبروا أن النبي حقق ما أخفق الفيلسوف – الملك في إنجازه(64).
ويبدو من منظور نقدي، أن تفسير شتراوس لمفهوم النبوة في الفلسفة الإسلامية الوسيطة إنما يصب في محاولة تسييس الدين. فهو ينسب إلى الفلاسفة المسلمين تفضيل النبي على الفيلسوف – الملك، لأن الأول يملك، إضافة إلى صفات الفيلسوف العقلية، القدرة على قيادة الجماهير القادرة على اقتبال الوحي. ويشير من جهة أخرى إلى أنهم يعتبرون أن اتحاد الفلسفة والسياسة يمنح النبي القدرة القيادية التي تمكنه من تحقيق المجتمع المثالي، وتميزه عن سائر الناس(65). وبذلك يقدم شتراوس الفلسفة والسياسة على الوحي الذي يحتفظ، في إطار مفهومي كهذا، بمعنى وظيفي وحسب. فهو ليس إلا أداة في سبيل تحقيق هدف سياسي، وهذا يجعل النبوة قابلة للتفسير الفلسفي في سياق سياسي فقط.
ويبني شتراوس تفسيره للإسلام كتحقيق لجمهورية أفلاطون على توحيده بين الفيلسوف – الملك والنبي. وهو يرسم، من أجل هذا الغرض، صورة للنبي تمكنه من مماهاة الإسلام بجمهورية أفلاطون(66)، معتمدا في ذلك على مفهوم الرئيس الأول، الذي رسم الفارابي معالمه في المدينة الفاضلة(67).
ويحمل مفهوم الرئيس الأول عناصر كانت معروفة في المذاهب الفلسفية اليونانية المتعددة تضاف إليها عناصر دينية شيعية. والأرجح أن الفارابي لم يرد منه مثيلا للنبي محمد، بل ربما عكس فيه صورة الإمام الإسماعيلي أو الخليفة(68). وهو يوحد في هذا المفهوم بين الفلسفة واقتبال الوحي، معتبرا اقتران الحكمة البشرية بالوحي السماوي قاعدة للرئاسة الكاملة. وحصول الرئاسة الكاملة لا يحصره الفارابي بالسياسة بل يمتد إلى الصناعات والفنون على أنواعها. ويبدو أنه لم يبغ من مفهوم الرئيس الأول التمثل بشخصية تاريخية معينة، إنما عرض الصفات الضرورية لاكتمال الرئاسة الفاضلة التي تخلق النظام الفاضل حيث تتحقق سعادة الإنسان. والفارابي على مثاليته واقعي، يدرك أن الصفات المطلوبة لا يمكن أن تجتمع في شخص واحد، مما يدفعه إلى فتح المجال لتحقيق الرئاسة الفاضلة بواسطة جماعة متعاونة يحوز أفرادها مجتمعين على هذه الصفات(69). ويتعارض مع قول شتراوس أن الإسلام تحقيق لجمهورية أفلاطون ما يثبته ابن رشد في تلخيصه كتاب السياسة. فهو لم يعتبر مشروع أفلاطون تنبؤا بالإسلام، كما يرى شتراوس، إنما عالجه كمشروع خلقي – سياسي، يحقق تأسيس الدولة العادلة، التي يدعو ابن رشد إلى تحقيقها في زمن الإسلام من دون أن يشترط على مؤسسها أن يكون نبيا. ومن المفترض أن يعكس رأي ابن رشد موقف أسلافه في هذا الشأن(70).
5- مفهوم شتراوس للدين
يبرز مفهوم شتراوس للدين بشكل واضح في تفاسيره لكتابات الفلاسفة المسلمين. وهو لم يعبر صراحة عن رأيه في الدين، بل من خلال التعليق على كتابات مؤلفين سابقين، يمكننا أن نفترض أن النظرة إلى الدين التي ينسبها إلى الفارابي تعكس نقده الذاتي للدين، خاصة وأنه لا ينقل آراء الفارابي بدقة. وفيما يلي عرض لآراء شتراوس الذي يوجه اهتماما بالغا إلى تلخيصه لنواميس أفلاطون.
بالرغم من أنه لم يكن خافيا على شتراوس أن إله أفلاطون يختلف عن إله الأديان التوحيدية، مما يجعل التشبيه بين ما هو إلهي بحسب رأي أفلاطون وما يعتبره الفكر الإسلامي إلهيا أمرا غير مقبول، فإنه نسب إلى الفلاسفة المسلمين الوسيطين أنهم تعاملوا مع شريعتهم كما تعامل أفلاطون مع ما وصله من شرائع موصوفة بأنها إلهية، فشرحها بطريقة حولت هذه الشرائع إلى شرائع إلهية حقا، أو مكنت من اكتشاف صفتها الإلهية مجددا. وقبول فكرة “الشريعة الإلهية” أو بالأحرى إبراز الصفة الإلهية للشرائع، هو برأي شتراوس أهم ما يتفق عليه أفلاطون والفلاسفة المسلمون. ويصرح بأن الفلاسفة المسلمين يعالجون الشريعة الموحاة بحسب فلسفة النواميس الأفلاطونية(71). وهو يعتقد أن تلخيص الفارابي لنواميس أفلاطون يعتبر نموذجا لكيفية معالجة الفلاسفة المسلمين الوسيطين شريعة دينهم. وينسب إلى الفارابي وأترابه – كما سبق وقلت – استخدام شرح الآثار القديمة وتلخيصها للتصريح بما يخشون قوله علنا.
يصف شتراوس كتاب النواميس أنه “الكتاب السياسي بامتياز” في ما كتبه أفلاطون. ويلاحظ أنه الكتاب الوحيد الذي يبدأ بكلمة “الله”(72) وهذا ما يمنحه في رأي شتراوس طابعه السياسي المتميز. ويرى أن النواميس تشترط على قارئها أن يجتاز تغيرا فكريا، إذ هي تحتوي على تعليم يدعي أنه تعليم حق، صالح لكل زمان(73). فهو ينافس لدى المفكر المسلم واليهودي شريعة دينه(74). ويشير إلى أن المسلم الذي عرف النواميس في القرون الوسطى وقف أمام الخيارات الثلاثة التالية: أما أن يرفضها بحجة كمال الوحي، أو أن يقبلها كمقياس لتقييم مؤسسات إسلامية ونقدها، أو أن يعتمدها لوضع تبرير عقلي لأصل الإسلام ومضمونه(75). ويبدو أنه ينسب إلى الفارابي الخيار الأوسط(76).
ينسب شتراوس إلى الفارابي الاعتقاد بأن النواميس تتضمن أحكاما تنطبق على دين الوحي. وهو يعيد تركيب أفكار الفارابي في الفصل الأول من التلخيص ليعرض كيف يقيم ذاك الشريعة الإلهية بواسطة تلخيصه الأثر الأفلاطوني. ويتناول العرض أولا أصل الشريعة، رابطا الخضوع لها بالأصل الذي ينسب إليها، موحيا بأن وصفها بالإلهية إنما هو ضروري من أجل الحصول على طاعة الاتباع. ولكن هذا لا يردع الفيلسوف عن محاولة تفسير الشريعة عقليا مما يجعل الألوهة موضوع التساؤل الفلسفي. ثم يذكر أن الفارابي يرى أن الشريعة السائدة ربما سادت لأنها شريعة المنتصرين في الحرب، ولذا فهي ليست حتما أفضل من الشريعة التي حلت محلها. ويتناول تمييز الفارابي بين الفضائل الإنسانية والفضائل الإلهية، منوها بأن الشرائع لا تكسب الفضائل، بل تدفع إلى ممارسة حياة دينية وحسب. والآلهة فوق الشرائع التي لا يلزم باتباعها إلا الذين لا رؤية لهم، وهم اصحاب الطبع الشيء. أما المنطق فهو برأيه ضروري لاكتساب معرفة أصيلة بالشرائع التي تظهر للدارس على أنها في جوهرها شرائع خلقية عقلية. ويخلص إلى الاستنتاج بأن العاقلين ليسوا بحاجة إلى هداية الشارع، تاركا السؤال مفتوحا، عما إذا كان من يتبع الشرائع يكون فاضلا(77).
ولا يخفي شتراوس أن الناموس nomos والشريعة يختلفان من نواح عديدة. فالناموس يخدم الحكم، فيما الشريعة الموحاة تسخر الحكومة في خدمة الحقيقة. وبعكس الشريعة الموحاة لا يتضمن الناموس عقائد ثابتة، ولذا فهو لا يسبب الحروب الدينية ولا الشقاق بين الناس(78). ورغم الاختلافات التي يذكرها بين الناموس والشريعة فهو يشير إلى أنهما معا موضوعان للفلسفة السياسية طالما أنهما يعنيان بالسياسة(79). وبذلك يهدف تسخير الدين للحكومة، إلى تنفيذ أغراض الفلسفة. وهكذا يصبح ما هو من ميزات الدين الإيجابية ليس إلا أداة في يد الفلاسفة. ودين هؤلاء هو دين العقل، وهو يتألف من وصايا تنبع من الحاجات الإنسانية الدائمة وتتلاءم مع مختلف الظروف، مؤدية بالفلاسفة إلى أرفع درجات الكمال. ودين الفلاسفة دين مرن التطبيق بحسب الظروف التي يعيشون فيها أفرادا، ويهدف إلى أن يبلغ الفيلسوف نقاوة النفس والتشبه بالله. وهذا الدين لا يصلح للجمهور وهو بحاجة إلى “الدين السياسي”(80) الذي لا يبالي الفلاسفة بتطبيق وصاياه(81). وهو يفوقون المتدينين شهامة، عن معرفة عقلية بالخير والشر، فيستغنون بعملهم عن الشريعة(82).
لم يكن شتراوس، على الأرجح، مؤمنا، بل كان متمسكا بالدين لأسباب سياسية وحسب. ولا يختلف عن سبينوزا في تقدير تلك الأسباب. وتحتل جدلية الإلحاد والوحي مركزا أساسيا لديه، مما يؤدي به إلى عدم التمييز في الدين بين ما هو موضوع إيمان وما هو ضروري سياسيا. وجدلية الإلحاد والوحي تسبب شطر الحقيقة: فعدم الإيمان يشدد على ضرورة وجود الله لكي لا يختل النظام الاجتماعي. وهكذا يصبح وجود الله موضوع إلحاد سياسي، وفكرة يحافظ عليها الفلاسفة خدعة للجماهير. هذا التعليم الذي اعتقد شتراوس أنه وجده لدى الفلاسفة المسلمين واليهود الوسيطين بدا له مناسبا للرد على أزمة الحداثة. وحقبة الحداثة الأخيرة التي بدأت مع نيتشه ارتكبت برأيه خطأين فادحين: فهي لم تستطع، أولا، التعويض عن وجود الله – الذي سبق لنيتشه أن أعلن موته – بقيم جديدة، مما أدى إلى الفوضى القيمية؛ وغالت، ثانيا، في التفاؤل بعالمية التنوير وشمول المعرفة. وقد أعاد شتراوس، ردا على ذلك، طرح السؤال حول الله في إطار الفلسفة السياسية، مقتفيا بذلك آثار الفارابي، ومعتبرا أن الدين ليس نتيجة تعويض عن ضعف، كما يقول نيتشه، بل حصيلة عقلية تعترف بها الفلسفة على ضوء اعتبارات إنسانية مبنية بشكل أساسي على حاجة الفرد إلى المجتمع(83).
إن الإشكالية اللاهوتية – السياسية التي يصرح شتراوس أنها شغلته طول حياته(84) تعني السؤال عن كيفية الاستفادة من الدين لأغراض سياسية. وهو بطرحه هذه المسألة يناهض الليبرالية من جهة والتقليدية الدينية من جهة أخرى. فالليبرالية تهدف إلى إقصاء الدين عن المجال العام جاعلة إياه أمرا خصوصيا. ويشتم دعاة التقليد الديني، من موقف كهذا، الاعتقاد بوهمية الدين وتوظيفه في خدمة الفلسفة. يشهر ضد كلا الطرفين سلاح فلسفته السياسية التي ترسو، بعكس ما يصرح به هو وكثير من الباحثين، على قاعدة لاهوتية – ولو مكبوتة.
أما فيما يتعلق بنظرة الفلاسفة المسلمين الوسيطين إلى العلاقة بين الشريعة والناموس فيبدو أنها تختلف عن تصوير شتراوس لها. فإذا التفتنا إلى تلخيص الفارابي لنواميس أفلاطون وجدنا ما يكفي من الأدلة للشك في صحة عرض شتراوس لوجهة نظر الفارابي في الناموس وصلته بالشريعة. فالفارابي لا يرى ذلك معادلا لهذه. فمصدر النواميس في رأيه ليس الله إنما زيوس الذي كان اليونانيون، بحسب تعبيره، يعتبرونه “أبا البشر”. ويحرص الفارابي على ذكر النواميس بصيغة الجمع مشيرا بذلك إلى اختلافها عن الشريعة الواحدة(85). ومن الطبيعي أن يكون الفارابي وأترابه قد أدركوا وجود قواسم مشتركة بين الشريعة والنوامس، وكلاهما يتمتعان بطابع عقلاني، ويهدفان إلى تنظيم شؤون الإنسان، الكائن الاجتماعي، ليبلغ السعادة. والنواميس كالشريعة تنظم العبادات الطقسية وممارستها طالما أن ممارسة العبادات عمل عام يضمن تنظيمه استمرار السلام في المجتمع(86). ولكن القواسم المشتركة تنتهي عند هذا الحد. فلكل شعب ناموسه الخاص الذي ينشأ تحت ظروف سياسية ملائمة وينقرض نتيجة عوامل كالهزيمة في الحروب والكوارث الطبيعية(87). فالناموس، إذن، ظهور خاص يخضع لعوامل إثنية وجغرافية – سياسية، وهو ينقرض بانقراض الشعب الذي نشأ فيه. أما الشريعة الدينية فعالمية غير محصورة بجماعة أو شعب ويمكنها أن تدوم بواسطة الدعوة إذا ما زالت الظروف السياسية التي أوجدتها. وأما التوافق الظاهر بين الناموس والشريعة في تنظيم شؤون الكائن الاجتماعي فهو ينبع من أهداف مختلفة. فالناموس يهدف إلى تأمين حياة جيدة وعادلة بواسطة أتباع القوانين. أما الشريعة فتضيف إلى الخير في الدنيا السعادة في الآخرة، وتتضمن بعدا روحيا، هو العلاقة التي تنشأ بواسطة العبادات بين الإنسان والله. ولا يبدو أن الفارابي شكك في حقيقة الوحي، أو أراد تقليص معنى الشريعة. ولم يعتبر النواميس أساسا نظريا لفهم الشريعة فلسفيا، فهما ليسا من جنس واحد كما أن تعدد الآلهة لا يساوي وحدانية الله. ولا يبدو أنه قرأ النواميس ككتاب دين بل ككتاب أخلاقي بحت(88).
6- أولية الفلسفة الإسلامية السياسية
يعتقد شتراوس أن الفلسفة والمجتمع في نزاع دائم وأن المجتمع يميل دوما إلى اضطهاد الفلسفة. فالمجتمع مبني على العادات والتقاليد بينما تعني الفلسفة بالتساؤل الجذري والشك المنهجي في الأفكار التي يقوم عليها المجتمع، مما يجعل الفلاسفة مواطنين غير مرغوب فيهم. وهذا يخلق المأزق الذي توجد فيه الفلسفة، إذ هي تحتاج إلى المجتمع الذي يرفضها(89). ويولد المأزق ضرورة الفلسفة السياسية، وهي بالنسبة إلى شتراوس، ليست أحد حقول الفلسفة* وحسب، بل الطريقة التي تتعامل بها الفلسفة مع المجتمع. ويستند هذا التحديد الجديد في السياق الغربي إلى فهم لصفة “السياسي” كما طرحه شتراوس. ومع فهم الفلسفة السياسية كطريقة لتعامل الفلسفة عموما مع المجتمع، تكتسب الفلسفة السياسية معنى شاملا، فتصبح الإطار الذي يحوي الحقول الفلسفية بأسرها، وظاهر الفلسفة الذي يخفي باطنا نظريا بحتا(90).
وقد اكتشف شتراوس أسس مفهوم الفلسفة السياسية هذا في فلسفة الفارابي الذي ربط برأيه الفلسفة النظرية والفلسفة السياسية بطريقة جعلت الفلسفة السياسية إطارا يستوعب الميتافيزيقا وعلم الطبيعة وعلم النفس، كما تدل على ذلك بنية المدينة الفاضلة ومبادئ الموجودات. وبناء على قراءته لعرض الفارابي لفلسفة أفلاطون أعلن أن السياسة هي ظاهر الفلسفة، وأن الفلسفة السياسية، لا الميتافيزيقا، كما تعارف عليه الفلاسفة منذ أرسطو، هي الفلسفة الأولى prima philosophia(91).
ويرى شتراوس أن الفارابي أبرز الفلسفة في إطار سياسي، حرصا منه على تفادي المواجهة مع الدين، خاصة بعد أن أحال القدرة على منح السعادة إلى الفلسفة النظرية. كما يرى أنه أنكر حشر الأجساد وخلود النفس وجعل الله أحد الموجودات الطبيعية وأذاب الأخلاق في السياسة وعرض الكلام والفقه في إطار العلم المدني(92). وقرأ شتراوس لدى الفارابي أن الفلاسفة بعكس واضعي الشرائع لا ينتظرون من مواطنيهم “تأليها”(93). فدفع به ذلك على الاستنتاج أن الفيلسوف يستغنى عن الرغبة في الملك، مكتفيا بالحكم في دائرة صغيرة من طلاب الفلسفة الذين يستحقون الاطلاع على حقائق الأمور، ويعملون بحذر على تغيير أسس التعاليم التي يقوم عليها المجتمع(94).
ما هي الفلسفة السياسية التي يمثلها ليو شتراوس؟ يحدد شتراوس الفلسفة بطريقة كلاسيكية أنها السعي وراء الحكمة ومعرفة الكل، أي معرفة طبيعة الأشياء. وطالما أنها تسعى إلى المعرفة فإن مهمتها هي العلم الحقيقي الشامل(95). أما الفلسفة السياسية فيعرفها بأنها ليست في الجوهر السعي إلى معرفة الأشياء السياسية، كما يبدو، بقدر ما هي الطريقة “السياسية”، أي الشعبية، لممارسة الفلسفة، أو بالأحرى، المقدمة السياسية للفلسفة ومحاولة الدفع بالمواطنين الأكفاء، أو بأبنائهم الأكفاء، إلى الابتعاد عن الحياة السياسية والانصراف إلى الحياة الفلسفية(96). ويرفق هذا التعريف الفريد للفلسفة السياسية بفكرتين: أولا، أن الفلسفة السياسية تسعى إلى لعب دورها في المجتمع لا بواسطة العمل السياسي المباشر، بل بواسطة التشريع – ومنه التشريع الديني(97). ثانيا، أنها تعتمد بشكل أساسي على التربية التي تتم من خلالها مصالحة التقيد بالنظام وممارسة الحرية(98).
ويميز شتراوس بين الفلسفة والحياة الفلسفية من جهة، وبين الفلسفة السياسية والحياة السياسية من جهة أخرى. فالفلسفة نظرية متأملة وحياة الفيلسوف تجري على هامش المجتمع. أما الحياة السياسية فيحط من قيمتها، وينأى بالفلاسفة عنها كاتبا للفلسفة السياسية دور الوسيط بين الفلسفة في معناها الضيق وحياة المجتمع(99). وتتضمن الفلسفة برأي شتراوس أربعة عناصر كلاسيكية:
1- الاهتمام بعلم الكونيات. فالفلسفة تسعى إلى معرفة الكل المتألف من أجزاء أحدها الإنسان. والفيلسوف لا يصب اهتمامه على علم الكونيات الذي تجاوزه تقدم المعرفة، أنما يهتم بالنظام الأبدي السائد، الكون. وتأمله هو مصدر إلهام، خاصة للفكر السياسي(100).
2- اعتبار الفلسفة سيرة حياة تؤدي إلى السعادة، وتقترن فيها المعرفة النظرية بالسلوك. والفلسفة تحتوي بذلك جزءا خلقيا جوهريا. ويكتسب سؤال الفيلسوف “كيف يجب أن أعيش؟” أهمية بالغة، إذ يتضمن السؤال الأهم عن ضرورة الفلسفة في المجتمع. والفيلسوف لا يراعى في إجابته على هذا السؤال المعايير الأخلاقية المجتمعية السائدة، إنما يجيب عليه في ضوء فهمه الذاتي كفيلسوف(101).
3- طابع الفلسفة المشكك، الذي يؤدي بالفلاسفة إلى أن يتساءلوا عن كل شيء، مشككين خاصة بالتقاليد الموروثة في الدين والأخلاق والسياسة، مما يولد تهديدا حقيقيا للمجتمع. يضاف إلى ذلك أن سيرة الحياة الفلسفية المخصصة للتأمل تثير تذمر المواطنين الذين يرون في الفيلسوف عنصرا طفيليا يتغذى على حساب الجماعة وهو منعزل عنها(102).
4- ضرورة أن يكون للفلسفة بعد سياسي، ينتج عن التضاد الجذري القائم بين الفلسفة والمجتمع والذي يدفع بالفلاسفة إلى أن يكونوا حذرين وهم لا يصرحون بحقيقة أفكارهم بسبب الحذر من الاضطهاد السياسي والديني والاجتماعي، وانطلاقا من مسؤوليتهم الخلقية تجاه المجتمع الذي يتجنبون زعزعة أسسه. ولهذا يتفلسفون بطريقة “سياسية” تضمن لهم المعالجة الفلسفية الجذرية للمسائل المهمة للحياة السياسية بطريقة تتلاءم مع النظام السياسي، وتدرأ الخطر المتبادل بين الفلسفة والمجتمع(103).
وتحتل الفلسفة السياسية، لدى شتراوس، مركز الصدارة بين الحقول الفلسفية. وهي تحمي الفلسفة في صراعها الدائم مع المجتمع وتصبح، بمعناها النظري البحت، ضمانة استمرار الفلسفة فيه. وهي تحفظ في الوقت نفسه المجتمع من الآراء الفلسفية الهدامة. وقد تمكنت من تحديد ستة معالم بنيوية للفلسفة السياسية الشتراوسية، أعرضها فيما يلي باختصار:
1- تعني الفلسفة السياسية بالحياة الجماعية الضرورية لبقاء الجنس البشري، فهي بالتالي ذات موضوع أساسي للوجود الإنسان. وطبيعة الإنسان الاجتماعية تقتضي التطرق إلى مواضيع جذرية مثل الحرية والعدالة وهي ذات أهمية بالنسبة للعلاقات الإنسانية(104).
2- تتجاوز الفلسفة السياسية نطاقها الضيق، متعالية على ذاتها، ومتطرقة إلى مواضيع إنسانية وغير إنسانية أوسع. وهي تخرج بذلك على مجالات علم الطبيعة والميتافيزيقا وعلم النفس، ساعية إلى معرفة الإنسان ككل وكجزء من كل(105).
3- هكذا تصبح الفلسفة السياسية مقدمة ممتازة للفلسفة. فمعالجة مسائل تخص الإنسان – وهو عالم صغير – تقود إلى الاهتمام بمسائل متنوعة تخص العالم الكبير. وهذا ما نستدله من سقراط، الذي انطلق من معالجة مسألة ما هو خير للفرد ليتوصل إلى فكرة الخير في المطلق، الذي أعلنه مبدأ انطولوجيا(106).
4- تتسم الفلسفة السياسية بالجدية. فهي تأخذ، بشكل خاص، مسألة عدم إمكانية اجتثاث الشر من العالم على محمل الجد، وتعمل على معالجة المشاكل الناجمة عن ذلك(107).
5- تخفف الفلسفة السياسية من حدة الطابع الثوري للفلسفة، لأنها تزود الفلاسفة المتحمسين لقلب التقاليد بترو سياسي يؤدي إلى استبدال الجديد بالقديم، تدريجيا، من دون إثارة مقاومة المجتمع. من خلال كشفها لأسس المجتمع، تكتشف الفلسفة السياسية أهمية دور الدين في حفظ السلام الاجتماعي وهذا يجعلها ترى الدين حليفا ضروريا للسياسة. ولهذا تسعى الفلسفة السياسية إلى تحويل العداء بين الفلسفة والدين إلا تلاؤم سياسي الملامح بين الفلسفة والشريعة. وهكذا تنحل العداوة التقليدية بين الفلسفة والدين لصالح النظام الاجتماعي(108).
6- بذلك تكتسب الفلسفة السياسية معنى التصرف العملي للفلسفة في المجتمع على الإطلاق. وتنال صفة “السياسي” وزنا إضافيا إذ تصبح عاملا دامجا للفلسفة في المجتمع، ومؤمنا المنهجية الضرورية التي يحتاجها الفيلسوف لنشر أفكاره، آخذا بعين الاعتبار أثرها الاجتماعي. وتصبح الفلسفة السياسية هي الإطار الذي تبدو فيه الفلسفة النظرية للمجتمع، والوظيفة التي بواسطتها تحصل الفلسفة على ما يبررها في المجتمع، وتستطيع أن تحفظ نواتها الفعلية من الأذى(109).
يتضح مما تقدم أن شتراوس يستعمل مفهوما للسياسة يختلف تماما عن المفهوم المعروف في اللغات اللاتينية (politics, politique, politik) المشتق من كلمة polis اليونانية، أي المدينة، والذي يعني العمل المنصب على تشكيل الحياة العامة، سواء في المدينة – الدولة الإغريقية أو في الدولة الحديثة. أما مفهوم شتراوس للسياسة فيعني فن المعاملة المبنية على فقدان الانسجام بين المعامل والمعامل، والمتضمنة للحذر والتدريب. والمفهوم لا يختلف عن المفهوم العربي للسياسة المشتق من فعل “ساس”، ويعني أصلا معاملة الحيوانات وبالأخص الخيل، وتدريبها وترويضها. وقد استعمل العرب الكلمة مجازا لممارسة حكم الناس والمجتمعات. ولا يخفي أن المفهوم يحمل في أصله اللغوي معنى علاقة سيادة طبيعية قائمة على عدم مساواة طبيعية بين سائد عاقل ومسود غير عاقل.
من أغراض السياسة الفلسفية، التي طرحها شتراوس، إخفاء الحقيقة، بسبب خطورتها. فما هي هذه الحقيقة الخطيرة التي يضطر الفلاسفة إلى إخفائها؟ لا يصرح شتراوس بالجواب. ولكننا نستطيع استخراجه من طيات كتاباته. فتبدو الحقيقة بالنسبة إلى شتراوس إنكار وجود الله، وتقليص الدين إلى مجرد وظيفة سياسية ضرورية بسبب عدم استطاعة غالبية الناس ضبط أهوائهم بواسطة العقل، وأن المجتمع إنما يقوم على “أكاذيب نبيلة” توهم الناس بوجود أمور ضرورية لبقاء المجتمع مثل الأخوة والتضامن، وأن الفلاسفة هم وحدهم السعداء وهم ملوك مخفيون في بيئتهم تخولهم معرفتهم العقلية التمييز بين الخير والشر، فهم ليسوا بحاجة إلى الشرائع والقوانين بل هم بالأحرى فوقها، ويحلون محل الله(110). ولا يصرح شتراوس بهذه الأفكار باسمه الخاص، بل ينسبها إلى من عالجهم من المفكرين، رغم أنها لا تقرأ صراحة في كتاباتهم، مما يدفعنا إلى الاعتقاد أنها آراؤه الخاصة أسقطها على أسلافه الذين تناول آثارهم بالتفسير جاعلا إياهم ينطقون بما لا يود أن ينطق هو به.
ويخفي الفلاسفة “الحقيقة”، برأي شتراوس، بواسطة استعمال الكتابة المزدوجة، الظاهرة – الباطنة. وربما التفت شتراوس إلى هذا النوع من الكتابة بعد أن قرأ تلخيص الفارابي لنواميس أفلاطون في عام 1931 – 1932. والتعبير “ظاهر” (exoteric) لا يظهر في كتاباته إلا بعد هذا التاريخ. فلنق نظرة على التلخيص.
قبل البدء بعرض محتوى تسعة كتب من نواميس أفلاطون يروي الفارابي قصة أحد الزهاد الذي أراد أن يخلص نفسه من ظلم الحاكم الذي أمر بالتفتيش عنه وأهلاكه. فلبس زي السكارى وتوجه إلى باب المدينة يريد الخروج منه. فلما سأله الحارس عن هويته أجاب أنه ذلك الزاهد المطلوب. فلم يصدقه الحارس بسبب مظهره، بل سخر منه وتركه يخرج. فنجا من دون أن يكذب قولا. ويخلص الفارابي إلى القول أن الفلاسفة يوحون أحيانا بأنهم يصرحون بالفلسفة فيما هم يخفونها، ضنا عليها من الابتذال(111)، وأن هدفه من التلخيص هو الكشف عن معاني خفية في كتاب أفلاطون.
ويعلق شتراوس على القصة بالقول، أن الزاهد، وهو صاحب تشدد ديني وخلقي، لجأ إلى الكذب ليخلص من الموت، ففعل بذلك ما هو خير له. ورغم أنه تصرف مرة بعكس ما كان معهودا، لم يشك في صدقه. وهو لم يكذب بالقول بل بالفعل. ويستخلص أن مثل الزاهد يدل على إمكانية قول الحقيقة الخطيرة في المحيط الملائم بالطريقة المناسبة(112). ويعبر شتراوس بقوله هذا عن جوهر تعليمه في نقل الفلسفة بطريقة ظاهرة – باطنة. والفلاسفة، إذا جاز القول، كالزاهد، لا يكذبون بالقول – الذي يسرون به لأخصائهم – بل بالعمل، عمل الكتابة، فتمسي كتاباتهم أقنعة يتخفون وراءها، خاصة حين يعالجون “اسمى الموضوعات”. وهم يفعلون ذلك، رأفة بالمجتمع لا حبا بالنجاة، كما فعل الزاهد(113). وفي ذلك نقد خفي يوجهه شتراوس للدين، ممثلا بالزاهد الذي تنقصه، برأيه شهامة الفلسفة، التي يمثلها أفلاطون.
ويؤلف الفلاسفة بحسب رأي شتراوس جماعة مغلقة، تمتد عاموديا عبر العصور من دون أن يخضع ارتباطها لظروف التاريخ المتغيرة. أما الامتداد الأفقي للفلاسفة في واقعهم التاريخي فمحصور فيهم فقط، إذ أن بين فئة الفلاسفة ومجتمعهم هوة عميقة لا يمكن اجتيازها. وبقدر ما يتعذر التواصل المباشر بين الفيلسوف ومجتمعه، يستطيع الفيلسوف أن يفهم مقاصد الفلاسفة الذين سبقوه، حتى ولو اختلف عصره عن عصورهم. فطبيعة الفلسفة جسر يتعالى على الزمان والمكان، تلتقى عليه عقول متشابهة، تتفاهم بقدر يفوق مقدرة الواحد منها على التفاهم مع غير الفلاسفة من أبناء عصره. الفلسفة غريبة في المجتمع، وتقليدها مستقل عن التاريخ. وبناء على هذا الاعتقاد يدعى شتراوس للهرمينوطقيا التي اتبعها، القدرة على فهم الفلاسفة السابقين كما فهموا هم أنفسهم. ففكر الفيلسوف يخترق طبقات النص والأزمنة ليصل إلى جوهر فكر من سبقه من الفلاسفة معتمدا على وحدة الطبيعة الفلسفية وتكرار الفصام الحاصل بين الفلسفة والمجتمع في كل زمان. أما الفلسفة السياسية فهي محامية الفلسفة والجسر الفاصل والواصل بين المتنازعين. ووظيفتها الأساسية هي أن تقنع المجتمع بأن الفلاسفة ليسوا ملحدين ولا يبغون تخريب مقدساته(114).
7- ملاحظات ختامية علي الفلسفة الإسلامية
نستخلص مما تقدم أن الفلاسفة المسلمين مارسوا أثرا بالغا في تطور فكر ليو شتراوس ونشوء أهم آرائه في الفلسفة والدين والسياسة، وأن هذا الأثر يفوق إلى حد بعيد ما صرح به دارسو حتى الآن. والجهد الذي بذله هذا المفكر المعاصر في استنطاق آثار عربية وسيطة أفكارا استثمرها في نقده للحداثة وفي محاولته الجمع بين الفلسفة والدين في إطار سياسي، إنما هو جهد يرتكز على القناعة بأن الأفكار في تواصل مستمر عبر العصور رغم اختلاف الظروف التاريخية. والاعتقاد بتواصل الأفكار شرط لابد منه لتعاط سليم مع التراث. وقد غاص شتراوس في تراث الفلسفة مستخرجا منه عناصر من سياق حضاري آخر لمعالجة إشكاليات ظهرت في السياق الأكاديمي الأوروبي والأمريكي. وفي خطوته هذه تحد لنزعة الحضارة الغربية للاكتفاء بذاتها والتزام مثمر بالتفاعل الحضاري ماضيا وحاضرا. ويعتبر عمله جديرا بالاهتمام والتقدير. وقد شجع شتراوس العديد من طلابه على دراسة الفلسفة الإسلامية وتحقيق آثارها العربية وترجمتها إلى الإنكليزية. وخير دليل على ذلك ما قام به باحثون كبار من تلاميذه في هذا المحال مثل: محسن مهدي وفوزي متري نجار وتشارلز بثرورث ورالف لرنر. وتتناول الملاحظات التالية عمل شتراوس بالنقد من الناحية التاريخية أولا ومن حيث المضمون ثانيا.
سبق القول أن إشارة ابن سينا إلى كتابين في النواميس يتضمنان معالجة النبوة والشريعة قد خلقت تغيرا جذريا في فكره انعكس في تطوير -نظرته إلى الدين والفلسفة والسياسة(115). وليس من قبيل المبالغة القول، أن شتراوس لم يكن قد صار إلى ما صار عليه، لولا تلك الجملة التي قرأها لدى ابن سينا. وقد كشفت أبحاث حديثة عن أن العرب عرفوا في القرون الوسطى ثلاثة كتب في النواميس: 1- كتاب أفلاطون – أو جوامع جالينوس له – وهو من تلخيص الفارابي؛ 2- كتابا في السحر والشعوذة، منسوبا إلى أفلاطون؛ 3- وكتابا آخر منسوبا إلى أفلاطون، يتألف من ثلاث مقالات في النبوة والشريعة. وقد ذكر مستشرقون منذ القرن التاسع عشر هذا الكتاب الأخير، ونشر عبد الرحمن بدوي تحقيقا له في كتابه “أفلاطون في الإسلام”(116).
وكتاب النواميس المنحول هو مزيج من فكر يوناني إسلامي، ويشتمل على عرض إسلامي النفحة لماهية النبوة وأهمية الشريعة بالنسبة للفرد والمجتمع، وفيه فصل واضح بين الشريعة والسياسة. وفي النص أفكار تتردد في الكتابات الصوفية وكتابات الفلاسفة من الفارابي إلى ابن باجه، ومؤلفين شيعة مثل السجستاني، ورسائل إخوان الصفاء. ويلاحظ تشابه كبير بين بعض مقاطعة ومقاطع واردة مثلا في رسالة ابن سينا في إثبات النبوات وكتابة النجاة(117). وهذا يحدو بنا إلى اعتبار الكتاب كتابا إسلاميا مطعما بأفكار أفلاطونية محدثة. ومن المرجح أن ابن سينا قد اعتبر هذا الكتاب في النواميس مرجعا لمعالجة النبوة والشريعة.
ولكن ما هي العواقب التي استنتجها شتراوس من هذا الاكتشاف؟ لقد اعتمد شتراوس على الربط بين ابن سينا وأفلاطون في تفسيره للفلسفة الإسلامية الوسيطة على أنها فلسفة أفلاطونية ذات طابع سياسي. وأدى به فهمه الخاص لعبارة ابن سينا إلى أن يسيس الدين، فيعتبره في الجوهر شريعة موازية للناموس الأفلاطوني، ويرى في النبي صورة مكررة موسعة لصورة الفيلسوف – الملك. وهذا جوهر مفهومه للدين الذي حاول به الرد على أزمة الحداثة كما لاحظها. ويقودنا احتمال أن يكون ابن سينا قد عنى على الأقل كتابا في النواميس إسلامي الطابع إلى الاستنتاجات النقدية التالية:
1- كان على شتراوس أن يميز صورة أفلاطون التي كانت سائدة لدى العرب في القرون الوسطى بين ملامح متنوعة متضاربة تعود إلى تشويش النقل، فهي ليست على صحة تاريخية(118). ومراعاة هذه الملامح تحتم إضفاء طابع آخر يختلف إلى حد بعيد عن الطابع الذي أضفاه شتراوس على قراءة الفلاسفة المسلمين لفلسفة أفلاطون.
2- لم يكن هدف الفلاسفة العرب من المسلمين وسواهم إضفاء طابع إغريقي على الفكر الإسلامي، كما يبدو من تفسير شتراوس لآثارهم، بل أرادوا بواسطة ما اكتسبوه من معارف يونانية الأصل بناء صرح معرفي يلائم حاجات مجتمعهم وعصرهم. وهذا لا يعني أنهم أرادوا أسلمه المعرفة والعلوم التي وصلتهم. فهم اعتبروا العلوم الرياضية والطبيعية والمنطقية والفلسفية على اختلافها مستقلة عن الدين، يمكن استخدامها لأغراض دينية – كاستخدام المنطق في الفقه – من دون أن تصطبغ في حد ذاتها بصبغة دينية(119).
3- يبدو أن شتراوس – بعكس ما يدعيه من محاولة فهم الفلاسفة الماضين كما فهموا هم أنفسهم – لم يدرك ما عناه ابن سينا حين أشار إلى نواميس أفلاطون لمعالجة النبوة والشريعة. أفلاطون الذي عناه ابن سينا يختلف عن أفلاطون الذي عرضه شتراوس. وفكر أفلاطون الذي عرفه ابن سينا ونسب إليه معالجة الشريعة والنبوة هو فكر أفلاطوني منحول. وهذا يبرر السؤال عما إذا كان من الممكن أن ينسب ابن سينا فعلا إلى أفلاطون معالجة الشريعة والنبوة، لو كان تسنى له أن يعرف فلسفته من دون تشويش.
4- يزعم شتراوس وجود جسر غير موجود فعلا بين ابن سينا وأفلاطون. وهذا يؤدي إلى أن مشروعه الفلسفي الذي بناه على أساس الربط بين ذينك الفيلسوفين يفقد قاعدته في تاريخ الفلسفة وأساسه الموضوعي، حين يمكن التشكيك في التزام الشيخ الرئيس بفلسفة أفلاطون السياسية.
أما نقد شتراوس للحداثة فيدفع بنا لا شك إلى أن نتفكر مجددا في طبيعة أسسها وطموحاتها. والبديل الذي طرحه هو إعادة إحياء فكر قديم، على الحداثة أن تصحح نفسها في ضوئه. بأنه لا يشاركهم الرجاء بتنوير ممكن، تميز فكرهم بالسعي إليه. وهو ينطلق من خبرته الخاصة التي عايشها في حداثته في ألمانيا، أن العقلانية الحديثة عاجزة عن دحض الإيمان الديني، ليعمم استحالة التنوير العام وهو يبقى بذلك، من دون أن يعي، اسير التقليد الديني الذي يصور توق الإنسان إلى المعرفة عصيانا لله. ويقوده رفضه هذا التقليد، من جهة أخرى، إلى اعتبار المعرفة الحقة محصورة بالفلسفة.
ويشكل نقد شتراوس للدين انعطافا في نقد الدين الحديث. فهو يعتبر الدين في الأساس شريعة، لكي يفسره سياسيا، كقوة نظام اجتماعي. ومن الواضح أن وراء هذا الادعاء النظري الرغبة في جعل الدين أداة سياسية في يد الفلسفة. وينطوي مفهوم الدين الشريعي على نتيجتين: أولا، الشك في قيمة الأديان التي ليست شريعية الشكل مثل المسيحية. وبما أن هدف شتراوس من تفسير الدين على أنه جوهرا شريعة هو الإبقاء على قيمة للدين مقبولة من وجهة نظر فلسفية، فإن النتيجة الثانية هي أن الأديان التي تفتقر إلى شكل الشريعة، لا يمكن للفلسفة أن تجد فيها ما يمكنها قبوله. وهكذا يمكن القول إن اعتبار شتراوس الدين شريعة بالأساس يحمل في طياته نقدا خفيا للمسيحية.
ويظهر تفسير شتراوس السياسي للدين تشابها بنيويا مع فهم الدين لدى الفكر الأصولي الديني السياسي على العموم. فمفهوم شتراوس للدين يشبه المفهوم الأصولي من حيث أنه رد على الحداثة ورفض لها، ومن حيث أنه يدعي عدم إمكانية الفصل بين الدين والسياسة، ويعالج أزمة الحداثة بواسطة الدعوة إلى الإصلاح القائم على رفع الماضي مثالا، والتركيز على دور الدين الاجتماعي. ولا يخفي بالطبع أن الطرح الشتراوسي يختلف عن الطرح الأصولي في أنه لا يدعو إلى سيادة الدين السياسية، بل يود توظيفه في سبيل الحفاظ على النظام الاجتماعي. ولكن التشابه الملحوظ بين موقفه وموقف الأصوليين والثيوقراطيين يجعل منه، رغم اختلاف النوايا، حليفا لهم نظريا، يشاركهم تقييم الدين مقترنا بالسياسة.
وقد اعتقد شتراوس أن المشاكل التي واجهت الفلسفة أيام سقراط ما زالت عينها تواجه الفلسفة أيضا في العصر الحاضر، مما يبرر إعادة إحياء تقاليد فلسفية قديمة في الحداثة. واعتقاده هذا يشي بأنه ينظر إلى الوجود الإنساني كأنه ذو بنية غيبية مثبتة، لا تسمح ببروز الجديد تحت تأثير عوامل اجتماعية وسياسية متبدلة، إذ أن ما يحدث اليوم ليس إلا تكرارا لما مضى، مما يدفع إلى التساؤل عن مكانة المستقبل في تركيبة تاريخ كهذه، ذات ملامح حتمية. فإذا كان حاضر علاقة الفلسفة بالمجتمع لا يختلف عما كانت عليه هذه العلاقة في الماضي، فهذا يعني أن المستقبل أيضا لن يختلف عنهما. وبما أن هذه النظرة الحتمية أساسها اليأس من إمكانية أن يتعدى فعل التنوير دائرة القلة الفلسفية، فهي تشاؤمية الطابع، ولا يسعها أن تكون محركا لأي تغيير اجتماعي، بل هي بالأحرى عقبة في وجه التغيير. فالثورات الاجتماعية التي ابتغت تحسين الأوضاع السائدة ما كانت لتكون، لولا الاعتقاد بإمكانية التغيير. ويبدو أن شتراوس ينفي هذه الإمكانية حين ينسب إلى التاريخ بنية ميتافيزيقية ثابتة، تعرقل بروز الجديد.
ويقودنا هذا إلى أن نسائل فكر شتراوس عن أبعاد تحديده هدف الفلسفة السياسية بالسعي نحو بناء النظام الأمثل. فهل يمكن لهذا النظام المرسومة خطوطه العريضة على خلفية ميتافيزيقية صارمة، إلا أن يكون نظاما جامدا، رأسه قلة من الفلاسفة، منعزلة عن المجتمع، قابعة في برج النظريات العاجي؟ وإلى أي مدى يمكن لهذه القلة أن تكون جدية في سعيها إلى إنشاء النظام المثالي، إذا لم يكن هذا النظام وسيلة لتحقيق منافعها الخاصة وحماية امتيازاتها؟ هذه الأسئلة يتجاهلها شتراوس ويبدو أنه كان مقتنعا من عدم إمكانية تحقيق النظام المثالي، مما دعاه إلى اعتبار قلة من الطلاب الذين ينتمون إلى عائلات غنية ويصرفون وقتهم في التحصيل العلمي وملازمة المعلم تحقيقا للجماعة المثالية الساعية إلى المعرفة النظرية التي تجد فيها سعادتها. وهو يبتعد بذلك عن أفلاطون الذي دعا الفلاسفة إلى دور فعال بين الناس.
أما القول بفلسفة باطنية تبقى هي ذاتها على مر العصور من دون أن تتأثر بالظروف التاريخية، ويتناقلها أفراد مختارون عبر الأجيال، فهو قول يناقض تماما الاعتقاد بتاريخية الفكر. وإذا كانت الحقيقة منفصلة عن التاريخ، فكيف يمكن لها أن تفعل في التاريخ؟ لا يتسع المجال هنا لمناقشة موضوع الحقيقة بحد ذاتها. والاعتقاد بوجود حقيقة ثابتة لا تتبدل بتغير الأزمنة لا يتنافى والاعتقاد بأن الحقيقة لا يمكن السعي إلى إدراكها إذا بقيت غيبية. فالسعي نحو الحقيقة مرتبط بإمكانية أن تتجسد الحقيقة في التاريخ فتمكن ملامستها. وإذا انتفت هذه الإمكانية مسبقا، حكم على كل سعي وراء الحقيقة بأن يكون عدوا وراء السراب.
الهوامش
هذا تلخيص لرسالة الدكتوراه التي أجزها حول قراءة ليو شتراوس للفارابي وابن سيناء وابن رشد.
Islamische Philosophie und die Krise der Moderne. Das Verhältins von Leo Strauss zu Alfarabi, Avicenna und Averroes. (Leidn: E.J. Brill 2001)
Die Religionskritik Spinozas als Grundlage seiner Bibelwissenschafg/ Untersuchungen zu Spinozas Theologisch-Politischem Traktat (Berlin: Akademie- Verlag, 1930). وبالإنجليزية Spinoza’s Critique of Religion, with a prefece by Leo Strauss. Translated by E. M. Sinclair. (New York 1965).
جمعت مقالاته الأولى في الجزء الثاني من الأعمال المجموعة:
Leo Strauss Gesammelte Schriften. Bd. 2, Philosophie und Gesetz-Frühe Schriften, unter Nitwirkung von Wiebke Meier Herausgegeben von Heinrich Meier (Stuttgart, Weimar: verlag J.B. Netzler, 1996), p. 299-464.
في رسالة كتبها إلى كارل شميث في 10 تموز 1933، منشورة في:
Heonrich Meier, Carl Schmitt, Leo Strauss und “Der Begiff des Politischen”. Zu einem Dialog unter Abwesenden. (Stuttgart: Verlag J. B. Metzler, 1988), P. 134.
راجع: Kenneth L. Deutsch and John A. Murley (eds.), Leo Strauss, the Straussians and the American Regime (Lanham, 1999). يضم الكتاب مساهمات من الجيلين الأول والثاني من أتباع ليو شتراوس.
أكتفى في هذا السياق بعرض موجز لهذه الكتابات من دون مناقشة مضمونها، الذي ستكون لي عودة إليه لاحقا.
صدر في برلين عام 1935. ترجم إلى الإنكليزية مرتين:
Philosophy and Law: Essays Toward the Understanding of Maimonides and His Predecessors. Translated by Fred Baumann, (Philadelphia 1978).
Philosophy and Law: Contributions to the Understanding of Maimonides and His Predecessors. Translated by Eve Adler, Albany 1995.
والترجمة الثانية أفضل. وثمة ترجمة فرنسية قام بها Remy Brague أستاذ العلوم اليهودية في جامعة السوربون، هي جزء من كتاب يضم ترجمات أنجزها لأعمال شتراوس حول ابن ميمون.
“Quelques Remarques sur la science politique de Maimonide et de Farabi”, in Revue des Etudes Juives, 100, 1936: 1-37.
يرى شتراوس في عنواني الكتابين المدينة الفاضلة والسياسة المدنية دليلا على أن الفارابي جمع الفروع الفلسفية ضمن الإطار السياسي وأن الميتافيزيقا التي كانت تعتبر الفلسفة الأولى ليست في نظره إلا مجموعة آراء أهل الكيان السياسي.
Leo Strauss, Gesammelte Schrifen. Bd, 2. Philosophie und Geetz-Frühe Schriften, p. 129.
“Eime Vermisste Schrift Farabis”, in Monatsschrift für Geschichte und Wissenschaft des Judentums, 80, 1936: 96-106.
راجع نقد جعفر آل ياسين في: الفارابي، كتاب تحصيل السعادة، (بيروت: دار الأندلس، 1981)، ص17.
“Farabi’s Plato”, in Louis Ginzberg Jubilee Volume (New York: American Academy for Jewish Research, 1945), 357-393.
الفارابي، فلسفة أفلاطون وأجزاؤها ومراتب أجزائها من أولها إلى آخرها.
(De Platonis Philosophia) edd. Francisus Rosenthal et Richardus Walzer (Corpus Platonicum medii Aevi. Plato Arabus, 2), Londinii 1943.
Leo Strauss, Persecution and the Art of Writing. (New York 1952, rep Chicago 1988), p. 12.
يتوصل هاينرش ماير، وهو من كبار المتخصصين في فكر شتراوس ومقدم أعماله المجموعة في ألمانيا، من منظور آخر إلى هذه النتيجة، معتبرا أن شتراوس يضمن هذه الدراسة وصفا ذاتيا، لا يحتويه أي من آثاره الأخرى.
Heinrich Meier, Die Denkbewegung von Leo Strauss: Die Geschichte der Philosophie und die Intention des Philosophen (Stuttgart, Weimar: Metzler, 1996), p. 42.
“How Farabi Plato’s Laws”, in Mélanges Louis Massignon, 3 (Damascus: Instiut Français de Damas, 1957), 319-344. Reprint in Leo Strauss, What is Political Philosophy (Glencoe, III,: Free Press 1959, reprint Chicago: Chicago University Press, 1988), p. 134-154.
الفارابي، تلخيص نواميس أفلاطون، في:
Plato Arabus, volume III, Akfarabius, Compendium Legum Platonis, ed. Et latine vertit Franciscus Gabrieli (London: Warburg- Institute, 1952).
Leo Strauss, What is Political Philosophy (Glencoe, IIII,: Free Press 1959, reprint Chicago: Chicago University Press, 1988). P. 134.
المرجع السابق، ص 147-150.
Leo Strauss, The City and Man, Chicago 1964; id., The Argument and the Action of Plato’s Laws, Chicago and London 1975; id., Studies in Platonic Political Philosophy. With an Introduction by Thomas L. Pangle (Chicago 1983).
أهم ممثلي هذا التيار هو Kenneth Hart Green في كتابه:
Jew and Philosopher: The Return to Maimonides in the Jewish Thought of Leo Strauss (New York: SUNY, 1983). والمقدمة التي صدرها بها كتابات شتراوس التي حققها وأصدرها تحت عنوان:
Jewish Philosophy and the Crisis of Modernity. Essays and Lectures in Modern Jewish Thought. Edited with an Introduction by Kenneth hart Green. (New York: SUNY, 1997), p. 1-84.
الكتاب متوفر في الطبعة العربية التالية: دلالة الحائرين، تأليف الحكيم الفيلسوف موسى بن ميمون القرطبي الأندلسي (330-603هـ – الموافق 1135-1205م)، عرضه بأصوله العربية والعبرية وترجم النصوص التي أوردها المؤلف بنصها العبري إلى العربية وقدم له حسين أتاي (القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، من دون تاريخ).
أهمها:
“Maimunis Lehre von der Prophetie und ihre Quellen”. In Philosophie und Gesetz (Berlin: Schoken Verlag, 1935), p. 87-122; “The Literary Character of the Guide for the Perplexed”. In: Persecution and the Art of Writing (New York: Free Press 1952, reprint Chicago: Chicago University Press, 1988), 38-94p “How to Begin to Study the Guide of the Perplexed”. In: Moses Maimonides, The Guide of the Perplexed, Translated by Shlomo Pines. (Chicago: Chicago University Press, 1963), xi-lvi.
راجع
Kenneth Hart Green, Jew and Philosopher: The Return to Maimonides in the Jewish Thought of Leo Strauss, 96-106.
David Novak, Frederick Lawrence in David Novak (Ed.), Leo Strauss and Judaism: Jerusalem and Athens Critically Revisited (Lanham: 1996). P. viii, 131.
أهم ممثلي هذا التيار:
Thomas Pangle, “Introduction”, In Leo Strauss, Studies in Platonic Political Philosophy (Chicago: University of Chicago Press, 1983), p. 1-26; id, “Introduction of the Thought of Leo Strauss”, in: Leo Strauss, The Rebirth of Classical Political Rationalism: An Introduction to the Thought of Leo Strauss. Essays and Lectures by Leo Strauss. Selected and Introduction by Thomas L., Pangle (Chicago: University of Chicago Press, 1989), p. vii-xxxviii, Heinrich Meier, Die Denkbewegung von Leo Strauss: Die Geschichte der Philosophie und die Intention des Philosophen (Stuttgart, Weimar: Metzler, 1996); Clemens Kauffmann, Leo Strauss zur Einfihung (Hamburg: Junius, 1997).
Thomas Pangle, In: Leo Strauss, Studies in Platonic Political Philosophy, p. 2ff.
راجع:
Alan Bloom, “Leo Strauss: September 20, 1899- October 18, 1973”, In Political Theory, 2, 1974, pp. 373-392.
Heinrich Meier, Die Denkbewegung von Leo Strauss: Die Geschichte der Philosophie und die Intention des Philosophen (Stuttgart, Weimar: Metzler, 1996), p. 14f.
أهم أتباع هذا القول هم:
Myles Burmyeat, “Sphinx without a Secret”, in The New York Review, vol. 32, no. 9, 30 May 1985, pp. 30-36; Shadia Drury, The Political Ideas of Leo Strauss (New York: St. Marin’s Press, 1988).
راجع نقد ابن رشد للغزالي في كتاب فصل المقال، تحقيق ألبير نصري نادر، (بيروت: دار المشرق، 1995)، ص52-54، 58.
Myles Burnyeat, “Sphinx without a Secret”, pp. 31ff.
Shadia Drury, The Political Ideas of Leo Strauss (New York: St. Martin’s Press, 1988), 182-192.
Shadia Drury, “The Esoteric Philosophy of Leo Strauss”, in Political Theory, 13, 1985, pp. 315ff.
George Anstaplo and Harry Jaffa in: Kenneth L. Deutscn and john A. Murley (ed.), Leo Strauss, the Straussians and the American Regime (Lanham, 1999), p. 3, 41.
اقتصر في ما يلي، لضيق المجال، على الإشارة في الحواشي إلى المراجع الأساسية التي اعتمدت عليها.
سبينوزا رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة وتقديم د. حسن حنفي، القاهرة، 1971.
كان الفيلسوف اليهودي الألماني هرمان كوهن (1842-1918) قد وجه في دراسة طويلة حول موقف اسبينوزا من الدولة والدين، اليهودية والمسيحية، نقدا عنيفا إلى الفيلسوف اليهودي المنشق، متهما إياه بأن حقده الشخصي على دين آبائه دفعه إلى نقد التوراة وما فيها من أفكار سياسية. ويمكن اعتبار تفسير شتراوس لموقف اسبينوزا ردا على هجوم كوهن. راجع:
Hermann Cohen, “Spinoza über staat und Religion, Judentum und Christentum”, in id. Jüdische Schriften, Bd, (Berlin, 1924), p. 290-372; Leo Strauss, Gesammelte Schrifen. Bd. 1, Die Religionskritik Spinozas und zugehörige Schriften, unter Mitwirkung von Wiebke Meier Herausgegeben von Heinrich Meier (Stuttgart, Weimar: Verlag J. B. Metzler, 1996), p. 363-414.
Leo Strauss, Gesammelte Schriften. Bd. L, Religionskritik Spinozas und zugehöige Schriften, unter Mitwirkung von Wiebke Meier Herausgegeben von Heinrich Meier (Stuttgart, Weimar: Verlag J.B. Metzler, 1996), p. 76f.
المرجع السابق، ص77و 306و.
المرجع نفسه، ص267وو.
المرجع نفسه، ص267، 284و؛
Benedictus de Spinoza, Tractatus theologico-politicus, ed. Günter Gawlick und Friedrich Niwöhner, (Darmstadt 1989), p. 7ff.
ابن رشد، فصل المقال، تحقيق ألبير نصري نادر، (بيروت: دار المشرق، 1995)، ص35وو.
يقول ابن رشد بالأحداث الدائم للعالم رافضا عقيدة الخلق من العدم، من دون أن يرفض الوحي. راجع: تهافت التهافت، تحقيق موريس بويج، (بيروت: دار المشرق، 1992)، ص176و، 580وو.
Leo Strauss, Gesammelte Schriften. Bd. L, Die Religionskritik Spinozas und zugehörige Schriften, p. 239, n. 238.
Leo Strauss, Die Religionskriutik Spinozas als Grundlage seiner Biblwissenschaft. Untersuchungen zu Spinozas Theologisch-Politischem Traktat, Berlin 1930, p. 244ff.; Benedicuts de Spinoza, Tractatus theologico-Politicus, ed. Günter Gawlick und Friedrich Niewöhner, (Darmstadt 1989), p. 461.
لا يسعني في هذه الدراسة المخصصة لعلاقة ليو شتراوس بالفلسفة الإسلامية الوسيطة أن أتوسع في بيان أثر سبينوزا على فكر شتراوس. واكتفى حاليا بالإشارة إلى الدراسات التالية التي تتناول هذا الموضوع:
Allen Udoff (Ed.), Leo Strauss’s Thought: Toward a Critical Engagement, Boulder and london 1991; Walter Soffer, “Modern Rationalism, Miracles, and Revelation: Strauss’s Critique of Spinoza” in Kenneth L. Deutsch and Walter Nicgorski (eds.), Leo Strauss: Political Philosopher and Jewish Thinker, (Lanham, 1994), p. 143-173; Paul J. Bagley, “Harris, Strauss, and Esoterism in Spinoza’s Tractatus theologico-politicus”, in Interpretation, 23, 1996, p. 387-415.
ابن سينا، تسع رسائل (القسطنطينية، 1298هـ)، ص73؛
Leo Strauss, Gesammelte Schrifen. Bd. 2, Philosophie und Gesetz-Frühe Schriften, p. 112.
ابن رشد مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، تعريب أحمد شحلان (بيروت: مركز دراسات الوحدة الغربية، 1998)، ص36و.
Leo Strauss, Gesammelte Schriften. Bd. 2, Philosophie und Gesetz-Frühe Schriften, p. 47, 60f; id, The Rebirth of Classical Political Rationalism. (Chicago: University of Chicago Press, 1989), p. 223.
Leo Strauss, Gesammelte Schriften. Bd. 2, Philosophie und Geetz-Frühe Scheriften, p. 63f.
المرجع السابق، ص27، 39، 44و.
المرجع نفسه، ص128، و134، و139، 142.
يعني شتراوس الفلسفة بشكل عام، غير محصور بحضارة معينة. راجع:
Leo Strauss, Geammelte Schriften. Bd. 2, Philosophie und Gesetz-Frühe Scheriften, p. 128ff., 136, 142, 150f, 156ff.
Leo Strauss, An Introduction to Political Philosophy. Ten Essays by Leo Straus. Edited with an Introduction by Hiliail Gildid (Detroit: Wayne state University Press, 1989), 81-98.
Leo Strauss, “Progress or Return? The Contemporay Crisis in Western Civiliztion”, in Modern Judaism, 1, 1981, p. 31ff.
Leo Strauss, The City and Man, (Chicago: Chicago University Press, 1964) 241.
كان شتراوس مقتنعا بأن الخلقية الواردة في الكتاب المقدس الداعية إلى طاعة الوصايا الإلهية وتسليم الله مقاليد الأمور تتعارض وعقلانية الفلسفة الداعية إلى فحص كل شيء واستعمال العقل المجرد في اختيار الأحسن. وما تجدر ملاحظته هو أن شتراوس يضع على الأرجح نصب عينيه الكتاب المقدس في عهده القديم فقط، متجاهلا العهد الجديد. وسأعرض لاحقا موقفه من المسيحية. ومقولته تفتقد الدقة، خصوصا فيما يتعلق بالوصايا الخلقية التي تتناول حياة الإنسان الاجتماعية. وتجدر الملاحظة أن الكتاب المقدس في عهديه لا يدعو إلى تعطيل العقل، بل يبرز محدوديته وحسب، ويدعو في حال استعصاء الأمور على العقل إلى الخضوع لمشيئة الله، التي لا يستطيع العقل البشري سبر غورها، ولكنه قادر على تلمس مفاعيلها في الحياة.
Leo Strauss, “The Mutual Influence of Theology and Philosophy”, in Independent Journal Philosophy, 3, 1979, p. 113, 116.
Leo Strauss, Gesammelte Schriften. Bd. 2, Philosophie und Gesetz- Frühe Scheriften, p. 90.
الفارابي، آراء أهل المدينة الفاضلة، تحقيق فريدريش ديتريشي، لايدن، 1895، ص47-52، 57-59؛
Leo Strauss, Gesammelte Schriften. Bd. 2, Philosophie und Gesetz- Frühe Scheriften, p. 100ff.
المرجع السابق، ص110و، 422و.
المرجع السابق، ص106و، 141. وابن سينا الشفاء، تحقيق الأب فنواتي وسعيد زايد، القاهرة، ص441و.
المرجع نفسه، ص118و، 122و، 142.
المرجع السابق، ص100وو، 111، 115وو، 142.
المرجع نفسه، ص102، 108، 116، 136، 140وو، 156وو، 206.
المرجع نفسه، ص100و، 115وو، 142و.
راجع:
Richard Walzer, Al-Farabi on the Perfect State: Abu Nasr al-Farabi’s Mabadi ‘ara’ ahl al-Madina al-fadila. A revised text with introduction, translation, and commentary by Richard Walzer (Oxford: Clarendon Press, 1985), 5f., 17f., 441f., 447f.; Ann Lambton, State Government in Medieval Islam (Oxford, 1981), 72, 121.
الفارابي، مبادئ آراء أهل المدينة الفاضلة، تحقيق Richard Walzer، ص246و؛ نفسه، السياسة المدنية، تحقيق فوزي متري نجار، بيروت: دار المشرق، 1993، ص79و؛ نفسه، كتاب الملة ونصوص أخرى، تحقيق محسن مهدي (بيروت: دار المشرق، 1991)، ص50، 66؛ نفسه، كتاب تحصيل السعادة، تحقيق جعفر آل ياسين، بيروت: دار الأندلس، 1981، ص93و.
ابن رشد، مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، تعريب أحمد شحلان، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998، ص135وو. قارن المرجع نفسه: ص120، 125و 140؛ المؤلف نفسه، الكشف عن مناهج الأدلة، تحقيق مصطفى حنفي بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998 ص173-185.
Leo Strauss, Gesammelte Schriften. Bd. 2, Philosophie und Gesetz- Frühe Scheriften, p. 63f.
Leo Strauss, The Argument and the Action of Plato’s Laws (Chicago: Chicago University Pre, 1975), p. 1f.
Leo Strauss, What is Political Philosoph, p. 144.
Leo Strauss, The Rebirth of Classical Political Rationalism. An Introduction to the Thought of Leo Strauss. Essays and Lectures by Leo Strauss. Selected and Introduction by Thomas L. pangle (Chicago: University of Chicago Press, 1989), p. 223.
Leo Strauss, What is Political Philosophy, ibid.
المرجع نفسه، ص145؛ Leo Strauss, Gesammelte Schriften. Bd. 2, Philosophie und Gesetz- Frühe Scheriften, p. 129.
Leo Strauss, What is Political Philosophy, p. 150ff.
المرجع السابق، ص164و.
المرجع نفسه، ص11.
Leo Strauss, Persecution and the Art of Writing, (New York: Free Press, 1952, rep. Chicago: Chicago University Press, 1988), p. 119f., 133, 136ff.
المرجع نفسه، ص114و.
Leo Strauss, What is Political Philosophy, p. 137, 139.
بحسب تفسير شتراوس ليس “الإلهي” بالنسبة للفارابي إلا “الإنساني الممتاز” أنظر:
Leo Strauss, “Farabi’s Plato”, in Louis Ginzberg Jubilee Volume, p. 392; id., What is Political Philosophy, p. 149; cf., Nietzsche, Jenseits von Gut und Böse, Drittes Hauptstick (Frankfurt am Main: Insel Verlag, 1984), 56-73.
Leo Strauss, Hobbes’ Politiche Wissenschaft (Neuwied: Luchterhand, 1965), p. 7.
راجع الفارابي، تلخيص نواميس أفلاطون، ص5-7، في
Plato Arabus, Volumen III, Alfarabius, Compendium Legum Platonis, ed. Et latine vertit Franciscus Gabrieli (London: Warburg0Institute, 1952).
المرجع نفسه، ص6و، 10، 38.
المرجع نفسه، ص61، 22، 26.
المرجع نفسه، ص12، 14، 16، 18، 20، 24، 30، 33، 41. سبق لولفسون أن أشار إلى أن مفهوم الناموس هو أحد المفاهيم الغامضة المعنى في الفلسفة العربية وخاصة لدى الفارابي الذي يثبت ولفسون لديه استعمال كلمة نواميس بالمعنى الأرسطوطالي، أي كقوانين مدنية:
H.A. Wolfson, “The amphibolous Terms in Aristotle, Arabic Philosophy and Maimonides”, in Harvard Theological Review, 31, 1938, p. 155ff.
Leo Strauss, “Farabi’s Plato”, in Louis Ginzberg Jubilee Volume, p. 388; id., What is Political Philosophy, p. 221f.
Leo Strauss, “Farabi’s Plato”, p. 363ff., 372., 389, 392.
Leo Strauss, The City and Man, 20.
تحمل الدراسة، Farabi’s Plato التي يحلل فيها شتراوس عرض الفارابي لفلسفة أفلاطون، أهم آرائه في الفارابي. وهي تعكس في الوقت نفسه وصفا ذاتيا لشتراوس، الذي يبدو أنه اعتقد بوجود تشابه كبير بينه وبين الفارابي، كما سبق أن ذكرت. راجع الحاشية 16.
Leo Strauss, What is Political Philosophy, p. 154.
المرجع نفسه، ص126؛
Leo Strauss, “Farabi’s Plato”, p. 384.
Leo Strauss. The City and Man, p. 24; id., Natural Right and History (Chicago: Chicago University Press, 1953, 7, ed. 1971), 124f; id., What is Political Philosophy, p. 11, 39.
Leo Strauss, What is Political Philosophy, p. 93f.
المرجع نفسه، ص34و، 80و، 83؛
Leo Strauss,. The City and Man, p. 45f.; id., Natural Right History, 135ff.
Leo Strauss, Persecution and the Art of Writing, p. 37; id., What is Political Philosophy, p. 36f.
Leo Strauss, What is Political Philosophy, p. 93f.
Leo Strauss, Gesammelte Schriften. Bd. 2, Philosohie und Geetz- Frühe Scheriften, p. 153, 211; id., Netural Right and History (Chicago: Chicago University Press, 1953, 7. Ed. 1971), p. 82, 92, 120ff.; id., The Argument and the Action of Plato’s Laws (Chicago: Chicago University Pres, 1975), p. 8, 102.
Leo Strauss,. Natural Right History, (Chicago: Chicago University Pres, 1953, 7. Ed. 1971), p. 143; History of Political Philosophy, ed. By Leo Strauss and Joseph Cropsey, (Chicago: Chicago University pres, 1963, 3rd Edition, 1978), 296f.
Leo Strauss,. Natural Right and History, p. 143; id., The Rebirth of Classical Political Rationalism. An Introduction to the Thought of Leo Strauss. P. 118.
Leo Strauss,. Natural Right and History, p. 112; id., The Rebirth of Classical Political Rationalism. An Introduction to the Thought of Leo Strauss. P. 134, 157f., 162.; id. Jewish Philosophy and the Crisis of Modernity. Easy and Lectures in Modern Jewish Thought. Edited with an Introduction by Kenneth Hart Green. (New York: SUNY, 1997), p. 464f.
Leo Strauss, Natural Right and History, p. 129.
المرجع نفسه، ص125وو، 262و.
Leo Strauss, The Rebirth of Classical Political Rationalism. An Introduction to the Thought of Leo Struass, p. 133.
المرجع نفسه، ص126؛
Id., What is Political Philosophy, p. 9; id., The City and Man, p. 45f; id., Natural Right and History, 1.
Leo Strauss, Gesammelte Schriften. Bd. 2, Philoophie und Gesetz –Frühe Schriften, 60, n. 24, 168f., 177.
Leo Strauss, The Rebirth of Classical Political Rationalism. An Interoduction to the Thought of Leo Strauss, p. 133.
المرجع السابق، ص158و، 222و؛
Id., Persecution and the Art of Writing, p. 7f., 21; id., “Farabi’s Plato”, p. 383.
الفارابي، تلخيص نواميس أفلاطون، ص3و، في
Plato Arabus, Volumen III, Alfrarabius, Compendium Legum Platonis, ed. Et latine vertit Franciscus Gabrieli (London: Warburg- Institute, 1952).
يعبر الفارابي عن الرأي الذي كان سائدا في العصر القديم والقرون الوسطى بأن أفلاطون وأرسطو أخفيا حقيقة آرائهما ولم يعبرا عنها إلا بالإشارة والتلميح. (كتاب الجمع بين رأيي الحكمين، تحقيق ألبير نصري نادر، بيروت: دار المشرق، 1980، ص3و) وهو يذكر ثلاثة أسباب لاستعمال أرسطوطاليس تعابير غامضة: 1- امتحان الطالب إذا كان يحوز على ملكة التعلم، 2- الحفاظ على الفلسفة لمن هو كفء لها، 3- تمرين الطالب العقلي بواسطة عناء البحث. (رسالة ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم فلسفة أرسطو، في مبادئ الفلسفة القديمة، القاهرة 1328/1910، ص14). ويصرح ابن ميمون بأنه ابتدأ تدريس تلميذه بواسطة “تلويحات وإشارات”، ليختبر أولا ذكاءه ومقدرته على الاستيعاب. (دلالة الحائرين، ص3و) وهذا يدل على أن استخدام الفلاسفة الأسلوب الرمزي في الكتاب إنما كان في الدرجة الأولى لغرض تربوي.
Leo Strauss, What is Political Philosophy, p. 134-137.
المرجع نفسه، ص137، 139.
المرجع السابق، ص126و؛
Id., On Tyranny. Revised and Expanded Edition. Inculding the Strauss-Kojêve Correspondence. Edited by Victor Gourevitch and Michael S. Roth (New York: Free Prews, 1991), 205f.
قرأ شتراوس: “وما كان من تلك يتعلق بالنبوة والشريعة فيشتمل عليه كتابهما في النواميس”. وقراءته تخالف نص طبعة القسطنطينية، 1298- ص73، التي كان يستعملها، حيث يرد: “كتابان هما في النواميس”. واستخدم شتراوس مخطوطة في مكتبة غوتا، حيث يرد: “كتاباهما الموضوع في النواميس” (وجه 16أ)، لينسب الكتابين في النواميس إلى أفلاطون وأرسطوطاليس. ومن المعروف أن ليس لأرسطو كتابا مماثلا بعكس ما يزعمه محسن مهدي في Ralf Lerner & mushsin Mahdi (Ed.), Medieval Political Philosophy: A Sourcebook, (Glencoe: Free Press, 1963), P. 97, n. 2.
عبد الرحمن بدوي، أفلاطون في الإسلام (بيروت: دار الأندلس، 1980)، ص197-234. لم يحظ هذا الأثر المنحول بأي اهتمام علمي بعد. وقد تلطف الأستاذ هانس دايبر، أستاذ الاستشراق في جامعة فرانكفورت، بإعطائي صورة من مخطوط جيد الوضع لم يستخدمه بدوي في تحقيقه. وسأعمل في المستقبل القريب على إعداد تحقيق جديد للنص وترجمته إلى الألمانية والتعليق على مضمونه.
ابن سيناء، تسع رسائل (القسطنطينية، 1298)، ص82وو؛ كتاب النجاة (القاهرة، طبعة الكردي، 1357/1938)، ص301وو.
راجع: Franz Rosenthal, “On the Knowledge of Plato’s Philosophy in the Islamic World”, Islamic Culture, 14, 1940: 387-422.
راجع: ابن رشد، فصل المقال، تحقيق ألبير نصري نادر، (بيروت: دار المشرق، 1995)، ص28وو.