نظرية العقول العشرة لدى الفارابي ومدى تأثره بفلاسفة اليونان”دراسة نقدية”
- إعداد الدكتور/عاطف مصطفى محمد أبو زيد
- المدرس بقسم العقيدة والفلسفة
- بكلية أصول الدين بطنطا
بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن نظرية العقول العشرة تعتبر من بين النظريات التي كان لها الأثر الكبير في الفلسفة على العموم والفلسفة الإسلامية خاصة، وهذا من خلال نخبة من الفلاسفة المسلمين -كالفارابي مثلاً- الذين أولوا لها أهمية كبيرة.
أسباب اختياري لهذا الموضوع ما يلي:-
- عدم اهتمام الدارسين للفارابي بنظرية العقول العشرة لديه رغم أهميتها الكبيرة وخصبها الوافر وغزارة معانيها.
- بيان مدى موافقة تلك النظرية لروح الشريعة الإسلامية، ومدى مخالفتها، وفي ذلك إحياء حقيقيا لتراثنا الإسلامي.
- فلهذين السببين وبعد استخارة المولى عز وجل استعنت به واخترت هذا الموضوع.
أما عن منهج البحث: فقد اعتمد الباحث في دراسته لنظرية العقول العشرة لدى الفارابي على المناهج الآتية: التحليلي والنقدي؛ وذلك لما تقتضيه طبيعة البحث حيث يلزم تحليل أفكار الفارابي ونقدها، وحتى يتضح المعنى في الذهن ونرى مقدار التأثير والتأثر، ونقف على مواطن الأصالة والابتكار والتجديد أو المتابعة والتقليد، مع مراعاة النقاط الآتية:
- بيان مدى تأثر الفارابي بفلاسفة اليونان في جل مباحث الموضوع وعدم إفراد مبحث مستقل لذلك لعدم التكرار.
- الرجوع إلى المصادر الأساسية والمعتمدة للفارابي مع الاستعانة بالمراجع الحديثة استئناساً للرأي أحياناً، ولتوضيح رأي أو فكرة اكتنفها الغموض أو الإبهام في مصادرها الأصلية أحياناً أخرى.
- الترجمة الموجزة لمن تطلب الأمر الترجمة له من الأعلام الواردة في ثنايا البحث.
هذا وقد اقتضت طبيعة البحث أن يشتمل على مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة على النحو التالي:
عناصر البحث :
- المقدمة: وتشتمل على أهمية الموضوع وأسباب اختياره ومنهج البحث.
- التمهيد: ويشتمل على التعريف بالفارابي.
- المبحث الأول: مفهوم العقل ومدلوله.
- المبحث الثاني: أسس النظرية لدى الفارابي.
- المبحث الثالث: العقل الفعال وعلاقته بالعالم.
- المبحث الرابع: نقد النظرية.
- الخاتمة: وبها أهم النتائج.
التمهيد
التعريف بالفارابي:
- اسمه: محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ ([1]).
- كنيته: كان يكنى بأبي نصر ([2]).
وقد اتفق أغلب المترجمين للفارابي على أنه تركي الأصل، باستثناء ابن أصيبعة الذي ذكر أن والده كان قائد جيش وهو فارسي الأصل ([3]).
ويرى المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق أنه “لا سبيل إلى تحقيق نسبه من هذه الناحية لتقارب البلدين واشتراك الأعلام فيهما، وإذا صح أن أباه كان قائد جيش فهو لم يكن من كبار القواد الذين يشيد بهم التاريخ، ولعل فيها امتاز به الفارابي من الشجاعة والصبر على احتمال متاعب الدرس ومشاق الأسفار وشظف العيش ما يشعر بأنه سليل أبطال” ([4]).
مولده:
لم يذكر المؤرخون تاريخ ولادته، ولكنهم ذكروا أنه توفى بدمشق في شهر رجب عام 339هـ وقد ناهز الثمانين عاماً، ومن ثم تكون ولادته عام 259هـ تقريباً ([5]) في فاراب ([6]).
نشأته وتعلمه:
نشأ الفارابي ميسور الحال، فقد كان زاهداً متقشفاً لا يحتفل بأمر مكسب ولا مسكن ولا يعني بزي أو مظهر، وقد استعاض عن متع الدنيا ومباهجها بالتفكير والتأمل والنظر بعيداً عن صخب الحياة وجلبة الجماعة، فكان لا يرى إلا عند مجتمع ماء أو مشتبك رياض يكتب ويقرأ.
وكان الفارابي حاد الذهن متوقد الذكاء واسع الثقافة، فلم يدع علماً من علوم زمانه إلا أجاده وبرع فيه، واشتهر بمعرفة لغات كثيرة كالعربية والتركية والفارسية، وكذلك كان موسيقياً تنسب إليه الأعاجيب، كما يعزى إليه اختراع الآلة المعروفة بالقانون، وكانت له قوة في صناعة الطب وعلم بالأمور الكلية منها، ولكنه لم يباشر أعمالها ولا حاول جزئياتها، فلئن لم يطبب الأجسام فحسبه تطبيب النفوس والأرواح ([7]).
لذلك لم يكن عجباً أن يحتل الفارابي المقام الأول بين المفكرين والفلاسفة، مما حدا بالمترجمين إلى وصفه بأنه أكبر فلاسفة الإسلام، وبأنه فيلسوف المسلمين على الحقيقة، وإلى تسميته بالمعلم الثاني، يعنون أنه يأتي في المرتبة الثانية بعد أرسطو ([8]).
أعجب بأرسطو فشرح كتبه ولا سيما المنطقية منها، وعلق عليها وأظهر غامضها، وقرب متناولها، ولكن أرسطو لم يصل إليه خالصاً وإنما وصل إليه من خلال الأفلاطونية المحدثة التي شوهت كثيراً من آراء أرسطو ونسبت إليه ما ليس له، وربما كان المنطق وحده هو الذي نجا من هذا التشويه فوصل خالصاً مقتحماً جميع العقبات ([9]).
وقد عرف الفارابي بأسفاره الكثير منذ أن ترك بلدته (فاراب) في آسيا الوسطى، ولا شك أن هذه الأسفار قد أفادت الفارابي كثيراً وساعدت على بلورة شخصيته الفكرية، وذلك بما هيأته له من فرص الاحتكاك بثقافات جديدة لم يسبق له الاطلاع عليها، ومعاينة أحوال الناس والمجتمعات عن قرب، مما سيكون له أكبر الأثر في اهتمامه غير العادي بالسياسة والأخلاق والمجتمع، وكذلك وقبل كل شيء الالتقاء بأساتذة وعلماء في شتى فنون المعرفة، لا سيما وأن جل أسفار الفارابي كانت طلباً للعلم، فلقد رحل إلى بغداد حوالي عام 310هـ وعمره حينئذ يناهز الخميسين وأقام بها نحو عشرين عاماً كانت من أخصب فترات حياته العقلية، حيث كتب معظم مؤلفاته، ثم سافر منها إلى دمشق ولم يقم بها، ثم توجه إلى مصر، وعاد إلى دمشق، وتوفي بها ([10]).
أساتذة الفرابي :
أشار الفارابي إلى بعض أساتذته ممن أفاد منهم، ثم فاق بعضهم معرفة وعلماً ومن هؤلاء:
يوحنا بن حيلان (ت318هـ): طبيب نصراني منطقي، كان يسكن مدينة حران، درس الفارابي على يديه المنطق ([11]).
متى بن يونس (ت328هـ، وقيل 329هـ): كان متى بن يونس شيخاً كبيراً يقرأ الناس عليه فن المنطق، وله صيت عظيم وشهرة وافية، ويجتمع في حلقته كل يوم عدد كبير من المشتغلين بالمنطق، وهو يقرأ كتب أرسطاطاليس في المنطق ويملى على تلامذته شرحه، وكان حسن العبارة في تأليفه، لطيف الإشارة، وكان يستعمل في تصانيفه البسط والتذييل، وقد درس الفارابي على يديه شيئاً من الحكمة والمنطق في بغداد ([12]).
تلامذة الفرابي :
كان للفارابي تلامذة اشتهروا وعرفوا في حقول اختصاصاتهم الفلسفية وسجل لهم تاريخ الفكر لمعات نادرة وآراء جادة نافذة، ومن هؤلاء التلامذة:
أبو زكريا يحيى بن عدي: يعد هذا التلميذ من أفضل تلامذة الفارابي ومن نقلة الفكر اليوناني إلى العربية، وله تصانيف كثيرة، وكان يشرح كتب أرسطو ويلخص تصانيف الفارابي، وقد توفى عام 364هـ ([13]).
الشيخ الرئيس ابن سينا: إذا تركنا التلمذة المباشرة، فإن ابن سينا الذي تميز بالذكاء الحاد والفطنة يعد أحد تلامذة الفارابي، حيث انتفع بكلامه في تصانيفه، بل إن ابن سينا نفسه يعترف للمعلم الثاني بالأستاذية، وقد توفى ابن سينا عام 428هـ/ 1037م وله من العمر ثمانية وخمسون عاماً ([14]).
مؤلفات الفرابي :
يعد الفارابي من أغزر فلاسفة الإسلام مادة ومن أطولهم نفساً في التأليف، ومن أكثرهم إنتاجاً وتنوعاً، فقد عالج مسائل متعددة في المنطق والطبيعة وما بعد الطبيعة والفلك والتنجيم والهندسة والسياسة والطب وغير ذلك، وقد أحصى له بروكلمان (187) كتاباً ضاع القسم الأكبر منها،
ويمكن تقسيم كتب الفارابي إلى قسمين:
- تصانيف شخصية مبتكرة.
- شروح وتعليقات.
لكن الحدود ليست واضحة بين هذين النوعين من المؤلفات، فالشرح والتعليق لابد فيهما من فهم النص أولاً والخوص على معانيه واستنباط ما غمض منها بالتخريج والقياس والمقارنة، وكل ذلك يتطلب من الجهد والتفكير وإعمال العقل ما يصل إلى حد الإبداع والأصالة في كثير من الأحيان، ومن هنا ما نجد عند الشراح من تحميل النص من المعاني ما لم يخطر ببال صاحبه، حتى إن النص الواحد قد يذهب الشراح في فهمه مذاهب شتى تختلف باختلاف حظهم من الابتكار والخلق.
وإذا كان المجهود الشخصي عنصراً هاماً في فهم النص؛ فإن التقييد ببعض الأصول العامة والالتزام بما هو مقرر وثابت عنصر لا يقل أهمية أيضاً في التأليف، ومعنى هذا أن الشرح ليس التزاماً كله، كما أن التأليف ليس اجتهاداً كله، وإنما الحدود بينهما مشتركة متداخلة ([15]).
وضمن هذه الشرائط نورد هنا أهم مؤلفات الفارابي أولاً، ثم نعقب بأهم شروحه وتعليقاته:
أولاً: أهم مؤلفات الفرابي :
- إحصاء العلوم ([16]).
- مقالة في معاني العقل ([17]).
- تحصيل السعادة ([18]).
- التنبيه على سبيل السعادة.
- المسائل الفلسفية والأجوبة عنها.
- فصوص الحكم ([19]).
- كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة ([20]).
- كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين ([21]).
- ثانياً: أهم شروحه وتعليقاته:
للفارابي شروح وتعليقات على كتب أرسطو التالية:
- البرهان.
- العبارة.
- الخطابة.
- الجدل.
- القياس.
- المغالطة.
- المقولات.
- السماء والعالم ([22]).
وفاة الفرابي:
بعد حياة عامرة مليئة بالعلم والعمل توفي الفارابي بدمشق في شهر رجب عام 339هـ، وصلى عليه سيف الدولة (ت356هـ) في خمسة عشر رجلاً من خاصته، ودفن بظاهر دمشق خارج الباب الصغير ([23]).
المبحث الأول مفهوم العقل ومدلوله
مفهوم العقل في اللغة:
العقل لغة مصدر عقل: أي ربط واستمسك، تقول: عقل بطن المريض، بعدما استطلق: استمسك، واسم الدواء: العقول ([24])، والعقل “الحجر والنهي، ضد الحمق، والجمع: عقول” ([25]).
“ورجل عاقل: وهو الجامع لأمره ورأيه، أخذ من عقلت البعير: إذا جمعت قوائمه، وقيل العاقل: الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، أخذاً من قولهم: اعتقل لسانه: إذا حبس ومنع الكلام” ([26]).
“وعقل البعير، يعقله عقلاً، وعقله واعتقله، ثنى وظيفه مع ذراعه، وشدهما جميعاً في وسط الذراع، وكذلك الناقة” ([27]).
وأطلق العقل على الدية التي تدفع لأهل المقتول، فيقال:
“عقل القتيل، يعقله عقلاً: وداه، وعقل عنه” ([28]): إذا أدى عنه الدية، وأصل ذلك أن الدية كانت إبلاً تعقل بأفنية البيوت، ثم كثر فصار كل دية عقلاً، وإن كانت دراهم أو دنانير ([29]).
ويطلق العقل على قوة الحجة فيقال: “عاقلته: فعقلته، أعقله بالضم: أي غلبته بالعقل، … وتعقل: تكلف العقل، كما يقال: تحلم وتكيس” ([30]).
و”عقل الشيء يعقل عقلاً، فهمه، ويقال: أعقلت فلاناً: أي صيرته عاقلاً” ([31]).
ومن ثم يتبين أن العقل يطلق على معان تدور حول المنع والفهم والاستمساك والربط، وهذه المعاني من صفات العقل الذي خص الله به الإنسان، وميزه به عن سائر الحيوان، فهو الذي يمنع صاحبه عن التورط في المهالك، ويرد النفوس عن هواها، وهو الذي يميز به الإنسان بين الخير والشر، وبين النافع والضار” وبهذه الدلالة يتجلى لعقل العملي، الذي يعقل النفس ويمنعها عن التصرف على مقتضى الطباع، فالعقل ضد الطبع” ([32]).
وعلى هذا فإن العقل في مدلوله لفظه العام يطلق على “تلك الملكة التي يناط بها الوازع الأخلاقي، أو المنع عن المحظور والمذكور، ومن هنا كان اشتقاقه من مادة (عقل) التي يؤخذ منها العقال، وتكاد شهرة العقل بهذه التسمية أن تتوارد في اللغات الإنسانية الكبرى التي يتكلم بها مئات الملايين من البشر” ([33]).
مفهوم العقل في القرآن والسنة:
أولاً: مفهوم العقل في القران الكريم:
لم يرد لفظ العقل في القرآن الكريم مصدراً قط، وإنما ورد في صيغة الفعل: عقل، يعقل، نعقل، في الماضي أو المضارع والمفرد والجمع، وورد بعضها مسبوقاً بالحث على العقل أو الاستفهام أو الاستذكار أو النفي، ومن ذلك:
- قوله تعالى: “يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ” ([34]).
- قوله تعالى: “وتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ومَا يَعْقِلُهَا إلاَّ العَالِمُونَ” ([35]).
- قوله تعالى: “إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” ([36]).
فمعنى (عقلوه، يعقلها، تعقلون) هو: علموه وتعلمون أو تعرفون أو تفهمون، مما يدل على أن العقل يعني: العلم والمعرفة والفهم ([37]).
ثانياً: مفهوم العقل في السنة:
ورد لفظ العقل في السنة النبوية المطهرة فيما يقرب من ثلاثمائة مرة بالصيغتين الاسمية والفعلية ومن ذلك:
- ما ورد من وصف المصطفى -صلى الله عليه وسلم- النساء بأنهن “ناقصات عقل ودين” ([38]). فقد جاء العقل في الحديث بالصيغة الاسمية، واعتبر النسيان من نقصان ملكة العقل عند المرأة.
- ورد عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مريض لا أعقل -يقصد أنه غائب عن الوعي- “فتوضأ، فصب علي من وضوئه فعقلت” ([39]).
- فقد ورد لفظ العقل في الحديث الشريف بالصيغة الفعلية، بمعنى: أنه استيقظ وتنبه وعاد إليه وعيه.
وتجدر الإشارة إلى أن العقل قد ورد في أحاديث أخرى من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بألفاظ مختلفة منها: الحلم والنهي، ومن ذلك:
ما ورد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح بمناكبنا في الصلاة ويقول: “استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنهي، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم” ([40]).
قال النووي: “أولو الأحلام: هم العقلاء، وقيل: البالغون، فعلى قول من يقول: أولو الأحلام: العقلاء، يكون اللفظان بمعنى، فلما اختلف اللفظ عطف أحدهما على الآخر تأكيداً، وعلى الثاني معناه: البالغون” ([41]).
ما ورد من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأشج بن عبد القيس ([42]):
“إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة” ([43]).
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أي حديث في العقل مبالغ فيه، ولذا يقول الكوثري (ت1371هـ) في مقدمته لكتاب العقل وفضله:
“إن المعتزلة كما غالوا في تحكيم العقل، غالى كثير من الرواة في رد كل ما ورد في فضل العقل نكاية في هؤلاء، والحق بين طرفي الإفراط والتفريط” ([44]).
ولعل غلو المعتزلة وتعظيمهم للعقل حمل رواة الأحاديث على التشدد في قبول أي حديث في العقل، “فالمعتزلة عظموا العقل تعظيماً كبيراً، ووثقوا بقدرته على إدراك الأشياء والمفاضلة بين الأمور، وأوغلوا في تحكيمه، وغالوا في قبول ما قبله ورد ما رده، وجعلوه لا يخطئ، وتكفلوا في رد بعض الأحاديث والآثار الثابتة إذا خالفت -في حكمهم وحسب مفهومهم- العقل، فكان ذلك إسرافاً منهم لا ريب فيه” ([45]).
ويضاف إلى ما تقدم أخذ الفلاسفة المسلمين عن الفلسفة اليونانية نظرية العقل الأول والعقل الفعال، وغير ذلك مما يخالف الإسلام مخالفة صريحة.
مفهوم العقل لدى الفلاسفة:
للعقل لدى الفلاسفة تعريفات متعددة منها:
- أنه “جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها” ([46]).
- وقيل إن العقل هو: “قوة النفس التي بها يحصل تصور المعاني وتأليف القضايا والأقيسة” ([47]).
- وقيل هو: “قوة طبيعية للنفس متهيئة لتحصيل المعرفة العلمية” ([48]).
مفهوم العقل لدى الفارابي:
يميز الفارابي في رسالته -في العقل- بين ستة من أنواع العقول هي:
الأول: العقل عند الجمهور :
وهو العقل الذي ينعت به الجمهور -أي عامة الناس لدى الفارابي- الإنسان بأنه عاقل وفاضل، والعاقل “محتاج إلى دين، والدين عندهم هو الذي يظنون أنه هو الفضيلة، وهؤلاء إنما يعنون بالعاقل من كان فاضلاً جيد الروية في استنباط ما ينبغي أن يؤثر من خير أو يجتنب من شر، ويمتنعون أن يوقعوا هذا الاسم على من كان جيد الروية في استنباط ما هو شر، بل يسمونه ماكراً أو داهياً وأشباه هذه الأسماء” ([49]).
إن العقل عند الجمهور فيما يرى الفارابي مرتبط بالمعيار الخلقي، لذا كان الشرير غير عاقل، وهذا العقل سماه أرسطو طاليس “التعقل” ([50]).
الثاني: العقل عند المتكلمين:
عرف علماء الكلام العقل بأنه عبارة عن: غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات، والنائم لم يزل في عقله وإن لم يكن عاقلاً ([51]).
ويبدو وضوح أثر الفكر اليوناني على المتكلمين في هذا التعريف؛ لأنه قريب مما ذكره أرسطو في كتاب البرهان بأن العقل هو القوة التي تحصل للإنسان بالفطرة والطبع ([52]).
بينما يحدد الفارابي مفهوم العقل عند المتكلمين قائلاً: “أما العقل الذي يردده المتكلمون على ألسنتهم فيقولون في الشيء: هذا مما يوجبه العقل، أو ينفيه العقل، أو يقبله العقل, أو لا يقبله العقل، فإنما يعنون به المشهور في بادئ الرأي عند الجميع، فإن بادئ الرأي المشترك عند الجميع أو الأكثر يسمونه العقل، وأنت تتبين ذلك متى استقريت كلامهم شيئاً شيئاً مما يتخاطبون فيه وبه أو مما يكتبونه في كتبهم ويستعملون فيه هذه اللفظة” ([53]).
لكن الفارابي يكر على المتكلمين؛ لأنهم -من وجهة نظره- يقولون بشيء ويعملون بشيء آخر، ذلك أنهم “يظنون بالعقل الذي يرددونه فيما بينهم أنه هو العقل الذي ذكره أرسطو طاليس في كتاب البرهان، ونحو هاذ يؤمون، ولكن إذا استقريت ما يستعملونه من المقدمات الأولى تجدها كلها مأخوذة من بادئ الرأي المشترك، فلذلك صاروا يؤمون شيئاً ويستعملون غيره” ([54]).
الثالث: العقل الفطري:
وهو العقل الذي يصفه أرسطو طاليس بأنه القدرة على استيعاب مبادئ القياس الأولى، وذلك بمجرد الطبع والفطرة ([55]).
الرابع: العقل الناشئ عن التجربة:
وهو العقل الذي جاء في المقالة السادسة من كتاب “الأخلاق” أنه ضرب من الاعتياد الذي يتم بالتجربة والاختبار، وهذا العقل يمكن التوصل به إلى أحكام صائبة في باب الخير والشر. والعقل بهذا المعنى يتطابق مع دلالته الأولى.
يقول الفارابي عن هذا العقل: إنه “جزء النفس الذي يحصل بالمواظبة على اعتياد شيء مما هو في جنس من الأمور وعلى طول تجربة شيء شيء مما هو في جنس من الأمور على طول الزمان، اليقين بقضايا ومقدمات في الأمور الإرادية التي شأنها أن تؤثر أو تجتنب … وهذا العقل … يتزايد مع الإنسان طول عمره، فيتمكن فيه تلك القضايا، ويضاف إليها في كل زمان قضايا لم تكن عنده فيما تقدم من قبل، ويتفاضل الناس في هذا الجزء من النفس الذي سماه -أرسطو- عقلاً، تفاضلاً متفاوتاً، ومن تكاملت فيه هذه القضايا في جنس ما من الأمور صار ذا رأي في ذلك الجنس، ومعنى ذي الرأي هو الذي أشار بشيء قبل رأيه ذلك من غير أن يطالب بالبرهان عليه ولا يراجع، وتكون مشورته مقبولة وإن لم يقم على شيء منها برهاناً. ولذلك قلما يصير الإنسان بهذه الصفة إلا إذا شاخ لأجل حاجة هذا الجزء من النفس إلى طول التجارب الذي ليس يكون إلا بطول زمان، ولأن يتمكن فيه من تلك القضايا ([56]).
الخامس: العقل النظري:
وهو العقل الذي ورد ذكره في المقالة الثالثة من كتاب “النفس” لأرسطو، وعليه أسس المعلم الثاني نظريته في العقل ([57]).
وتقال لفظة عقل بالمعنى الخامس على مستويين هما:
- المستوى الأول: هو العقول المفارقة وتقع في ثلاث مراتب على التوالي، وهي:
- المرتبة الأولى: يشغلها العقل الأول (الله).
- المرتبة الثانية: وتحتلها العقول الثواني التسعة.
- المرتبة الثالثة هي العقل الفعال، ومرتبته من العقول المفارقة هي المرتبة العاشرة ([58]).
ويلاحظ الباحث على هذه المراتب أنها مرتبة من الأعلى إلى الأدنى.
المستوى الثاني: هو العقل النظري، ويميز فيه الفارابي بين ثلاثة أنواع من العقل الموجودة في النفس الإنسانية وتقع في ثلاث مراتب أيضاً، هي:
- المرتبة الأولى: العقل بالقوة.
- المرتبة الثانية: العقل بالفعل.
- المرتبة الثالثة: العقل المستفاد ([59]).
إذن فالعقل لدى المعلم الثاني يقال على أربعة أنحاء، هي عقل بالقوة، وعقل بالفعل، وعقل مستفاد، والعقل الفعال ([60]).
العقل بالقوة: ويعني به الفارابي الاستعداد الفطري لدى جميع البشر الذي به يستطيعون إدراك الأمور المعقولة وانتزاع صور المحسوسات مما هي فيه وتجريدها، ويطلق الفارابي على هذا النوع اسم “العقل الهيولاني”؛ لأنه لديه أشبه بالمادة الأولى “الهيولي” التي تقبل الصور المختلفة ([61]).
العقل بالفعل: وهو الذي تكتسب فيه المعقولات بالفعل (أو الصور) نوعاً جديداً من الوجود، لا تنطبق عليه المقولات العشر إلا جزئياً أو مجازياً.
وعلى هذا فإن المعقولات بالفعل التي هي نفسها العقل بالفعل يجوز اعتبارها مادة للعقل بالفعل، لا مجرد موضوع له، وإذا تصورنا كيف يكتسب العقل الفعال العلم بجميع الصور المعقولة بالفعل ثم يصبح هو إياها، نستطيع عندها أن ندرك كيف يكون موضوع إدراكه في هذه الحالة العقل نفسه، فسمى في هذه المرحلة بالعقل المستفاد ([62]).
العقل المستفاد: ويعني به الفارابي قدرة العقل بالفعل على إدراك ذاته، ويكون موضوع تعقله حينئذ هو ذاته، فيكون عقلاً وعاقلاً في آن واحد، وهو في رتبة أعلى من رتبة العقل بالفعل؛ لأنه بالنسبة له كالصورة بالنسبة للمادة؛ لأن موضوعه عقل صرف بخلاف العقل بالفعل فموضوعه إما منزع من مادة أو من أمور معنوية ([63]).
إن الفارابي هنا يقول بتدرج الوظائف العقلية في النفس الإنسانية، فالعقل بالقوة يكون مادة للعقل بالفعل، وأن هذا الأخير يكون مادة للعقل المستفاد وصورة للعقل بالقوة، في حين أن العقل المستفاد يكون صورة للعقل بالفعل ومادة للصور العقلية، وإنما كان هذا التدرج ضرورياً حتى يستطيع العقل النزول إلى مستوى الأشياء الخارجية، غير أن هذا النزول لا يتم حقيقة إلا إذا استعانت النفس ببعض قواها الأدنى مرتبة وهي الخيال والحس، ومعنى ذلك أن النفس تتبع في إدراكها للأشياء الحسية طريقاً تصاعدياً: إحساس فخيال فعقل بالقوة فعقل بالفعل فعقل مستفاد. ويبدو تأثر الفارابي بتيمستييس في هذه المسألة ([64]).
العقل الفعال: وهو صورة مفارقة لم تكن في مادة ولا تكون أصلاً ([65]).
ويرى الباحث أن العقول الثلاثة الأولى تمثل القوة الناطقة في العقل الإنساني، أما العقل الفعال فهو عقل كوني خارج النفس الإنسانية، كما يرى أن الفارابي لم يتأثر بالمعلم الأول في هذا التقسيم؛ لأن أرسطو لم يذهب إلى هذا التقسيم الرباعي للعقل، وإنما الذي ذكره هو الإسكندر الأفروديسي في رسالته ([66]) وقد تأثر به الفارابي.
السادس: العقل الأول:
يعد هذا العقل السادس في سلسلة العقول التي ذكرها الفارابي في رسالته في العقل، ويتلخص في أن الأجسام السماوية تنتهي في حركتها إلى “محرك أول” هو الذي يوجد السماء الأولى، ويوجد كذلك المحرك الثاني الذي يحرك بدوره كرة الكواكب الثابتة في فلكها، وهذان المحركان يستمدان وجودهما من المبدأ الأول لجميع الموجودات الذي “ليس يمكن أن يكون موجود أكمل منه” ([67]).
مدى تأثر الفارابي بأرسطو والإسكندر الأفروديسي ([68]) في فكرة العقول وتعددها:
إذا كان الفارابي قد رتب العقول من الأدنى إلى الأعلى بادئاً بالعقل بالقوة ثم العقل بالفعل ثم بالعقل المستفاد ثم العقل الفعال، وأول المبدعات عن الباري العقل الأول ….. وهذه العقول مختلفة الأنواع، كل نوع منها على حدة، والعقل الأخير منها سبب وجود الأنفس الأرضية، فهو هنا شديد التأثر بفلاسفة اليونان وخاصة أرسطو والإسكندر الأفروديسي حيث تتفق نظرته للعقل في كثير من جوانبها معهما، بل يعتبر الفارابي شارحاً لأرائهما، وإذا كان الفارابي قد تأثر بهما في نظرية العقول العشرة فلابد من إلقاء الضوء على أنواع العقول عندهما فيما يلي:
أولاً: أنواع العقول لدى أرسطو:
العقل الغريزي:
ويعني به: قوة النفس التي يحصل بها للإنسان اليقين بالمقدمات الكلية الصادقة الضرورية لا عن قياس أصلاً، ولا عن فكر، بل بالفطرة والطبع، أو من صباه، ومن حيث لا يشعر من أين حصلت وكيف حصلت، فإن هذه القوة جزء ما في النفس يحصل لها المعرفة الأولى لا بفكر ولا بتأمل أصلاً، واليقين بالمقدمات والتي هي مبادئ العلوم النظرية ([69]).
العقل الذي يذكره في المقالة السادسة من كتاب الأخلاق، فإنه يريد به جزء النفس، الذي يحصل اليقين بقضايا ومقدمات في الأمور الإرادية التي من شأنها أن تؤثر أو تجتنب ([70]).
العقل الذي ذكره أرسطو طاليس في كتاب النفس والذي جعله على أربعة أنحاء:
العقل بالقوة:
ويقصد به الاستعداد لانتزاع ماهيات الموجودات كلها وصورها دون موادها، فتجعله كلها صورة لها، ويسمى أيضاً بالعقل القابل أي المستعد لقبول صور الموجودات ([71]).
العقل بالفعل:
وهو حصول صور الموجودات، فإذا حصلت فيه المعقولات التي انتزعها من المواد صارت تلك المعقولات معقولات بالفعل، وقد كانت قبل أن تنتزع عن موادها معقولات بالقوة ([72]).
العقل المستفاد:
إن العقل بالفعل متى عقل المعقولات التي هي صور له من حيث هي مقولة بالفعل، صار العقل الذي كان يسمى بأنه العقل بالفعل هو العقل المستفاد، وهذا العقل بعد أن يخرج إلى الفعل يحفظ صورة الموضوع الذي تعقله، ويستطيع أن يستعيدها، فهو بالإضافة إلى هذه الاستعادة بقوة أقرب إلى الفعل من القوة الأولى السابقة على العلم، وحينئذ يسمى عقلاً بالملكة ([73]).
العقل الفعال:
وهو الذي جعل المعقولات التي كانت معقولات بالقوة معقولات بالفعل ([74]).
ثانياً: أنواع العقول لدى الإسكندر الأفروديسي:
العقل الهيولاني (أو المادي):
هو القابل للتعيينات ومستعد لانتزاع ماهيات الوجودات كلها وصورها دون موادها، وهو ليس بذي صورة، ولكنه يمكن أن يصير أي صورة، كما أنه ليس مخلداً، بل يندثر مع اندثار الإنسان، وسمي هذا العقل بالهيولاني لدى الإسكندر لأنه شبيه بالهيولي من حيث كونه موضوعاً غير متعين ([75]).
ويرى الباحث أن هذا العقل لدى الإسكندر يقابل العقل بالقوة عند أرسطو.
العقل بالملكة:
هو “العقل الهيولاني بعد أن صارت له ملكة واستعداد أن يعقل وأن يتقبل” ([76]).
فهذا العقل صار يعقل وله ملكة أن يعقل ويستطيع أن يأخذ صور المعقولات بقوته في نفسه، وهو غير موجود عند أرسطو ([77]).
العقل الفعال:
هو الذي يجعل العقل الهيولاني ينتقل من حالة الاستعداد إلى حالة الفعل، وهو الذي يجرد الموضوعات من غواشيها المادية لتصبح معقولات ([78])، وفي النهاية يتحد العقل الهيولاني مع العقل الفعال الذي ليس شيئاً آخر حسب الإسكندر سوى الله؛ لأن الله عقل محض مفارق للمادة عند أرسطو وكذلك هذا العقل، وهو التأويل الذي اختارته المدرسة الأوغسطينية عامة في العصور الوسطى ([79]).
وبشيء من الحذر فإن الباحث يرى أن الإسكندر قد غالى في مكانة العقل الفعال حتى انتهى إلى القول بأنه هو الله واصفاً إياه بجميع صفات الألوهية التي لا تطلق إلا على الله، ومن ثم يكون مجانباً للصواب فيما ذهب إليه.
وهكذا يتبين مدى تأثر الفارابي في نظريته بكل من المعلم الأول والإسكندر الأفروديسي فيما ذهب إليه.
المبحث الثاني : أسس النظرية لدى الفارابي
بداية نقول: إن من أهم مشكلات الفلسفة مشكلة الكثرة والوحدة، وأن هذه المشكلة عاناها الفكر الفلسفي اليوناني منذ نشأته، فقد عالج الفيثاغوريون هذه المشكلة بأسلوبهم الرياضي، ثم انتقلت هذه المشكلة بعد ذلك إلى أكاديمية أفلاطون، وأنها أحدثت أزمة في الفكر الأفلاطوني، فقد تساءل سقراط في محاورة (برميندس) كيف تظهر كثرة محسوسة عن وحدة؟ ثم لا يلبث أن يتجه إلى حل هذه المشكلة بعد أن يفترض وجود مثل رياضية تقول: إن ثمة مثل عليا هي الأعداد المثالية من واحد إلى عشرة، وهذه الأعداد مبدؤها الواحد أو الأول ثم يبدأ التكثر عن الإثنينية، ويستمر التكثر إلى ما لا نهاية، ثم انتقلت هذه المشكلة وهي محتفظة بطابعها الرياضي إلى مدرسة الإسكندرية الفلسفية مارة بالمدارس الهللينية، وقد تبلورت في تاسوعات أفلوطين (269م) في نظرية تقول بصدور الموجودات عن الواحد، هذه الموجودات العليا الصادرة عن الواحد هي هذه النظرية الكونية، وقد انتقلت فكرة هذه العقول الكونية التي أشارت إليها مدرسة أفلوطين بكاملها مع ما لحق بها من رواسب إلى الفكر الإسلامي وظهرت في فلسفة الفارابي.
فلسفته إذن هي المركز الذي صبت فيه تيارات الفلسفة العقلية عن الوحدة والكثرة، وقد صاغ الفارابي هذه النظرية في نظرية العقول العشرة ([80]).
أسس النظرية:
قامت نظرية العقول العشرة لدى الفارابي على مجموعة من الأسس نوجزها فيما يلي:
أولاً: ثنائية الواجب والممكن:
انطلق الفارابي في استدلاله على وجود الله عز وجل من مفهومين بسيطين يرتسمان في الذهن هما.
واجب الوجود.
ممكن الوجود.
فمفهوم الوجود والإمكان لديه من الأفكار الفطرية الواضحة في الذهن والتي يمكن للعقل أن يدركها دونما وساطة أو اكتساب، وذلك لأننا “نعرف في الأول أنه واجب الوجود بذاته معرفة أولية من غير اكتساب، فإنا نقسم الوجود إلى الواجب والممكن، ثم نعرف أن واجب الوجود لذاته يجب أن يكون واحداً” ([81]).
فمعاني “الوجود والواجب والإمكان من المعاني التي تتصور لا يتوسط تصور آخر قبلها، بل هي معان واضحة في الذهن، وإن عرفت بقول فإنما يكون على سبيل التنبيه عليها لا على سبيل أنها تعرف بمعان أظهر منها” ([82]).
ومن ثم فقد ذهب الفارابي إلى القول بثنائية الوجود من حيث تقسيمه إلى واجب وممكن.
فالأول: إذا اعتبرنا ذاته وجب كونه موجوداً، ولا يجوز أن يعدم، أو يتصور عدمه، وهذا ما يسمى بواجب الوجود، ولذا يقول الفارابي:
“الموجودات على ضربين … الثاني: إذا اعتبر ذاته وجب وجوده، ويسمى واجب الوجود” ([83]).
ويضيف قائلاً: “هو السبب الأول لوجود سائر الأشياء كلها، وهو بريء من جميع أنحاء النقص، وكل ما سواه فليس يخلو أن يكون فيه شيء من أنحاء النقص، أما الأول … فوجوده أفضل وجود، وأقدم الوجود، ولا يمكن أن يكون أفضل ولا أقدم من وجوده وهو فضيلة الوجود في أعلى أنحائه ومن كمال الوجود في أرفع المراتب … لا يمكن أن يكون له سبب” ([84]).
ومن تمام الوجود الواجب في نظر الفارابي أنه “ليس بمادة”، ولذا يقول:
“ليس هو بمادة ولا قوامه في مادة، ولا في موضوع أصلاً، بل وجوده خلو من كل مادة ومن كل موضوع، ولا أيضاً له صورة؛ لأن الصورة لا يمكن أن تكون إلا في مادة، ولو كانت له صورة لكانت ذاته مؤتلفة من مادة وصورة، ولو كان كذلك لكان قوامه بجزنيه اللذين منهما ائتلفت، ولكان لوجوده سبب، فإن كل واحد من أجزائه سبب لوجود جهته، وقد وصفنا أنه سبب أول” ([85]).
ويرى الباحث أن الفارابي قد قرر أن واجب الوجود ليس في موضوع حفاظاً منه على معنى التنزيه الذي تصوره وآمن به، لكن في قوله نظر؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون واجب الوجود فكرة ذهنية فقط وليس له تحقق في الخارج، وهذا ما جعل ابن تيمية يقرر خطأ فلاسفة الإسلام في هذا المقام -والفارابي على رأسهم- لأن المبالغة في التنزيه عندهم قد أوقعتهم في هذا الخطأ من حيث لا يشعرون، وفي نظره أن هؤلاء لو تصوروا المفارقة الحقيقية بين المولى سبحانه وتعالى وبين مخلوقاته لما عنوا أنفسهم بهذا الجهد العقلي المسرف الذي يصطدم مع حقائق العقل الصريح والنص الديني الصحيح ([86]).
والثاني: إذا نظرنا إليه باعتبار ذاته فقط من غير اعتبار آخر بأن لنا أنه لا يجب وجوده بل يجوز أن يكون معدوماً، وهذا ما يسمى بممكن الوجود، ويجوز لممكن الوجود بالنظر إلى ذاته أن يصير واجب الوجود بغيره، أما واجب الوجود فلا يكون كذلك، ولذا يقول الفارابي:
“الموجودات على ضربين: أحدهما: إذا اعتبر ذاته لم يجب وجوده ويسمى ممكن الوجود” ([87]).
ويضيف قائلاً: “ممكن الوجود إذا فرضناه غير موجود لم يلزم منه محال، فلا غنى لوجوده عن علة، وإذا وجب صار واجب الوجود بغيره، فيلزم من هذا أنه كان فيما لم يزل ممكن الوجود بذاته واجب الوجود بغيره، وهذا الإمكان إما أن يكون شيئاً فيما لم يزل، وإما أن يكون في وقت دون وقت، والأشياء الممكنة لا يجوز أن تمر بلا نهاية في كونها علة ومعلولاً، ولا يجوز كونها على سبيل الدور بل لابد من انتهائها إلى شيء واجب هو الموجود الأول … لا علة لوجوده، ولا يجوز كون وجوده بغيره، وهو السبب الأول لوجود الأشياء” ([88]).
فالنص سالف الذكر يكشف عن طبيعة كل من الواجب والممكن، وفي الوقت نفسه عن طريق الاستدلال عليهما، كما يكشف من جانب آخر عن مدى تأثر الفارابي في هذا المقام بفلسفة أرسطو في مسألة الوجود كما سيأتي.
وتجدر الإشارة إلى أن الفارابي قد استخدم في النص السابق مبدأ العلية لإثبات تناهي الموجودات إلى الواحد الواجب الوجود، حيث ذكر أن الممكنات لا يمكن أن تستمر في الوجود إلى ما لا نهاية ([89])، بل لابد لها من سبب أول تنتهي إليه؛ لأنها حتى وإن كانت غير متناهية فهي تبقى ممكنة الوجود بذاتها فلا تستطيع أن تعطي ذاتها الوجود، بل تحتاج إلى فاعل آخر خارج عنها يمنحها الوجود، وهذا الفاعل هو الباري جل في علاه.
وهنا نتساءل: لماذا فرق الفارابي بين الواجب والممكن؟.
والجواب يتمثل في أن الفارابي إذا كان ينظر إلى الممكن على أنه لا يستقل في أمر وجوده بنفسه بل يحتاج إلى غيره ليصير به موجوداً، أو كما يقول: ليدخل (أي هذا الغير) الهوية على الماهية، والعالم عنده ممكن، فالفارابي إذا كان ينظر إلى الممكن هكذا فإن هذا العالم لا يستقل بأمر نفسه في الوجود، ومن ثم فهو يحتاج إلى الموجد.
الأسباب التي دعت الفارابي إلى القول بواجب الوجود:
إن الأسباب التي دفعت الفارابي إلى القول بواجب الوجود هي أسباب تختلف اختلافاً بيناً في روحها وتفاصيلها عن الأسباب الدينية التي جاءت في الكتب السماوية مبينة أن لهذا الكون خالقاً، كما تختلف أيضاً عن الأسباب التي قال بها علماء الكلام، وفيما يلي بيان هذه الأسباب بإيجاز وشمول:
واجب الوجود لا ماهية له:
يرى الفارابي أن واجب الوجود لا ماهية له مثل ماهية الجسم، ومن ثم فلا يمكن البرهنة على وجوده بخلاف وجود الأشياء، فهو “لا برهان عليه بل هو برهان على جميع الأشياء” ([90])، ومعنى ذلك: أن إثبات واجب الوجود والقول بوجوده لن يبدأ عند الفارابي من المخلوقات كما هو شائع عند المتكلمين ([91]) والفلاسفة الطبيعيين ([92]) -كأستاذه أرسطو- لأن وجود العالم لاحق على وجود الباري جل في علاه.
أضف إلى ذلك أن أدلة المتكلمين والفلاسفة الطبيعيين تستدل بالمعلول على العلة على حين “أن أولى البراهين بإعطاء اليقين هو الاستدلال بالعلة على المعلول؛ لأنه أوثق وأشرف؛ ولأن عكس ذلك -أي الاستدلال بالمعلول على العلة- ربما لا يعطى باليقين، خاصة إذا كان للمطلوب علة لم يعرف إلا بها” ([93]).
ومن ثم يكون الفارابي قد ثار على البراهين التقليدية لأنها تبدأ من العالم وتنتهي إلى إثبات وجود الله عز وجل، وهذا خطأ من وجهة نظره؛ لأن وجود الباري سابق على وجود العالم.
الصورة التي بها خلق العالم:
السبب الثاني الذي دعا الفارابي إلى الحديث عن واجب الوجود فهو يتعلق بالصورة التي بها خلق العالم عنده، فهو يرى أن واجب الوجود “خير محض وعقل محض ومعقول محض وعاقل محض، وهذه الأشياء الثلاثة كلها فيه واحد، وهو حكيم وحيّ وعالم وقادر ومريد وله غاية الجمال والكمال والبهاء، وله أعظم السرور بذاته، وهو العاشق الأول والمعشوق الأول” ([94]).
فهذه الصفات التي وصف بها الفارابي واجب الوجود تؤكد أن علاقة واجب الوجود بالموجودات ليست علاقة إيجاد بل هي علاقة علم من ناحية وعلاقة خير من ناحية أخرى، وكل هذا من أجل أن ينفي عن الباري صفة الإرادة التي قال الأشاعرة إنها قديمة، فأدى قولهم هذا إلى الوقوع في إشكالات كثيرة منها: كيفية خلق الأشياء الحادثة بإرادة قديمة، ومنها: ما الذي يوجب أن تكون هذه الإرادة القديمة سبباً في وجود فعل من الأفعال في وقت دون وقت آخر؟ إلى غير ذلك من الإشكالات التي أثارها في وجههم ابن رشد ([95]).
ومن ثم يتبين أن وجود الأشياء وصدورها عن الباري في نظر الفارابي لا عن جهة قصد منه يشبه قصودنا، ولا يكون له قصد الأشياء عنه على سبيل الطبع من دون أن يكون له معرفة ورضا بصدورها وحصولها، وإنما ظهرت الأشياء عنه لكونه عالماً بذاته وبأنه مبدأ النظام الخير في الوجود على ما يجب أن يكون عليه ([96]).
الفارابي بين التأثر بمن سبقه والتأثير فيمن لحقه في فكرة واجب الوجود:
تأثر الفارابي بأرسطو حين تحدث عن واجب الوجود؛ وذلك لأن كلمة (واجب الوجود) كلمة أرسطوطاليسية، فمع أن الفارابي قد أطلق على الله تعالى تلك الكلمة، إلا أنه أسبغ عليها معنى جديداً لا عهد لأرسطو به يدين به الفارابي لإله القرآن، إذ أن واجب الوجود عند الفارابي في صلته بالمقابل له وهو الممكن أصبح موجداً له في الخارج وموجباً ومحققاً له، وأصبح وجوب الممكن ووجوده من غير ذاته بعد أن كان من ذاته عند أرسطو، وأصبحت الهوية طارئة على الماهية بفعل فاعل بعد أن لم تكن بفعل أحد، هذا من ناحية أخرى فإن الفارابي كان متأثراً بكل من أرسطو وأفلوطين في صفات الباري عز وجل، فقد تأثر بأرسطو في فكرة القوة والفعل والممكن والضروري وحولها إلى نظرية الإمكان والوجوب وجعلها في أساس تقسيم الكائنات، ,استند إلى قول أرسطو بأن المحرك الأول عقل محض منزه عن المادة والقسمة، وبأنه فعل محض بريء من كل صفة إمكان وقوة وبأنه مكتف بذاته يفكر بها، لا غاية له خارجة عنه؛ لأنه هو الغاية القصوى التي ليس بعدها غاية ([97]).
كما تأثر بأفلوطين في وصف الباري تعالى بأنه خير محض ([98])، وهي نفس الصفة التي وصفه بها الفارابي فيما بعد.
كما تأثر بالحرانيين ومما يدل على ذلك أنه في وصفه للباري جل في علاه وصفه بالسلوب لا بالثبوتيات وهذا مسلك سلكه الحرانيون وسار عليه الفارابي، فقد ذكر د/ النشار عن البيروني قوله “إنهم -أي الحرانيين- أناس يوحدون الله وينزهونه عن القبائح ويصفونه بالسلب لا بالإيجاب فيقولون لا يحد ولا يرى ولا يظلم ولا يجور، ويسمونه بالأسماء الحسنى مجازاً؛ إذ ليس له عندهم صفة بالحقيقة، وينسبون التدبير إلى الفلك بأجرامه ويقولون بحياتها ونطقها وسمعها وبصرها” ([99]).
هذا وقد كان لابن تيمية قصب السبق في اكتشاف صلة الفارابي بحران: حيث يذكر أنه لما قدم الفارابي حران في أثناء المانة الرابعة دخل عليهم وتعلم منهم وأخذ عنهم ما أخذ من المتفلسفة، وكان ثابت بن قرة (ت288هـ) قد شرح كلام أرسطو في الإلهيات، وقد رأيته وبينت بعض ما فيه من الفساد فإن فيه ضلالاً كثيراً ([100]).
ويبين د/ الجابري مدى تأثر الفارابي بالفكر الحراني فيرى أن الفارابي قد تأثر بالفلسفة الدينية الحرانية في أهم عنصر تقوم عليه منظومتها الفلسفية المشتركة، ويقصد بذلك نظرية الفيض وعقولها العشرة، بل إنه يذهب إلى القول بأن هذه الفلسفة الدينية الحرانية قد لعبت في الفكر الفلسفي الإسلامي الدور نفسه -تقريباً- الذي لعبته الإسرائيليات في التفسير والحديث، وينتهي إلى التأكيد على الاتجاه الذي يجمع الفارابي وابن سينا وإخوان الصفا والإسماعيلية، ويقصد به دمج الدين في الفلسفة والفلسفة في الدين على أساس التوظيف الحراني لفكرة الفيض ([101]).
أما هو فقد أثر في كل من ابن سينا وتوما الأكويني في القول بثنائية الوجود من حيث تقسيمه إلى واجب وممكن، فقد اتفق معهما في أن الله واجب بذاته، والعالم ممكن بذاته واجب بالباري تعالى، ولذا يقول ابن سينا:
“إن الواجب الوجود هو الموجود الذي متى فرض غير موجود عرض منه محال، وإن الممكن الوجود هو الذي متى فرض غير موجود أو موجوداً لم يعرض منه محال، والواجب الوجود هو الضروري الوجود، والممكن الوجود هو الذي لا ضرورة فيه بوجه، أي لا في وجوده ولا في عدمه” ([102]).
ويضيف قائلاً: “ما حقه في نفسه الإمكان فليس يصير موجوداً من ذاته، فإنه ليس وجوده من ذاته أولى من عدمه من حيث هو ممكن، فإن صار أحدهما أولى فلحضور شيء أو غيبته، فوجود كل ممكن هو من غيره” ([103]).
ويقول توما الأكويني: إن وجود الباري يمكن إثباته “من جهة الممكن والواجب، وذلك أننا نجد في الأشياء ما يمكن وجوده وعدمه، إذ منها ما يرى معروضاً للكون والفساد وهذا ممكن وجوده وعدمه، وكل ما كان كذلك فيمتنع وجوده دائماً؛ لأن ما يمكن أن لا يوجد فهو معدوم في حين ما، فإذن لو كان عدم الوجود ممكناً في جميع الأشياء للزم أنه لم يكن حينما شيء، ولو صح ذلك لم يكن الآن شيء؛ لأن ما ليس موجوداً لا يبتدئ أن يوجد إلا بشيء موجود، فإذن لو لم يكن شيء موجوداً لاستحال أن يبتدئ شيء أن يوجد ، فلم يكن الأن شيء ، وهذا بين البطلان .. فإن لابد من إثبات شيء واجب لذاته ليس واجباً بعلة أخرى، بل غيره واجب به، وهذا ما يسميه الجميع الله” ([104]).
لقد أراد الفارابي أن يوفق بين الدين والفلسفة فاختار من صفات إله أرسطو أنه عقل محض يعقل نفسه ويكتفي بها فلا يدرك الكائنات الدنيا، ومن صفات أفلاطون أنه الكمال المطلق والخير المحض، ومن صفات إله أفلوطين أن العالم صدر عنه بتوسط العقول، ومن صفات إله الوحي أنه واحد لا شريك له، كل هذا من أجل أن يرضى الدين ولا يغضب الفلسفة، وإذا كان الفارابي قد تأثر بفلاسفة اليونان في هذه المسألة فإن آراءه كانت أساساً في فلسفة ابن سينا وابن رشد ([105]) فيما بعد.
ثانياً: قدم العالم الزماني وحدوثه الذاتي:
يرى الفارابي أن وجود العالم الممكن ليس متأخراً بزمان عن وجود موجده وموجبه، فالمعلول إنما يوجد بوجود علته ولا يتأخر عنها إلا لنقص فيها أو عجز يمنعها من تحقيق آثارها، فالتلازم في الزمان ضروري إذن بين العلة والمعلول. وما تقدم العلة على المعلول إلا من حيث الشرف والرتبة لا من حيث الزمان، أي هو مجرد تقدم منطقي لا زماني، كتقدم حركة اليد على حركة الخاتم الذي يتحرك بحركتها، فهما إن كانا يتحركان معاً إلا أن حركة اليد ذاتية وحركة الخاتم غير ذاتية، أو قل هي تابعة أو لازمة عن حركة اليد، إذ لولا حركة اليد لما كان لها أن توجد ([106]).
وهكذا العلاقة بين الله والعالم: فهما قديمان بالزمان، وأما العلة فإنه قديم بالزمان فقط، فالمعلول دائماً أقل شأناً من علته، ولذا يقول الفارابي: “الماهية المعلولة لها من ذاتها أنها ليست، ولها من غيرها أنها توجد -أي ممكنة بذاتها واجبة بغيرها- والأمر الذي عن الذات قبل الأمر الذي ليس عن الذات، فللماهية المعلولة أن لا توجد بالقياس إليها قبل أن توجد فهي محدثة لا بزمان تقدم” ([107]).
ويضيف قائلاً: “إن العالم محدث لا على أنه كان قبل العالم زمان لم يخلق الله فيه العالم، ثم بعد انقضاء ذلك الزمان خلق العالم، بل على أن العالم وجوده بعد وجوده -أي بعد وجود الباري- بالذات” ([108]).
ومن ثم يتبين أن العالم قديم بالزمان لقدم علته لا يتأخر عنها، حادث في الوقوع بمعنى أن وقوعه من غيره وليس من ذاته؛ لأنه مفتقر إلى علته؛ ولأن طبيعته الإمكان؛ ولأن تحققه ووقوعه عن أمر خارج عن طبيعته، أي عن ذلك الواجب الذي لم يسبق بإمكان، فالعالم لدى الفارابي حادث ولكنه حدوث من نوع خاص لا يدخل فيه عنصر الزمان، وإنما هو عبارة عن إبداع حدث دفعة واحدة بلا زمان، وعن حركة هذا العالم حدث الزمان.
وقول الفارابي بقدم العالم له علاقة وثيقة بقوله: إنه فاض عن الباري تعالى؛ لأن الله تعالى دائماً جواد فياض، ولو فرض زمان لم يوجد فيه الكون لكانت قدرة الباري تعالى محددة -كما يزعم- فالعالم محدث بالذات قديم بالزمان لديه.
وجهة نظر:
إن القول بالحدوث لا يتفق مع فكرة الخلق الزماني التي جاء بها القرآن الكريم، الخلق في ستة أيام، حيث يكون الزمان سابقاً على الخلق، وهذا قريب من فكرة الفيض وصدور الكون عن الله دفعة واحدة لا في زمان، فكما أن الحرارة من لوازم الشمس ومعلولة لها، كذلك العالم من لوازم الله ومعلول له، لذا فالعالم قديم بالزمان حادث بالذات لدى الفارابي.
ومن ثم يتبين مدى مخالفة الفارابي لأرسطو في هذه المسألة، فالعالم ليس قديماً بإطلاق (أي بالذات والزمان) كما تقول الفلسفة الأرسطية، وليس حادثاً بإطلاق (أي بالذات والزمان) كما يقول الدين، وإنما هو حادث بالذات فقط دون الزمان -على معنى أنه معلول وأثر لعلته- وقديم في الزمان فقط دون الذات؛ لأن تصور وجوده مرتبط بتصور الواجب.
وهذه المحاولة فيها إرضاء للفلسفة على حساب الدين؛ لأنها اعتراف صريح بقدم العالم من حيث الزمان -بمعنى عدم أسبقية الوجود بالعدم- وهذا ما يصطدم مع النصوص الصريحة في ذلك، وتأويلها بما يتفق مع فكرة القدم الزماني تحميل لها فوق ما تحتمله.
إن الارتباط الضروري بين العلة والمعلول -التي بنى عليها القول بالقدم- فكرة منطقية ذهنية، أما إذا خرجت إلى الوجود والتحقق فإن العقل يجوز وجود العلة بدون المعلول، لا سيما إذا كانت العلة ذات إرادة في أن تفعل وألا تفعل.
ويبدو أن الفارابي ما كان يغيب عن ذهنه هذا الفرق لولا سيطرة فكرة التوفيق على ذهنه، وذلك بصرف النظر عن النتائج التي تترتب عليه ([109]).
ويظهر أن للتعريف الفلسفي للزمان دخلا في هذه المسألة (مسألة القول بقدم العالم قدماً زمانياً) ذلك لأن الفلاسفة -وبخاصة أرسطو- يرون أن الزمان هو مقدار حركة الفلك ويترتب على هذا أننا لو تصورنا جدلاً أن العالم قد وجد في مدة سبقت بالعدم، فما هو الوعاء الآني الذي يمكن به أن نفسر هذه المدة؟
إن ما ينبغي أن يكون واضحاً عند التعرض لمثل هذه المسائل هو ألا تطبق مقولات الفلسفة على نصوص الدين؛ لأن لكل منهما منهجاً في الوصول إلى القضايا التي يريد إثباتها، ولا يكون للموفقين الحق في اعتبار آرائهما هي النهائية في المسائل موضوع البحث ([110]).
ثالثاً: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد:
ذهب الفارابي إلى أن الله واحد من كل وجه، ولا يقبل الكثرة بحال، ولو صدرت عنه الكثرة بفعل مباشر لكانت مؤدية إلى كثرة من جهة الفاعل، وهذا محال على الباري جل في علاه، ولذا يقول: “اللازم عن الأول يجب أن يكون أحدى الذات؛ لأن الأول أحدى الذات من كل جهة، ويجب أن يكون هذا الأحدى بالذات أمراً مفارقاً” ([111]).
إذن فالواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ إذ لو صدرت الكثرة عنه تعالى لكان مصدر كل واحد من هذه الكثرة غير مصدر الآخر، فيؤدي هذا إلى التركيب في الذات الإلهية، وهذا لا يجوز في حقه تعالى؛ لأنه تعالى منزه عن التركيب والكثرة والانقسام والاحتياج إلى الغير والمماثلة … إلخ.
لقد قال الفارابي بنظرية العقول العشرة؛ حتى لا يصدر عن الواحد إلا واحد، وهو العقل الأول، ومن هذا العقل تبدأ الكثرة حينما يعقل (موجده) وهو (الأول) فيصدر عنه عقل آخر، ويدرك ذاته فيصدر عنه وجود السماء الأولى، وهكذا حتى العقل العاشر وفلك القمر، أي أن الكثرة تبدأ من العقل الأول، حيث يتم الخلق على مراحل وبشكل تدريجي ([112]).
مدى تأثر الفارابي بفلاسفة اليونان في فكرة عدم صدور الكثرة عن الواحد:
تأثر الفارابي بأفلوطين في قوله بأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، فقد ذكر أفلوطين أن “كل ما كان بعد الأول -يقصد المولى تعالى- فهو من الأول اضطراراً، إلا أنه: إما أن يكون منه سواء بلا توسط، وإما أن يكون منه بتوسط أشياء أخرى هي بينه وبين الأول فيكون إذن للأشياء نظام وشرح وذلك أن منها ما هو ثان بعد الأول، ومنها ثالث، أما الثاني فيضاف إلى الأول، وأما الثالث فيضاف إلى الثاني” ([113]).
أما هو فقد تأثر به ابن سينا حيث ذهب أيضاً إلى القول بأن الواحد من حيث هو واحد إنما يوجد عنه واحد ([114])، ويدلل على ذلك بأن “مفهوم أي علة ما يجب عنها “أ” غير مفهوم أن علة ما بحيث يجب عنها “ب”، وإذا كان الواحد يجب عنه شيئان فمن حيثيتين مختلفتين في المفهوم والحقيقة… فكل ما يلزم عنه اثنان معاً ليس بتوسط الآخر فهو منقسم الحقيقة” ([115]).
رابعاً: التوحيد بين إرادة الله وبين قدرته وعلمه وإيجاده العالم:
ذهب الفارابي إلى التوحيد بين إرادة الله من جانب وقدرته وعلمه وإيجاده الأشياء من جانب آخر، فعلمه تعالى وحده كاف لإيجاد الأشياء دون حاجة إلى إرادة أو قدرة.
لذا فعملية الفيض لديه لا يرافقها أي فعل من أفعال الإرادة أو القصد، ومن ثم فلا فرق بين إرادة الله وعلمه وقدرته وإيجاده العالم، وهذا لا يعني أن العقول العشرة تفيض اضطراراً أو بالطبع، وإنما تفيض بعلمه تعالى ورضائه، فعلمه هو علة الموجودات وليست الإرادة، يقول الفارابي:
“ومتى وجد للأول الوجود الذي هو له لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر الموجودات التي وجودها لا بإرادة الإنسان واختياره على ما هي عليه من الوجود الذي بعضه مشاهد بالحس وبعضه معلوم بالبرهان” ([116]).
ويضيف قائلاً: “وإنما ظهرت الأشياء عنه لكونه عالماً بذاته وبأنه مبدأ لنظام الخير في الوجود على ما يجب أن يكون عليه، فإذن علمه علة لوجود الشيء الذي يعلمه” ([117])، فالعالم موجود متى علمه الباري تعالى، وعلم الباري أزلي، ويترتب على ذلك أن العالم أزلي لدى المعلم الثاني.
وفيما ذهب إليه الفارابي من نفي الإرادة نظر؛ لأن نفيه للإرادة جعله ينفي القول بالطبع في نظرية العقول العشرة، نفي الإرادة يساوي القول بنفي الطبع.
مدى تأثر الفارابي بفلاسفة اليونان في نفي الصفات خاصة الإرادة عن الذات الإلهية:
تأثر الفارابي بالفكر الأفلوطيني في نفيه إرادة الباري تعالى، فقد ذهب أفلوطين إلى نفي الصفات التي تضاف إلى الباري تعالى دائماً مثل الحياة والعلم والقدرة والإرادة، كل هذه الصفات يجب ألا تضاف إلى الله عند أفلوطين، فلا يمكن أن يتصف الباري بالإرادة؛ لأنه إذا كان مريداً فمعنى ذلك: أنه محتاج إلى غيره، والاحتياج يتنافى مع الوحدة والبساطة في الأول، بل لن يكون حينئذ أول؛ لأن ما سيحتاج إليه سيكون هو الأول في الواقع، هذا إلى أنه لن يكون واحداً لأنه سيتغير، وكما يقول أفلوطين هنا إن الشيء إذا كان واحداً على هذا النوع، أي على أساس أنه يتغير من حال إلى حال، كان الواحد فيه كذباً وليس واحداً حقاً ([118]).
أما الفارابي فقد اثر في ابن سينا، فقد سلك الأخير نفس مسلك أستاذه في توحيده بين إرادة الله وعلمه وقدرته وإيجاده الأشياء، ولذا يقول:
“علمه لا يخالف قدرته وإرادته وحياته في المفهوم، بل ذلك كله واحد، وليس مراد الأول على نحو مرادنا حتى يكون له فيما يكون عنده غرض، فواجب الوجود ليست إرادته مغايرة الذات لعلمه ولا مغايرة المفهوم لعلمه، قد بينا أن العلم الذي له هو بعينه الإرادة التي له، وكذلك قد تبين أن القدرة التي له هي كون ذاته عاقلة للكل عقلاً هو مبدأ للكل لا مأخوذاً عن الكل ومبدأ بذاته لا متوقف على وجود شيء” ([119]).
كما أضاف إلى نفي الإرادة نفي الطبع، ولذا يقول: “وليس كون الكل عنه على سبيل الطبع بأن يكون وجوب الكل عنه لا بمعرفة ولا رضا منه، وكيف يصح هذا، هو عقل محض يعقل ذاته، فيجب أن يعقل أنه يلزم وجود الكل عنه …” ([120]).
كيفية صدور الموجودات لدى الفارابي:
لقد ظهرت نظرية العقول العشرة -كما مر- بالصورة التي وردت بها عن أفلوطين (ت269م) ومن بعده -كإخوان الصفا والإسماعيلية ومسكويه في القرن الثالث وفي مدرسة الإسكندرية حيث مراتب الفيض أربع هي: الله، العقل الأول، النفس الكلية، فالنفوس البشرية وسائر ما هو ذو صورة وهيولي من إنسان وحيوان ونبات وجماد ([121]).
أما المرتبة أو الصورة الثانية: فهي التي ينسبها الفارابي إلى زينون الكبير، وسادت كتب الفارابي وابن سينا، وكتب لها الاستمرار والتكرار بعدهما وعند المتأخرين، حيث استفادت من مقولات علم الفلك آنذاك خصوصاً نظرية بطليموس المعروفة، ولذا يقول د/ جميل صليبا: “انظروا مثلاً إلى كتاب المجسطي لبطليموس وقايسوا بينه وبين ما قاله الفارابي وابن سينا، تجدوا إلهيات هذين الفيلسوفين مطابقة لحالة علم الفلك في ذلك العصر، والمذاهب الفلسفية إنما تبنى على العلم وتتبدل بتبدله”، فأصبحت العقول الفلكية المفارقة عشرة، والنفوس الفلكية تسعاً، بالإضافة إلى الاستفادة من مقولة تقسيم الموجودات الثلاثي إلى واجب وممكن لجعل الصدور عن كل عقل فلكي بعد الله صدوراً ثنائياً أو ثلاثياً ([122]).
يرى الفارابي إذن أن الأول (الله) يعقل ذاته ويعرفها، ومن هذه المعرفة خرج العالم “ووجود الأشياء عنه ليس عن قصد يشبه قصودنا، ولا على سبيل الطبع بدون أن يكون له معرفة ورضى بصدورها عنه وحصولها كما ظن أفلوطين، وإنما ظهرت الأشياء عنه لكونه عالماً بذاته وبأنه مبدأ لنظام الخير في الوجود على ما يجب أن يكون عليه، فإذن علمه علة لوجود الشيء الذي يعلمه” ([123]).
فالعلم هو القوة التي تخلق كل شيء، ويكفي أن يكون الشيء معلوماً من الله لكي يحصل له الوجود، ذلك أن التعقل أو المعرفة لا معنى لها بالبنسبة إليه وإلى سائر الكائنات العقلية الشريفة إلا التأثير والخلق، فعلمه القديم هو في نفس الوقت نشاط خلاق، وهكذا فالشيء يوجد بحكم أنه موضوع للتفكير الإلهي، وينتج عن ذلك أن الفيض هو في آن واحد عمل عقلي مجرد وضرب من النشاط الخلاق ([124]).
وتجدر الإشارة إلى أن علم الأول بالأشياء علم أزلي خالد، فهو ليس بعلم زماني يتغير بتغير المعلوم، وهو علة لوجود الأشياء، بمعنى أنه يعطيها الوجود الأبدي ويدفع عنها العدم مطلقاً، لا بمعنى أنه يعطيها وجوداً مجرداً بعد كونها معدومة، وهو خلاف علمنا، فإذا كان علم الله علة لوجود الأشياء، بمعنى أنه بمجرد علمه بها توجد، فإن علمنا معلول لوجود الأشياء، أي أنها توجد أولاً ثم نعلمها ثانياً، فوجودها علة لعلمنا كما أن علمنا معلول لوجودها. وهذا معنى يفسر به الفارابي علم الله بالأشياء، الأمر الذي ينكره أرسطو.
والأول هو علة المبدع الأول، والإبداع هو حفظ إدامة وجود الشيء الذي ليس وجوده لذاته إدامة لا تتصل بشيء من العلل غير ذات المبدع، وأن نسبة جميع الأشياء إليه -من حيث إنه مبدعها- نسبة واحدة، وهو الذي ليس لأفعاله لمية، ولا يفعله لشيء آخر ([125]).
ومن الأول (الله) يفيض وجود ثان (عقل أول) وهو جوهر غير متجسم أصلاً ولا هو في مادة، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فيما يعقل من الأول يلزم عنه وجود ثالث (عقل ثان)، وبما يعقل من ذاته يلزم عنه وجود السماء الأولى (أو الفلك المحيط أو الفلك الأعلى).
وهذا الوجود الثالث هو أيضاً لا في مادة، وهو بجوهرة عقل (العقل الثاني) وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود رابع (عقل ثالث)، وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة الكواكب الثابتة أو فلك الثوابت.
وهذا الوجود الرابع (العقل الثالث) هو أيضاً لا في مادة، وهو بجوهره عقل، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود خامس (عقل رابع)، وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة أو فلك زحل.
وهذا الوجود الخامس هو أيضاً لا في مادة، وهو بجوهره عقل (العقل الرابع) وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود سادس (عقل خامس)، وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة أو فلك المشترى.
وهذا الوجود السادس هو أيضاً لا في مادة، وهو بجوهره عقل (العقل الخامس) وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فبما يعقل من الأول يلزم عنه وجود سابع (عقل سادس)، وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة المريخ.
وهذا الوجود السابع هو أيضا لا في مادة، وهو بجوهره عقل (العقل السادس).
وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فبما يعقل من الأول يلزم عنه وجود ثامن (عقل سابع)، وبما يعقل من ذاته يلزم عنه وجود كرة الشمس.
وهذا الوجود الثامن هو أيضاً لا في مادة، وهو بجوهره عقل (العقل السابع).
وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود تاسع (عقل ثامن)، وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة الزهرة.
وهذا الوجود التاسع هو أيضاً لا في مادة، وهو بجوهره عقل (العقل الثامن) وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود عاشر (عقل تاسع)، وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة عطارد.
وهذا الوجود العاشر (العقل تاسع) هو أيضاً لا في مادة، وهو يعقل ذاته، ويعقل الأول، فبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود حادي عشر (عقل عاشر)، وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود القمر.
وهذا الوجود الحادي عشر هو آخر العقول الثواني وعاشرها، وهو العقل الفعال، أو عقل فلك القمر، إنه يدبر عالم ما دون فلك القمر، عالمنا الأسفل، عالم الكون والفساد، وهو أيضاً وجوده لا في مادة، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، ولكن عنده ينتهي وجود الأجساد السماوية ([126]).
مدى تأثر الفارابي في عدد العقول بفلاسفة اليونان:
بدايةً نتساءل: لماذا أوصل الفارابي الصادرات عن الأول إلى عشرة عقول بتوابعها المعروفة ولم يجعلها تتجاوز هذا العدد أو تقل عنه؟
والجواب يتمثل في أن اختيار الفارابي للعشرة له أصول فيثاغورية قديمة ترتبط بصفة الكمال لهذا العدد واعتباره وحدة متتابعة في النظام الرياضي تتفق مع الصورة الهندسية الجميلة التي أبدعها الفارابي لعالم الفيض وسلطان الله في ملكوته الأعلى، وكل اتساق هندسي فهو دليل على وحدة الموضوع، وغاية لتحقيق العدل السماوي المرغوب فيه ([127]).
والفارابي حريص كل الحرص على هذا التنسيق والتنظيم سواء في العالم العلوي أو في العالم السفلي، حيث قرر بالنسبة لعالم الحس ترابط أعضاء الجسد بين رئيس ومرؤوس حتى تنتهي إلى الرئيس الحقيقي وهو القلب، ومن ثمة عكس هذا التخطيط أيضاً على القوى النفسية التي تنتهي إلى القوة الناطقة الرئيسة، ولم يكتف بذلك فرسم لمدينته الفاضلة صورة تشبه هذه الرؤية وضع في أعلاها الرئيس الفاضل أو الإمام العادل، ولا نعدم أصول هذا الفكر الرياضي الذي تأثر به الفارابي منقولاً عن أفلاطون في جمهوريته ونواميسه ([128]).
وهكذا يتبين أن العقول قد وقفت عند هذا العدد لدى الفارابي؛ “لأن أفلاك الكواكب المتحركة عند أرسطو سبعة، فإذا أضفنا إليها فلك الكواكب الثابتة والفلك الخالي الذي هو فوقه والذي تأثر الفارابي في القول به ببطليموس تبين لنا أنها يجب أن تكون عشرة لتحقق إدارة كل عقل للفلك الذي صدر عنه” ([129]).
المبحث الثالث العقل الفعال وعلاقته بالعالم
بداية نقول: ما من قضية أثارت جدلاً وخلافاً على صعيد الفكر الفلسفي قديمه ووسيطه كما أثارته قضية العقل الفعال، وبخاصة عند الإسلاميين، وكانت بداية تلك المشكلة إشارة مختصرة لهذا العقل الفعال لا تخلو من الغموض، جاءت في قول أرسطو: “وهذا العقل هو المفارق اللامنفعل غير الممتزج، من حيث إنه بالجوهر فعل؛ لأن الفاعل دائماً أسمى من المنفعل، … ولا نستطيع أن نقول إن هذا العقل يعقل تارة ولا يعقل تارة أخرى، وعندما يفارق فقط يصبح مختلفاً عما كان بالجوهر، وعندئذ فقط يكون خالداً وأزلياً” ([130]).
وقد سلك شراح أرسطو مسالك شتى في تأويل قوله السابق؛ لأنهم وجدوا في قوله بعقل مفارق حي أزلي ما يدعم عقيدتهم في خلود النفس، وما يترتب عليه من عقائد تختص العالم الآخر، وأهمها عقيدة الثواب والعقاب، كذلك فإنهم وجدوا فيها الطريقة المثلى للجمع بين الاتجاه الأرسطي والاتجاه الأفلاطوني القائم أساساً وبخاصة في صورته الأفلاطونية المحدثة على فكرة خلود النفس، وكان التوفيق بين أفلاطون وأرسطو هو الاتجاه الغالب في فلسفة الشراح المتأخرين من أمثال الإسكندر وثامسطيوس (ت388م) والقديس توما الأكويني (1274م) وغيرهم، وفي الفلسفة الإسلامية أيضاً وبخاصة عند الفارابي الذي كانت له محاولات كثيرة في هذا الاتجاه، لعل كتابه في الجمع بين رأيي الحكيمين خير دليل على ذلك ([131])، وفيما يلي يلقى الباحث نظرة موجزة على مفهوم العقل الفعال وعلاقته بالعالم لدى المعلم الثاني:
أولاً: مفهوم العقل الفعال:
العقل الفعال هو نوع من العقل المستفاد، وصورة مفارقة لم تكن في مادة ولا تكون أصلاً، ولذا يقول الفارابي: “العقل الفعال هو نوع من العقل المستفاد، وصور الموجودات التي هي فيه لم تزل ولا تزال إلا أن وجودها فيه على ترتيب غير الترتيب الذي هي موجودة عليه في العقل الذي هو بالفعل” ([132]).
ثانياً: علاقة العقل الفعال بالعالم لدى المعلم الثاني:
إذا كان العقل الفعال هو نوع من العقل المستفاد فما هو دوره، أو ما هي علاقته بالعالم لدى الفارابي؟
ولا شك أن وضوح الإجابة عن هذا السؤال متوقفة في أول الأمر على وضع العقل الفعال، هل هو في داخل النفس الإنسانية بحيث يعد قوة من قواها أو مرتبة ودرجة من درجاتها؟ أم هو خارج هذه النفس، وحينذاك لا يكون وظيفة أو قسماً من أقسامها بل هو نوع مستقل إلى جانب العقل المستفاد والعقل بالفعل والعقل بالقوة والتي تشتمل عليها النفس الإنسانية؟
فالإسكندر الأفروديسي جعل هذا العقل هو الله؛ حيث يرى أن العقل الفعال لما كان هو الذي يجعل صور الماديات معقولة فيجب أن يكون معقولاً فهو مفارق وليس جزءاً من النفس، ولكنه يفعل في النفس من خارج، فهو الله العلة الأولى ([133]).
وبشيء من الحذر فإن الباحث يرى -كما مر- أن الإسكندر قد غالى في مكانة العقل الفعال حتى انتهى إلى القول بأنه هو الله واصفاً إياه بأنه غير فاسد وقديم.
بينما يرى ثامسطيوس (317-388) والقديس توما الأكويني أن هذا العقل هو قوة من قوى النفس على اعتبار أن نصوص أرسطو تؤيد ذلك، وكلام ثامسطيوس والأكويني لا يعدو الحقيقة، حيث يقول أرسطو: “لكن ما دمنا في الطبيعة كلها نميز أولاً بين ما يصلح أن يكون هيولى لكل نوع، وهذا هو بالقوة جميع أفراد النوع، ثم شيئاً آخر هو العلة والفاعل لأنه يحدثها جميعاً، والأمر فيهما كالنسبة بين الفن إلى هيولاه، فمن الواجب في النفس أيضاً أن نحدد هذا التمييز، ذلك أننا نميز من جهة العقل الذي يشبه الهيولى؛ لأنه يصبح جميع المعقولات، ومن جهة أخرى العقل الذي يشبه العلة الفاعلة لأنه يحدثها جميعاً” ([134]).
فأرسطو يرى أن العقل المنفعل والعقل الفعال كلاهما موجودان في النفس وضمن قواها مما يفند قول الأفروديسي بأن العقل الفعال هو الله، فالله عند أرسطو يعقل ذاته وحسب، بينما العقل الفعال يلم بجميع المعقولات، وهو إله متعال؛ لأنه يأبه بشأن العالم السفلي بينما العقل الفعال حال في النفس وهو مبدأ تحقيق إمكاناتها الإدراكية ([135]).
رأي الفارابي: يبدو أن الاحتمال الثاني هو الأصح لدى الفارابي والذي قال بمفارقة العقل الفعال للنفس الإنسانية وأنه يطرأ عليهما كلما لزم الأمر ذلك، ولذا يقول:
“ومن قوى النفس العقل العملي وهو الذي يتم به جوهر النفس، ويصير جوهراً عقلياً بالفعل، ولهذا العقل مراتب يكون مرة عقلاً هيولانياً، ومرة عقلاً بالملكة، ومرة عقلاً مستفاداً، وهذه القوى التي تدرك المعقولات جوهر بسيط ليس بجسم ولا تخرج من القوة إلى الفعل، ولا تصير عقلاً تاماً إلا بسبب عقل مفارق وهو العقل الفعال الذي جعل العقل بالقوة عقلاً بالفعل بما أعطاه من ذلك المبدأ، وبذلك صارت المعقولات معقولات بالفعل” ([136]).
وتجدر الإشارة إلى أن العقل الفعال لم يكن له دور في حركة الأفلاك والكواكب لدى الفارابي؛ لأن هذا العقل يعنى بعالم ما تحت فلك القمر، أي بعالم الكون والفساد.
وهذا العقل لدى الفارابي هو: “سبب وجود الأنفس الأرضية من وجه، وسبب وجود الأركان الأربعة (الماء- الهواء- التراب- النار) بوساطة الأفلاك من وجه آخر” ([137])؛ وذلك أن من تحرك الأفلاك ومماسة بعضها لبعض تحصل العناصر الأربعة وتمتزج امتزاجات مختلفة النسب والحركات وتحصل عنها الأجسام، ولهذه “الأجسام الكائنة من الأركان الأربعة قوى تعطيها الاستعداد لقبول الفعل وهي الرطوبة واليبوسة” ([138]) ولكنها كلها مركبة من هيولى وصورة.
“والصورة قوامها بالمادة، والمادة موضوعة لحمل الصور، فإن الصور ليس لها قوام بذواتها وهي محتاجة إلى أن تكون موجودة في موضوع، وموضوعها المادة، والمادة إنما وجودها لأجل الصور” ([139]) لكن المادة لا تحصل على الصورة ولا تنتقل من صورة إلى أخرى إلا تحت تأثير فاعل خارج عنها، وهذا الفاعل هو العقل الفعال الذي يسميه الفارابي “واهب الصور” ([140]).
أقسام الموجودات ومراتبها:
يرى الفارابي أن الموجودات تنقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: الموجودات الروحية:
- للموجودات الروحية ست مراتب عظمى، كل مرتبة منها تحوز صنفاً منها:
السبب الأول (الله) في المرتبة الأولى.
العقول المفارقة، أو ما يسمى لدى الفارابي بالأسباب الثواني في المرتبة الثانية، وهي التي بسببها تتحرك الأفلاك الثمانية فتدور حول الأرض الثابتة في المركز وتكون حركتها مستديرة وأزلية.
العقل الفعال في المرتبة الثالثة.
النفس الإنسانية في المرتبة الرابعة.
الصورة في المرتبة الخامسة، والصورة قوامها بالمادة -كما مر- والمادة موضوعة لحمل الصور، فإن الصور ليس لها قوام بذواتها وهي محتاجة إلى أن تكون موجودة في موضوع، وموضوعها المادة، والمادة إنما وجودها لأجل الصور ([141]).
المادة في المرتبة السادسة، فما في المرتبة الأولى منها لا يمكن أن يكون كثيراً بل واحداً فرداً فقط، وأما في كل واحدة من سائر المراتب فهو كثير، وإلى هذا أشار الفارابي قائلاً:
“وثلاثة منها -يقصد المبادئ- ليست هي أجساماً ولا هي في أجسام وهي السبب الأول والثواني والعقل الفعال، وثلاثة هي في أجسام وليست ذواتها أجساماً وهي النفس والصورة والمادة:” ([142]).
القسم الثاني: الموجودات المادية:
وتتمثل فيما يلي: الجسم السماوي، والحيوان الناطق، والحيوان الغير ناطق، والنبات، والجسم المعدني، والأسطقسات الأربع ([143]).
فالأول هو السبب في وجود الأسباب الثواني، وعن كل من الأسباب الثواني يحصل وجود فلك من الأفلاك -كما مر- وعن الأخير يحصل وجود الكرة التي فيها القمر، وعن العقل الفعال يحصل وجود ما دون فلك القمر، ويسمى الفارابي الأول “الله” ويسمى الثواني بالروحانيين والملائكة وما أشبه ذلك، ويسمى العقل الفعال بالروح الأمين وروح القدس ([144]).
أثر الفكر اليوناني على الفارابي في بيان أقسام الموجودات ومراتبها:
يبدو الأثر الأرسطاطاليسي هنا واضح على فكر الفارابي حيث استفاد الفارابي في ذلك من نظرية (المحركين الثواني) أو (العقول المفارقة) لأرسطاطاليس، وهو بذلك يوفق بين الدين والفلسفة ليرض الدين الإسلامي من ناحية ويرضى الفلسفة وبخاصة فلسفة أرسطاطاليس من ناحية أخرى حيث اعتبر المحركين الثواني أو العقول المفارقة الملائكة ([145]).
كيفية الاتصال بالعقل الفعال:
يرى الفارابي أن هناك طريقان للاتصال بالعقل الفعال هما طريق الفيلسوف والنبي، وفيما يلي الحديث عنهما بإيجاز:
أولاً: طريق الفيلسوف:
يرى الفارابي أن طريق الفيلسوف هو طريق البحث والدراسة والنظر والتأمل، وبفضل التأملات العقلية يستطيع الإنسان أن يصعد إلى منزلة العقول العشرة، ويترقى إلى درجة العقل المستفاد وحيث يتقبل الأنوار الإلهية، إلا أن النفوس ليست كلها قادرة على ذلك الاتصال، إنما هذه الدرجة خاصة بالأرواح القدسية التي تستطيع أن تخترق حجب الغيب وتدرك عالم النور ولا يستغرقها الحس، وقد يتعدى تأثيرها من بدنها إلى أجسام العالم وما فيه، وتقبل المعلومات من الروح والملائكة بلا تعليم من الناس، فهذه درجة الحكيم الذي بوسعه الاتصال بالعقل الفعال ([146]).
ثانياً: طريق النبي:
ذهب الفارابي إلى القول بأن طريق النبي هو طريق المخيلة الذي عن طريقها يكون الاتصال بالعقل الفعال، والوحي الذي ينزل على الأنبياء هو أثر من آثار المخيلة، ولذا يقول:
“إن القوة المخيلة إذا قويت في الإنسان وتخلصت من مشاغل المحسوسات ومن خدمتها للقوة الناطقة استطاعت أن تؤدي وظيفتها في وقت اليقظة مثل حالها عند تحللها من هذه المشاغل عند النوم، فلا يمتنع أن يكون الإنسان إذا بلغت قوته المتخيلة نهاية الكمال أن يقبل في يقظته عن العقل الفعال الجزئيات الحاضرة والمستقبلة أو محاكياتها من المحسوسات، ويقبل محاكيات المعقولات المفارقة وسائر الموجودات الشريفة ويراها، فيكون له بما قبله من المعقولات نبوة بالأشياء الإلهية” ([147]).
وعلى هذا فإن في مقدور المخيلة أن تصعد إلى العقل الفعال وأن تتلقى عنه الحقائق، وذلك عن طريق الوحي أو الرؤيا الصادقة، وهذا الاتصال يكون للأنبياء في حال النوم وحال اليقظة، لكن هذا ليس أمراً ميسوراً لكل الناس؛ لذا فإن الفارابي يذكر تفاوت الناس في الاتصال عن طريق المخيلة، فهناك من الناس من لديهم قوة في المخيلة يستطيعون الاتصال بالعقل الفعال، لكن هؤلاء دون الأنبياء إذ أن اتصالهم يكون في المنام فقط، على العكس من الأنبياء فإن اتصالهم يكون في اليقظة وحال النوم أيضاً ودون هؤلاء يكون العامة، وهم ضعيفو المخيلة، ليست لديهم القدرة على الاتصال بالعقل الفعال، وإلى هذا أشار الفارابي قائلاً:
“ودون هذا من يرى جميع هذه في نومه فقط، وهؤلاء تكون أقاويلهم التي يعبرون بها أقاويل محاكية ورموزاً وألغازاً وابدالات وتشبيهات ثم يتفاوت هؤلاء تفاوتاً كثيراً، فمنهم من يقبل الجزئيات ويراها في اليقظة فقط ولا يقبل المعقولات، ومنهم من يقبل المعقولات ويراها في اليقظة ولا يقبل الجزئيات، ومنهم من يقبل بعضها ويراها دون بعض، ومنهم من يرى شيئاً في يقظته ولا يقبل بعض هذه في نومه، ومنهم من لا يقبل شيئاً في يقظته بل إنما يقبل ما يقبل في نومه فقط، فيقبل في نومه الجزئيات ولا يقبل المعقولات، ومنهم من يقبل شيئاً من هذه وشيئاً من هذه، ومنهم من يقبل شيئاً من الجزئيات فقط، وعلى هذا يوجد الأكثر” ([148]).
وتجدر الإشارة إلى أن الفارابي قد خالف أرسطو في تخصيصه للعقل الفعال بوظيفة معرفية؛ لأن العقل الإنساني في نظر أرسطو لا يحصل على المعقولات بتجريدها من عالم الحس نفسه، بل يحصل عليها بما يفيضه عليه العقل الفعال، فمهمة العقل الفعال تحقيق بلوغ الإنسان درجة السعادة والكمال، وذلك بإعطائه المعاني الكلية العلمية والخلقية والميتافيزيقية، وكذلك المعقولات المجردة والجزئيات المحسوسة التي تنقل عقل الإنسان من عقل هيولاني إلى عقل بالفعل. فالقوة الناطقة ليست في جوهرها بالفعل، بل تصبح كذلك بفاعلية العقل الفعال الذي يجعل المعقولات بالقوة معقولات بالفعل من حيث إنه يعمل وسيطاً بين واجب الوجود والعقل الإنساني، فهو المصدر الذي تفيض منه المعقولات، ومن ثم يكون الفارابي قد خص العقل الفعال بوظيفة معرفية مخالفاً بذلك أرسطو وشراحه المتقدمين مثل ثاوفرسطس، والمتأخرين مثل الأفروديسي وثامسطيوس ([149]).
وفيما ذهب إليه الفارابي نظر؛ لأنه جعل النبي في منزلة دون الفيلسوف، كما جعل النبوة مكتسبة سالكاً بذلك مسلك الفلاسفة ومخالفاً بذلك القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وإجماع علماء الكلام على أن النبوة هبة واصطفاء من الله تعالى وليست مكتسبة، قال تعالى: “اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ” ([150]).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم” ([151]).
كما ذهب جمهور المتكلمين إلى القول بأن النبوة هبة من الله تعالى يختص بها من يشاء من عباده، فليست “النبوة معنى يعود إلى شيء ذاتي من ذاتيات النبي ولا إلى عرض من أعراضه استحقها بكسبه وعمله ولا إلى العلم بربه، فإن ذلك مما يثبت قبل النبوة، ولا إلى علمه بنبوته، إذ العلم بالشيء غير الشيء، ولكن الله يمن بها على من يشاء من عباده” ([152]).
“ولا يشترط في الإرسال شرط من الأعراض والأحوال المكتسبة بالرياضيات والمجاهدات في الخلوات والانقطاعات … بل الله تعالى يختص برحمته من يشاء من عباده، فالنبوة رحمة وموهبة متعلقة بمشيئته فقط، وهو أعلم حيث يجعل رسالته” ([153]).
يقول صاحب الجوهرة:
ولم تكن نبوة مكتسبة
بل فضل الله يؤتيه من يشاء
ولو رقى في الخير أعلى درجة
جل الله واسع النعم ([154])
موقف أبي البركات البغدادي ([155]) من العقل الفعال:
لقد رأى البغدادي أنه لا داعي لفكرة العقل الفعال من أصلها، فالنفس الإنسانية عنده تتصل مباشرةً بالشيء المعروف وتعرفه، فالمعرفة مواجهة بين المدرك والمدرك، والنفس الإنسانية تدرك معارفها بذاتها دون حاجة إلى ضرورة فرض احتياجها إلى العقل وحده، فقد تحتاج إليه وإلى غيره، وقد تستفيد منه ومن غيره، وقد لا تستفيد منه ولا من غيره.
ولا يرتضي البغداد فكرة وجود عقل فعال واحد لكل النفوس الإنسانية مع ما يرى من كثرة هذه النفوس واختلاف طبائعها ومنازعها، ولذا يقول: “أما من قال بأن علتها واحدة، وهي الذي سماه بالعقل الفعال فيكفي في رد قوله الآن ما ثبت من اختلاف الطبائع باختلاف الأحوال والأفعال” ([156]).
ويضيف قائلاً: “يقولون إن هذا العقل الفعال هو العلة القريبة التي عنها صدور وجود النفوس الإنسانية وبحسب ذلك يرونها واحدة بالنوع والماهية والطبيعة والغريزة لا تختلف في جواهرها وإنما تختلف في حالاتها العرضية التي تلحقها من جهة الأبدان وأمزجتها والعادات والتعليم، ونحن فقد أوضحنا بطريق النظر الاستدلالي من أحوالها وأفعالها اختلاف جواهرها وماهياتها بالنوع والطبيعة فهي عن علل كثيرة لا عن علة واحدة، ولم يبق بحسب ذلك النظر شك في كثرتها بالماهية والطبيعة والنوع ويبقى شك في كثرة عللها” ([157]).
المبحث الرابع نقد النظرية
ينطلق الباحث في نقده لنظرية العقول العشرة من ثلاثة محاور:
- المحور الأول: نقد مسألة قدم العالم.
- المحور الثاني: نقد مبدأ لا يصدر عن الواحد إلا واحد.
- المحور الثالث: نقد مبدأ التوحيد بين إرادة الله وقدرته وعلمه وإيجاده الأشياء.
المحور الأول: نقد مسألة قدم العالم:
ذهب الفارابي إلى القول بأن العالم قديم بالزمان حادث بالذات، فهو مخلوق لله ومعلول ومفعول له على الحقيقة، وفي هذا نظر؛ لأنه -الفارابي- إذا قال إن العالم قديم بالزمان يلزمه القول بأنه غير معلول لله تعالى أو مفعول له؛ لأنه لا يعقل كون المفعول مقارناً لفاعله في الزمان، فوصف الشيء بأنه معلول ومفعول ومصنوع ومخلوق لا يتصور إلا مع الحكم عليه بالحدوث التام، وإلا كان تناقضاً، فالفاعل كما يرى الإمام الغزالي ([158]) هو “من يصدر عنه الفعل مع الإرادة للفعل على سبيل الاختيار ومع العلم بالمراد، وعندكم -يقصد الفلاسفة بصفة عامة ومنهم الفارابي- أن العالم من الله كالمعلول من العلة، يلزم لزوماً ضرورياً لا يتصور من الله دفعه، لزوم الظل من الشخص والنور من الشمس، وليس هذا من الفعل شيء” ([159]). وأما المفعول فإن الغزالي يرى أن معنى الفعل إخراج الشيء من العدم إلى الوجود، والعالم لدى الفارابي حادث، فليس بصحيح أن يقال إنه حادث بمعنى مخرج من العدم إلى الوجود.
إذن فالعالم قديم بالزمان لدى الفارابي -كما يرى الغزالي- والمادة أزلية وكذلك الزمان والحركة، وهذا صواب يعترف به الفارابي، لكنه يرفض تقدم الله على العالم بالزمان، ولذا قال بالحدوث الذاتي والقدم الزماني، وخيل إليه بذلك أنه يحل مشكلة صلة القديم بالحادث ومشكلة الزمان والحركة والهيولى … إلخ … والصعوبة هي ليست في استحالة حل كهذا يجمع بين الحدوث والقدم، بل في أمور أخرى أهم مثل صدور الكثرة عن الواحد ([160])، فإذا قيل للفارابي إن العالم قديم مخلوق، أو قديم محدث وعنى بالمخلوق والمحدث ما يعنيه هو بأنه معلول، جزء بتناقض هذا الكلام ([161]).
وتجدر الإشارة إلى أن تفريق الفارابي بين التقدم بالذات والتقدم بالزمان فيه نظر؛ لأنه لا تقدم حقيقي إلا بالزمان، ولذا يقول ابن تيمية: “ما يذكرونه -يقصد الفلاسفة ومنهم الفارابي- من أن التقدم والتأخر يكون بالذات والعلة كحركة الإصبع، ويكون بالطبع كتقدم الواحد على الاثنين، ويكون بالمكانة كتقدم العالم على الجاهل … كلام مستدرك، فإن التقدم والتأخر المعروف هو التقدم والتأخر بالزمان، فإن: “قبل” و”بعد” و”مع” معانيها لازمة للتقدم والتأخر الزماني، وأما التقدم بالعلية أو الذات مع المقارنة في الزمان فهذا لا يعقل البتة ولا له مثال مطابق في الوجود بل هو مجرد تخيل لا حقيقة له” ([162]).
ومن ثم يتبين أن كون الشيء معلولاً لشيء لا يفهم منه إلا أن يكون المعلول متأخراً في وجوده لا في رتبته فقط عن العلة، أما ما يدعيه الفارابي من أن اتصاف الباري بالجود يقتضي أن يلزم عنه العالم أزلاً ففيه نظر؛ لأن الفعل إنما امتنع في الأزل لا لمعنى يرجع إلى الفاعل بل لمعنى راجع إلى نفس الفعل، حيث لم يتصور وجوده، فإن الفعل ما له أوله، والأزل ما لا أول له، واجتماع ما لا أول له مع ما له أول محال، فهو تعالى جواد حيث يتصور الجود ولا يستحيل الموجود ([163]).
المحور الثاني: نقد مبدأ لا يصدر عن الواحد إلا واحد:
ذهب الفارابي إلى القول بأنه لا يصدر عن الواحد إلا واحد، لكن الغزالي يكر على هذا الأساس فيرى أنه يستحيل كون العالم فعلاً لله على أصل الفارابي؛ لأنه قال لا يصدر عن الواحد إلا واحد والمبدأ واحد من كل وجه، والعالم مركب من مختلفات، فلا يتصور أن يكون فعلاً لله بموجب أصل الفارابي سالف الذكر.
وإذا كان الفارابي يرى أن هذا صحيح، لكن سبب الكثرة لديه تعدد الوسائط، فإن الغزالي يرى أنه يلزم عن هذا التعدد للوسائط ومن القول بصدور الواحد عن الواحد ألا يكون شيئاً مركباً، بل تكون الموجودات كلها آحاداً، وكل واحد معلول لواحد وعلة الواحد، وليس الأمر كذلك إذ الجسم لدى الفارابي وغيره من الفيضيين مركب من هيولى وصورة وكذلك الفلك له نفس وجسم، فمن أين صدر المركب فإما أن يبطل قول الفيضيين بأنه لا يصدر عن الواحد إلا واحد وإما أن يلتقي واحد بمركب.
وهنا يقدم الفلاسفة بصفة عامة -ومنهم الفارابي- حلهم المعروف عن الطبيعية الثلاثية للمعلول الأول، فهو متكثر بوجه ولذلك سيصدر عنه أكثر من واحد، إلا أن الغزالي يعترض على ذلك باعتراضات متعددة من أبرزها ما يلي:
إمكان الوجود في المعلول الأول إن كان عين وجوده لا ينشأ منه كثرة، وإن كان غيره فيلزم أن يكون في المبدأ الأول (الله) وجوب وجوده غير نفس وجوده، فليجز صدور الكثرة منه بهذه الكثرة ([164]).
هل تعقل المعقول الأول لمبدئه عين وجوده وعين تعقله لنفسه أم غيره، فإن كان عينه فلا كثرة في ذاته، وإن كان غيره فهذه الكثرة موجودة في الأول (الله) فإن يعقل ذاته ويعقل غيره، فليصدر عنه المختلفات ([165]).
لا داعي للوقوف على التثليث، بل يمكن أن يصدر عنه خمسة أشياء لا ثلاثة فقط، فهو يعقل ذاته ويعقل مبدأه وهو ممكن وواجب الوجود بغيره ([166]).
وتجدر الإشارة إلى أن الإمام الغزالي قد أحدث بعد وفاته آثاراً فكرية، ولعل أقربها وأدناها منه هو تأثيره في أحد مفكري عصره وهو أبو البركات البغدادي، فإذا كان الفارابي قد أقام نظرية العقول العشرة على أساس أن الموجودات المتكثرة لا تصدر عن الباري الواحد؛ لأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد وإلا لزم التكثر في ذاته تعالى، فإن أبا البركات قد عارض هذا الأساس مقدماً أساساً مغايراً يقوم على الأمور التالية:
أن صدور الكثرة عن الواحد لا يلزم عليه تكثر في الواحد
إذا كان الفارابي قد حكم باستحالة ما يترتب على عقله تعالى لذاته من حدوث الأغيار والتكثر في ذاته سبحانه، فحكم بأن الله يعقل ذاته فقط حتى لا يحدث التكثر في الأغيار، ومن جهة عقله لذاته صدر عنه عقل أول -متأثراً في ذلك بأرسطو- فإن البغدادي نفى حدوث الكثرة والتغير في الذات، وكل ما يحدث من تكثر إنما هو في الإضافات والأفعال المنسوبة إليه سبحانه وتعالى وذاته واحدة، ولذا يقول:
“فأما القول بإيجاب الغيرية فيه بإدراك الأغيار والكثرة بكثرة المدركات فجوابه المحقق: أنه لا يتكثر بذلك تكثراً في ذاته، بل في إضافاته ومناسباته، وتلك مما لا تفيد الكثرة على هويته وذاته، ولا الوحدة التي أوجبت له في وجوده بذاته ومبدئيته الأولى التي بها عرفناه، وبحسبها أوجبنا له ما أوجبنا، وسلبنا عنه ما سلبنا هي وحدة مدركاته ونسبه وإضافاته، بل إنما هي وحدة حقيقته وذاته وهويته” ([167]).
كما انتقد أبو البركات نظرية العقول العشرة في قصرها العقول على عشرة حين جعل العقول المفارقة هي الأرواح أو الملائكة أو الجن، ومن ثم كان عددها عنده فوق الحصر، ولذا يقول: “فيكون من الملائكة الروحانية ما يوازي عدد الكواكب المرئية وغير المرئية والأفلاك التي نعرفها والتي لا نعرفها ربما زاد مع ذلك حتى كان بعدد أنواع الموجودات المحسوسة من الجماد والنبات والحيوان، ويكون لكل نوع منها ملك هو حافظ الصورة في المادة، ومستبقي الأنواع بأشخاصها على طبائعها وكمالاتها وحالاتها المتشابهة … فالأشبه والأولى في طريق النظر يدلنا على كثرة كثيرة في الروحانيات الملكية نعرفها ولا نعرفها، ويعرف بعضنا منها بعضاً ولا يعرف البعض، وبعضنا لا يعرف، ولا يعرف بعضا” ([168]).
إذا كانت الموجودات قد صدرت عن العقل الأول أو المبدأ الثاني من العقول العشرة فلماذا لم تصدر عن الباري مباشرة؟
وإذا كان الله واحداً ، والواحد لا يصدر عنه إلا واحد ، فإن العقل الذي صدر عن الله واحد أيضاً ؛ لأنه صدر عن الواحد فكيف صدرت عن هذا الواحد صدورات ثلاثة؟
يقول البغدادي: “نعود الآن إلى ما قيل من أن الواحد لا يصدر عنه من حيث هو واحد إلا واحد، فنقول: إن هذا قول حق في نفسه، وليس يلزم منه إنتاج ما أنتجوا ولا يبنى عليه ما بنوا، فإنهم قالوا في المبدأ الأول: إنه لا يصدر عنه إلا واحد، قالوا: ويصدر عن الثاني ثلاثة، وهو واحد الذات بحسب اعتبارات متصورة معقولة، لا بإضافة ذات أخرى إلى ذاته الواحدة، بل من جهة تعقلاته وتصوراته، فلم لا يجعل مثل ذلك عند المبدأ الأول، ويجعل في الترتيب أولاً وثانياً ومقدماً وتالياً كما جعلوا في الثاني وهو بالأول أولى؟ … أعني أن يكون المبتدأ الأول هو الذي خلق بتصوره لا الثاني، ولا أقل من أن يكون سواء، فلم يختص هذا دون هذا؟” ([169]).
ومن ثم يتبين أن الفارابي إذا كان قد ذهب إلى القول بأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد فإن أبا البركات لا يرى أن هذا القول -مع أنه حق- لا يؤدي إلى ما استنتجه، ولا يلزم منه ما التزم به في صدور العقول العشرة، فإنه يضع البديل حين يرى أن المبدأ الأول وهو الله جل في علاه أوجد في البدء موجوداً أولاً، وعقل سبحانه حاجة هذا الموجود إلى غيره من الأشياء وللوجودات فأوجدها لأجله، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الموجود تصدر عنه أشياء على حسب تصوره ومشيئته ([170]).
وعلى هذا يمكن القول بأن النقد البغدادي للنظرية ليس نقداً بغرض المخالفة وحدها وفي ذاتها، بل بقصد الحق وحده، وهذه قاعدة منهجية رائعة وطريفة من أبي البركات إذا يحذر من يريد المخالفة لذاتها وكان الحق أمامه وسابقاً عليه بأنه لا بد واقع في الباطل والزيف ([171]).
إن أبا البركات البغدادي يريد هدم نظرية العقول العشرة:
إما بالقول بأن الواحد قد يصدر عنه أكثر من واحد بحسب التصورات والاعتبارات، كما صدر عن المعلول الأول عقل ونفس وفلك باعتبارات متعددة من جهة عقله لذاته وعقله لغيره، وعلى هذا يقال إن الله تعالى صدرت عنه موجودات كثيرة باعتبارات متعددة، كما يصدر عن الواحد منا أفعال متشابهة أحياناً ومتناقضة أحياناً أخرى.
وإما بالقول بأن الواحد صدر عنه واحد ويكون الباري تعالى خلق موجوداً واحداً أولاً ثم خلق من أجله موجوداً ثانياً وهكذا، فالموجود الأول صدر عنه لذاته، أما الموجودات الاخرى فقد صدرت عن ذاته لأجل غيره ([172]).
وقد سلك نفس مسلك الغزالي والبغدادي كل من الشهرستاني (ت548) والإمام فخر الدين الرازي ([173]) حيث رددا نفس الاعتراضات على أسس نظرية العقول العشرة ([174]).
وتجدر الإشارة إلى أن ابن رشد قد ذهب إلى أن الأساس الثالث من الأسس التي قامت عليها نظرية العقول العشرة وهو الواحد لا يصدر عنه إلا واحد يعد بمثابة قضية اتفق عليها القدماء، كما اتفقوا على أن المبدأ واحد للجميع فراحوا يطلبون سبب الكثرة بعد أن بطل عندهم القول بمبدأين للخير والشر، والذي دفعهم إلى القول بمبدأ واحد هو أنهم رأوا أن الموجودات تؤم غاية واحدة هو لنظام الموجود في العالم كالنظام الموجود في العسكر … ولما استقر رأيهم أن المبدأ واحد وراموا تفسير الكثرة جاءوا فيه بأجوبة ثلاثة: فبعضهم زعم أن الكثرة إنما جاءت من قبل الهيولى وهو رأي انكساغوراس وآله، وبعضهم قال إن الكثرة من قبل كثرة الآلات جاءت، وبعضهم زعم أنها جاءت من قبل المتوسطات وأول من وضع هذا أفلاطون، وهو أقنعها رأياً؛ لأن السؤال يأتي في الجوابين الآخرين وهو من أين جاءت كثرة المواد والآلات ([175]).
ويرى ابن رشد أن الحل الذي جاء به الفارابي من قياسه فعل إله على الشاهد بمعنى أن الفاعل لا يفعل إلا شيئاً واحداً هو حل غريب على مذهب أرسطو.
وواضح أن ابن رشد في كل مذهبه يتكلم عن الباري جل في علاه كمنظم غائي، وكمعط للرباط للموجودات على حد تعبيره، مع تأكيده على أن مبادئ المادة والأجسام غير مبادئ المعقولات، بمعنى أنه يقول بخطأ إرجاع العالم المادي بكل أنواعه إلى الله بمعنى الخلق أو الفيض الحقيقي لهذه من ذاته، أو من لا شيء. فهو مثل أرسطو يقول بقدم العالم ومادته وصورته -كما مر- فمعنى صدور الفعل عن الواحد عنده أي صدور القوة الواحدة كالتحريك الغائي، أما الصدور الحقيقي فهو من غلط الفارابي ([176]).
وإذا انتقلنا إلى ابن تيمية في نقده لنظرية العقول العشرة نرى أنه قد استفاد من موقف أبي البركات سالف الذكر، حيث ذهب إلى القول بأن المتفلسفة -ومنهم الفارابي- الذين ذهبوا إلى القول بأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قد أخطأوا؛ لأن كل معلول لابد وأن يقترن بعلة، فالتسخين مثلاً لا يكون إلا بين شيئين الفاعل كالنار والمنفعل كالجسم، والموجد إذا كان واحداً فلا يكون علة، أما التولد فيكون عن طريق زوجين، فتعالى الباري جل في علاه أن يكون علة أو أن يكون عنه تولدا، ولهذا قال مجاهد وذكره البخاري في صحيحه في الشفع والوتر أن كل شيء خلق الله شفع السماء والأرض والبر والبحر والجن والإنس والشمس والقمر ونحو هذا، والوتر هو الله الذي لا شبيه له ([177]).
فقال: أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة؟ وذلك أن الآثار الصادرة عن العلل المتولدات في الموجودات لابد فيها من شيئين: أحدهما يكون كالأب، والآخر يكون كالأم القابلة، وقد يسمون ذلك الفاعل القابل كالشمس مع الأرض والنار مع الحطب، فأما صدور شيء واحد فهذا لا وجود له في الوجود أصلاً ([178]).
كما انتقد ابن تيمية أساليب التشبيه والاستعانة التي استخدمها المتفلسفة -ومنهم الفارابي- في كيفية صدور الأشياء عن الواحد فقال:
“وأما تشبيههم ذلك بالشعاع مع الشمس، وبالصوت -كالطنين- مع الحركة والنقر فهو أيضاً حجة لله ورسوله والمؤمنين عليهم، وذلك أن الشعاع إن أريد به نفس ما يقوم بالشمس: فذلك صفة من صفاتها، وصفات الخلق ليست مخلوقة، ولا هي من العالم الذي فيه الكلام، وإن أريد بالشعاع ما ينعكس على الأرض: فذلك لابد فيه من شيئين، وهو الشمس التي تجري مجرى الأب الفاعل والأرض التي تجري مجرى الأم القابلة، وهي الصاحبة للشمس، وكذلك الصوت لا يتولد إلا عن جسمين يقرع أحدهما الآخر أو يقلع عنه فيتولد الصوت الموجود في أجسام العالم عن أصلين يقرع أحدهما الآخر أو يقلع عنه، فمهما احتجوا به من القياس فالذي جاء الله به هو الحق وأحسن تفسيراً، وأحسن بياناً وإيضاحاً للحق وكشفاً له” ([179]).
ومن ثم يتبين بطلان نظرية العقول العشرة؛ لأنها -كما مر- تقيد قدرة الباري جل في علاه على الخلق والإيجاد وتجعله عاجزاً عن أن يصنع الكثرة الكونية إلا في وجود العقل وبدونها لا يوجد كون، وهذا يتعارض مع قول الله عز وجل: “وكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا” ([180])، وقوله: “إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ([181])، وغيرها من الآيات.
المحور الثالث: نقد مبدأ التوحيد بين إرادة الله وقدرته وعلمه وإيجاده الأشياء:
يتمثل الرد على الفارابي في هذا المحور من خلال النقاط التالية:
أولاً: الرد على ادعاء الفارابي أن القول بحدوث العالم يتطلب حدوث إرادة الباري عز وجل:
ذهب الفارابي إلى أن تأخر العالم عن الباري جل في علاه يتطلب حدوث إرادة لم تكن، فالإرادة منفية عن الباري عز وجل؛ لأنها تسبق بشوق، والشوق في حقه محال، وفيما ذهب إليه الفارابي نظر؛ إذ ما الذي يمنع من أن يكون العالم قد حدث بإرادة الباري القديمة التي اقتضت وجوده في الوقت الذي وجد فيه وعلى الوجه الذي وجد عليه؟ وأنه كان ممتنعاً قبل خلق الله له لأنه لم يكن مراداً له عز وجل، يقول الغزالي:
“لم تنكرون على من يقول: إن العالم حدث بإرادة قديمة اقتضت وجوده في الوقت الذي وجد فيه، واقتضت أن يستمر العدم إلى الغاية التي استمر إليها، وأن يبتدئ الوجود من حيث ابتدأ، وأن الوجود قبله لم يكن مراداً فلم يحدث لذلك، وأنه في وقته الذي حدث فيه مراد بالإرادة القديمة بحدث ذلك، فما المانع من هذا الاعتقاد وما المحيل له؟” ([182]).
وإذا قال الفارابي: لماذا تختار الإرادة وقتاً دون وقت لتوجد فيه العالم مع أن الأوقات كلها متساوية؟
فإن الإمام الغزالي يجيب على هذا من جانبين:
الأول: إن هذا التخصيص هو شأن الإرادة وحقيقتها، وكما لا يقال “لم اقتضى العلم بالإحاطة بالمعلوم”؟ لأن هذه وظيفته، كذلك لا يقال: “لم خصصت الإرادة وقتاً دون غيره”؟ فالتخصيص هو وظيفة الإرادة.
الثاني: يرى الغزالي أن الفارابي ومن على شاكلته إن كان يمنع هنا تخصيص الإرادة القديمة الشيء عن مثله فإنه قد قال بتخصيص الشيء عن مثله مرتين:
الأولى: زعمه أن حركة الأفلاك تتم من المشرق إلى المغرب: في بعضها، وفي البعض الآخر العكس … لماذا؟ ما المخصص؟ لا يجيب رغم أن الجهات كلها بالنسبة للأفلاك متساوية.
الثانية: في زعمه أن كرة السماء لها نقطتان ثابتتان هما: القطبان الجنوبي والشمالي اللذان تتحرك السماء عليهما.
فيقال له: لم هذا التخصيص؟ ألا يصلح أن تكون كل نقطتين متقابلتين في السماء قطبين حيث إنها كرة بسيطة متشابهة الأجزاء؟ ([183]).
أما زعمه أن الإرادة تسبق بشوق، فعلى فرض صحتها في مطلق إرادة فهي في حق الله تعالى محالة؛ لأن إرادته تعالى ليست كإرادة المخلوقات، فهو سبحانه “ليس كمثله شيء وهو السميع البصير” ([184]).
ثانياً: الرد على دعوى التوحيد بين إرادة الله تعالى وبين علمه وقدرته عز وجل:
هناك فرق بين إرادة الباري جل في علاه وبين علمه وقدراته، فإرادته تعالى هي “علمه تعالى بما في الفعل من المصلحة الداعية إلى الإيجاد” ([185])، فالإرادة صفة تخصيص ولا تتعلق إلا بالجائز فقط.
فإرادته تعالى مغايرة لقدرته ومغايرة لعلمه أيضاً، إذ علمه تعالى هو: “صفة أزلية بأن بها عن المعاني التي تضاد العلم يعلم جميع المعلومات جملة وتفصيلا ما كان وما يكون وما لا يكون لو كيف يكون” ([186])، وتعلق العلم بالأشياء شامل للواجب والمستحيل و الممكن، لأنه لا يترتب على علمه بالواجب والمستحيل مفاسد كما ترتب على القدرة والإرادة في تعلقها بهما، فالعلم يتعلق بالواجب فيعلم الله ذاته بأنها واجبة الوجود، ويعلم استحالة الشريك له كما يعلم جميع الممكنات علم إحاطة لا علم انكشاف إلا بعد الخفاء، وهذا يقتضي الجهل عند الخفاء وهو مستحيل على الله تعالى، وتعلق العلم بجميع الواجبات والمستحيلات والممكنات هو تعلق تنجيزي قديم، وليس للعلم تعلق تنجيزي حادث، يعني ليس لعلم الله تعلق حادث بحدوث الكائنات، وإلا لزم أنه لم يكن عالماً فعلم.
أما قدرته تعالى فهي “صفة أزلية قائمة بذاته تعالى يتأتى بها إيجاد كل ممكن وإعدامه على وفق الإرادة” ([187])، وهذا تعريف للصفة بالرسم لا بالحد الحقيقي؛ لأنه لا يعلم كنه ذاته تعالى وصفاته إلا وهو سبحانه وتعالى. فالقدرة صفة تأثير وتتعلق بالممكن، ولا تتعلق بالواجب والمستحيل؛ لأنه لو تعلقت بهما، للزم صحة تعلقها بإعدام محلها، يقول الرازي: “إن ما لأجله صح أن يكون مقدور الله تعالى هو الإمكان؛ لأن ما عداه إما الوجوب وإما الامتناع، وهما بخلاف المقدورية، لكن الإمكان وصف مشترك فيه بين الممكنات، فيكون الكل مشتركاً في صحة مقدورية الله تعالى، فلو اختصت قادريته بالبعض افتقر إلى المخصص، فإذا ثبت أنه قادر على جميع الممكنات وجب ألا يوجد شيء من الممكنات إلا بقدرته” ([188]).
ومن ثم يتبين بطلان نظرية العقول العشرة؛ لأنها تقيد قدرة الباري جل في علاه على الخلق والإيجاد وتجعله عاجزاً عن أن يصنع الكثرة الكونية إلا في وجود العقول وبدونها لا يوجد كون.
ثالثاً: الرد على دعوى التوحيد بين إرادة الباري عز وجل وبين إيجاد الأشياء:
هناك فرق أيضاً بين إرادة الله عز وجل وبين إيجاده الأشياء؛ لأنه “لا مانع من أن تكون الإرادة واحدة والمتعلقات متعددة، وذلك على نحو تعلق الشمس بما قابلها واستضاء بها، فإنه وإن كان متعدداً لا يوجب تعددها في نفسها وإن أوجب تعدد متعلقاتها” ([189]).
رابعاً: الرد على الفارابي في جمعه بين نفي الإرادة ونفي الطبع:
ذهب الفارابي إلى نفي الإرادة عن الباري عز وجل -كما مر- لأنها تسبق بشوق، والسوق في حقه تعالى محال، ونفيه للإرادة جعله ينفي القول بالطبع في نظرية العقول العشرة، وفي هذا نظر؛ فقد استدل علماء الكلام على إثبات الإرادة لله عز وجل بإثبات التخصيص والترجيح في الممكنات “فحصول أفعاله في أوقات معينة مع جواز حصولها قبلها وبعدها يستدعي مخصصاً، وليس هو القدرة، لأن شأنها الإيجاد الذي نسبته إلى كل الأوقات على السواء، ولا العلم لأنه تابع للمعلوم، فلا يكون مستتبعاً له لامتناع الدور، وظاهر أن سائر الصفات لا يصلح لذلك سوى الإرادة فلابد من إثباتها” ([190]).
بمعنى أن بعض أفعاله عز وجل متقدمة وبعضها متأخرة، مع أن ما تقدم يجوز عقلاً أن يتأخر، وما تأخر يجوز عقلاً أن يتقدم، فيحتاج ذلك التقديم والتأخير إلى مرجح ومخصص، ولا يصلح لذلك سوى الإرادة فلابد من إثباتها.
وأما عدم صلاحية القدرة للتخصيص: لأن نسبتها إلى جميع الممكنات في جميع الأوقات على السواء، فيمكن أن يقع بها كل ممكن في أي وقت بدون تمييز بين ممكن وآخر، ولما كان العلم تعلقه عام يتناول كل شيء من شئون الحقيقة لذلك الممكن، بل يتناول الواجب والمستحيل، فلا يصلح مخصصاً.
وأما السمع والبصر والكلام والحياة فلا تأثير لها في الممكنات، ومن ثم يتبين أن الإرادة وحدها هي المخصص فلابد من إثباتها. وأما النصوص التي أثبتت الإرادة لله عز وجل فهي متعددة، منها ما يلي:
قال تعالى: “ورَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ويَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ” ([191]).
وقوله تعالى: “فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ” ([192]).
ومن السنة قوله -صلى الله عليه وسلم- “ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن” ([193]).
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من ختم الله به الرسالات سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ………… وبعد.
فقد توصلت من دراستي لموضوع “نظرية العقول العشرة لدى الفارابي” إلى النتائج التالية:
أولاً: يعد الفارابي أول فيلسوف مسلم يقول بنظرية العقول العشرة، وكان هدفه الأساسي من وراء هذا القول هو أن يوفق بين الصفات التي ذكرها القرآن الكريم واصفاً بها الباري جل في علاه، وبين الصفات التي وصف بها أرسطو المحرك الأول، وكان واضحاً لدى فلاسفة الإسلام أن المحرك الأول يقصد به أرسطو الباري تعالى.
ثانياً: إن أسس نظرية العقول العشرة ليست ابتكاراً فارابياً خالصاً، وإنما هي تجميع لعناصر فكرية كانت موجودة من قبل مزج بينها الفارابي وأعاد ترتيبها وتعليل خطواتها.
ثالثاً: إن نظرية العقول العشرة نظرية لا أساس لها من الصحة لأنها تجعل العقول أكثر كمالاً من الله تعالى؛ حيث يؤدي مذهب الفيض إلى أن تكون علوم العقول أكثر إحاطة من علم الله، ففي الوقت الذي لا يعلم الله إلا ذاته -كما زعم الفارابي- فإن العقول تعلم مبدأها وهو الله تعالى وتعلم ذاتها من حيث هي واجبة به، وتعلم ذاتها من حيث هي ممكنة، وبهذا يكون الفارابي قد وقع في تناقض بين حين وصف الباري بالكمال ثم سلب عنه هذا الكمال.
وبعد …. هذا جهدي أقدمه مشفوعاً بحمد الله عز وجل على توفيقه وتيسيره وعونه، وكل ما فيه من صواب وسداد، فإنما هو من فضل الله عز وجل، وما فيه من تقصير فإنما هو غير مقصود مني وحسبي أنني اجتهدت وأفرغت فيه طاقتي والكمال له وحده وحسبي أيضاً قوله تعالى: “إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ” ([194]). والله أسأل أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، ولا يجعل للشيطان فيه حظاً ولا نصيباً، وأن يجعله في ميزان حسناتنا وأن ينفعنا به إلى يوم الدين إنه نعم المولى ونعم النصير.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
مراجع البحث
القرآن الكريم جل من أنزله
*** مؤلفات “الفارابي”:
مقالة في معاني العقل، ضمن (الثمرة المرضية) نشر ديتريصي، ليدن 1892م.
آراء أهل المدينة الفاضلة، تقديم وتعليق د/ ألبير نصري نادر، بيروت ط: سابعة 1996.
تجريد رسالة الدعاوى القبلية، حيدر آباد، الهند، ط: أولى 1346هـ.
رسالة في السياسة- تحقيق: الأب لويس شيخو، بيروت 1901م.
عيون المسائل، ضمن (الثمرة المرضية) نشرة ديتريصي، ليدن 1892م.
رسالة في فصوص الحكم، القاهرة 1907م.
شرح رسالة زينون الكبير، حيدر آباد، الهند، ط: 1349هـ.
كتاب الحروف- تحقيق وتقديم د/ محسن مهدي- بيروت، ط: ثانية 1990م.
التعليقات، طبعة حيد آباد، الهند 1346هـ.
إحصاء العلوم- تقديم وشرح د/ علي بو ملحم، دار الهلال، ط: أولى 1996م.
السياسات المدنية، وتحقيق وتقديم وتعليق د/ فوزي مترى نجار، المطبعة الكاثوليكية- بيروت 1964م.
ابن الأثير (محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد ت630هـ)
الكامل في التاريخ- دار صادر بيروت 1385هـ/ 1965م.
أرسطو طاليس
المقالة الثانية عشرة من الميتافيزيقا- ترجمة د/ ماجد فخري- أرسطو المعلم الأول، بيروت- ط: ثانية 1977م.
منطق أرسطو- التحليلات الثانية- المقالة الثانية، تحقيق د/ عبد الرحمن بدوي- دار الكتب المصرية 1949م.
النفس- نقله إلى العربية د/ أحمد فؤاد الأهواني- البابي الحلبي ط: أولى 1949م.
الأشعري (أبو الحسن علي بن إسماعيل)
اللمع في الرد على أهل الزيع- تحقيق وتعليق د/ محمود غرابة، ط: مجمع البحوث الإسلامية 1975م.
ابن أبي أصيبعة (موفق الدين أحمد بن القاسم).
عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق نزار رضا- دار الحياة- بيروت 1965م.
الأفروديسي (الإسكندر)
رسالة في العقل على رأي أرسطو طاليس، ترجمة إسحاق بن حنين، ضمن شروح على أرسطو، مفقودة في اليونانية ورسائل أخرى، حققها وقدم لها: د/ عبد الرحمن بدوي، دار المشرق بيروت بدون.
الأكويني (توما الأكويني)
الخلاصة اللاهوتية، بيروت 1887م.
الألوسي (د/ حسام الدين).
دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي، بغداد 1922م.
الأمدي (سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد ت631هـ).
غاية المرام في علم الكلام- تحقيق د/ حسن محمود الشافعي- ط: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1391هـ.
الأندلسي (القاضي صاعد الأندلسي).
طبقات الأمم- تحقيق لويس شيخو اليسوعي، المطبعة الكاثوليكية- بيروت 1912م.
إنشاد (د/ إنشاد محمد علي).
موقف المشائية الإسلامية من النص الديني، ط: 1991م.
الأهواني (د/ أحمد فؤاد الأهواني).
في عالم الفلسفة، مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة بدون.
الإيجي (عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد).
المواقف- مكتبة المتنبي- القاهرة بدون.
البخاري (محمد بن إسماعيل البخاري)
الجامع الصحيح- تحقيق د/ مصطفى ديب البغا- دار ابن كثير، اليمامة ط: 3 عام 1407هـ/ 1987م.
بدوي (د/ عبد الرحمن)
خريف الفكر اليوناني، ط: رابعة 1970م.
موسوعة الفلسفة- المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط: أولى 1984م.
مقدمة كتاب النفس لأرسطو، ترجمة إسحاق بن حنين، بدون.
البغدادي (أبو البركات).
المعتبر في الحكمة، منشورات جامعة أصفهان ط: ثانية 1315هـ.
البهي (د/ محمد البهي)
. الفارابي الموفق والشارح، ط: أولى 1401هـ/ 1981م.
البيهقي (ظهير الدين).
تاريخ حكماء الإسلام (تتمة صوان الحكمة)، ط: لاهور 1351هـ
بيومي (د/ عبد المعطي).
الفلسفة الإسلامية من المشرق إلى المغرب، دار الطباعة المحمدية 1403هـ/ 1982م.
ابن تيمية (محمد بن عبد الحليم).
مجموع فتاوى ابن تيمية، مجمع الملك فهد 1416هـ/ 1995م.
درء تعارض العقل والنقل، القاهرة 1962م.
منهاج السنة النبوية- تحقيق د/ محمد رشاد سالم، ط: 1406هـ/ 1986م.
الجابري (د/ محمد عابد).
نحن والتراث قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت- ط: أولى 2006م.
الجوهري (إسماعيل بن حماد)
الصحاح- تحقيق د/ أحمد عبد الغفور- دار العلم للملايين بيروت لبنان، ط: رابعة 1990م.
الحموي (ياقوت الحموي).
معجم البلدان، دار صادر بيروت- لبنان 1979م.
الحنبلي (ابن العماد).
شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي- دار الآفاق بيروت بدون.
ابن خلكان (أحمد بن محمد بن أبي بكر ت681هـ).
وفيات الأعيان، تحقيق د/ إحسان عباس، دار صادر- بيروت لبنان ط: 1398هـ/ 1978م.
خليف (د/ فتح الله خليف).
فلاسفة الإسلام- دار الجامعات المصرية بدون.
خليل (د/ خليل الجر وحنا الفاخوري).
تاريخ الفلسفة العربية، دار الجيل بيروت لبنان، ط: ثانية 1982م.
الداوودي (الحافظ شمس الدين محمد بن علي)
طبقات المفسرين- دار الكتب العلمية- بيروت لبنان، ط: أولى 1403هـ/ 1983م.
الذهبي (شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان).
سير أعلام النبلاء- تحقيق شعيب الأرناؤوط بالاشتراك، ط: ثالثة 1406هـ/ 1986م.
ابن رشد (أبو الوليد محمد بن أحمد).
تهافت التهافت، بيروت 1930م.
تلخيص ما بعد الطبيعة- تحقيق د/ عثمان أمين، القاهرة 1958م.
ريان (د/ محمد علي)
تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية ط: 1410هـ/ 1990م.
زايد (د/ سعيد زايد)
الفارابي، دار المعارف ط: ثالثة بدون.
الزغبي (د/ فتحي محمد)
نظرية الفيض ذروة التفاعل الفكري- بحث منشور في كتاب المؤتمر الدولي الخامس عشر بكلية دار العلوم بالقاهرة 2010.
ابن سينا (الحسين بن علي).
الإشارات والتنبيهات- تحقيق د/ سليمان دنيا، دار المعارف بالقاهرة 1958م.
النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية والإلهية- تقديم د/ ماجد فخري، دار الآفاق بيروت.
الشهرستاني (أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد)
الملل والنحل- تحقيق: محمد سيد كيلاني، ط: البابي الحلبي وأولاده 1381هـ/ 1961م.
نهاية الإقدام في علم الكلام، نشر جيوم، اكسفورد 1934م.
الصفدي: (صلاح الدين خليل بن أيبك ت764هـ).
الوافي بالوفيات- تحقيق أحمد الأرناؤوط- تركي مصطفى، دار إحياء التراث العربي- بيروت لبنان ط: أولى 1420هـ- 2000م.
صليبا (جميل صليبا).
المعجم الفلسفي- دار الكتاب اللبناني- بيروت لبنان 1982م.
الطوسي (نصير الدين محمد بن محمد).
شرح الإشارات والتنبيهات- تحقيق د/ سليمان دنيا، دار المعارف بالقاهرة 1958م.
الطيب (الإمام الأكبر: د/ أحمد محمد)
مقومات الإسلام.
العاتي (د/ إبراهيم العاتي)
الإنسان في فلسفة الفارابي، دار الهادي، ط: أولى 1430هـ/ 2009م.
عبد الجبار (القاضي عبد الجبار)
المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق محمود الخضيري، مراجعة د/ إبراهيم مدكور، بإشراف د/ طه حسين، طبعة دار الكتب المصرية عام 1381هـ/ 1960م.
شرح الأصول الخمسة- تحقيق د/ عبد الكريم عثمان، القاهرة ط: أولى 1965م.
عبد الرازق (الشيخ مصطفى)
فيلسوف العرب والمعلم الثاني، ط: البابي الحلبي بالقاهرة 1955م.
عبده (د/ عبده الشمالي)
دراسات في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية وآثار رجالها، دار صادر بيروت، ط: خامسة 1399هـ/ 1979م.
غالب (د/ مصطفى غالب)
الفارابي- دار الهلال- ط: 1998م.
ابن سينا (الموسوعة الفلسفية)، ط: بيروت 1979م.
الغزالي (أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد)
تهافت الفلاسفة- بيروت، ط: 4 لعام 1990م.
غلاب (د/ محمد)
مشكلة الألوهية، دار إحياء الكتب العربية ط: ثانية 1371هـ/ 1951م.
فخر الدين (محمد بن عمر بن الحسين الرازي)
الأربعين في أصول الدين- حيدر أباد 1353هـ.
محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، القاهرة 1363هـ.
لباب الإشارات والتنبيهات، القاهرة 1350م.
فخري (د/ ماجد)
تاريخ الفلسفة الإسلامية- بيروت 1974م.
قاسم (د/ محمود)
في النفس والعقل لفلاسفة الإغريق والإسلام، الأنجلو المصرية، ط: رابعة 1962م.
القفطي (جمال الدين أبو الحسن)
إخبار العلماء بأخبار الحكماء، القاهرة: 1326هـ/ 1908م.
كحالة (عمرو رضا).
معجم المؤلفين، دار إحياء التراث العربي بيروت،
كرم (د/ يوسف كرم)
تاريخ الفلسفة اليونانية، مطبعة لجنة التأليف والنشر بالقاهرة 1355هـ/ 1936م.
الكندي (أبو يوسف يعقوب بن إسحاق)
رسالة في حدود الأشياء ورسومها (ضمن رسائل الكندي الفلسفية) تحقيق د/ محمد عبد الهادي أبو ريدة- دار الفكر العربي بالقاهرة ط: ثانية 1369هـ/ 1950م.
الكوثري (د/ محمد زاهد).
مقدمة كتاب العقل وفضله لعبد الله بن محمد والشهير بابن أبي الدنيا، بدون.
لطف (د/ سامي نصر)
نماذج من فلسفة الإسلاميين (حكماء المشرق الإسلامي)، ط: أولى بالقاهرة 1977م.
مرحبا (د/ محمد عبد الرحمن مرحبا)
من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية- بيروت، ط: ثانية 1982/ المرزوقي (د/ جمال).
الفلسفة الإسلامية بين الندية والتبعية، نشر دار الهداية، ط: أولى لعام 1422ه / 2002م.
المسعودي (أبو الحسن علي بن الحسين ت346هـ).
التنبيه والإشراف، ط: القاهرة 1307هـ/ 1938م.
مسلم (الإمام بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري).
صحيح مسلم، دار الجيل، بيروت، بدون.
منجد (د/ صلاح الدين المنجد).
الإسلام والعقل، دار الكتاب الجديد- بيروت لبنان، ط: ثانية 1976م.
ابن منظور (الإمام محمد بن مكرم الأفريقي المصري)
لسان العرب- تحقيق د/ عبد الله الكبير ومحمد أحمد حسب الله، دار المعارف بدون.
ابن النديم (أبو الفرج محمد بن إسحاق)
الفهرست، بيروت 1964م.
نصار (د/ محمد عبد الستار).
في الفلسفة الإسلامية (قضايا ومناقشات)، ط: أولى 1982م.
هويدي (د/ يحيى هويدي)
دراسات في علم الكلام والفلسفة، دار الثقافة للطباعة والنشر بالقاهرة بدون.
ياسين (د/ جعفر آل ياسين)
الفارابي في حدوده ورسومه- عالم الكتب، ط: أولى 1405هـ/ 1985م.
فيلسوفان رائدان الكندي والفارابي، دار الأندلس، ط: ثانية 1983م.
فيلسوف عالم (دراسة تحليلية لحياة ابن سينا وفكره الفلسفي)، دار الأندلس ط: أولى 1404هـ/ 1984م.
[1] انظر: المسعودي- التنبيه والإشراف ص105، ط: القاهرة 1307هـ/ 1938م، والقاضي صاعد الأندلسي- طبقات الأمم- تحقيق لويس شيخو اليسوعي ص53، المطبعة الكاثوليكية- بيروت 1912م، وابن أبي أصيبعة- عيون الأنباء في طبقات الأطباء ج2 ص135 دار الحياة- بيروت 1965م، وابن خلكان- وفيات الأعيان، تحقيق د/ إحسان عباس ج5 ص153، دار صادر- بيروت- لبنان- طبعة عام 1398هـ/ 1978م.
[2] انظر: القاضي صاعد الأندلسي- طبقات الأمم ص53، وابن خلكان- وفيات الأعيان ج5 ص153.
[3] انظر: عيون الأنباء في طبقات الأطباء ج2 ص135.
[4] فيلسوف العرب والمعلم الثاني ص55، ط: البابي الحلبي بالقاهرة 1955م.
[5] انظر: الشيخ مصطفى عبد الرازق- فيلسوف العرب والمعلم الثاني ص55، وخالف في ذلك ابن النديم إذ يرى (أن الفارابي من بلدة فارياب من أرض خراسان)- انظر: الفهرست ص263، بيروت 1964م. وفيما ذهب إليه ابن النديم نظر؛ لأن الفارابي لو كان من فارياب لكان اسمه الفاريابي لا الفارابي.
[6] فاراب- ولاية وراء نهر سيحون في تخوم بلاد الترك. انظر: ياقوت الحموي- معجم البلدان ج6 ص834، دار صادر بيروت- لبنان 1979م.
[7] ابن أبي أصيبعة- عيون الأنباء في طبقات الأطباء ج2 ص136، وراجع: د/ محمد عبد الرحمن مرحبا- من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية ص373- بيروت، ط: ثانية 1982م.
[8] المرجع السابق.
[9] انظر: ابن خلكان- وفيات الأعيان ج5 ص153.
[10] انظر: بن أبي أصيبعة- عيون الأنباء ج2 ص136، وانظر: د/ إبراهيم العاتي- الإنسان في فلسفة الفارابي ص26، دار الهادي، ط: أولى 1430هـ/ 2009م.
[11] انظر: القفطي- إخبار العلماء بأخبار الحكماء ص182، القاهرة 1326هـ/ 1908م.
[12] انظر: ابن خلكان- وفيات الأعيان ج5 ص153.
[13] انظر: البيهقي- تاريخ حكماء الإسلام (تتمة صوان الحكمة) ص95، ط: لاهور 1351هـ.
[14] انظر: د/ مصطفى غالب- ابن سينا (الموسوعة الفلسفية) ص13، ط: بيروت 1979م، وانظر: د/ جعفر آل ياسين- فيلسوف عالم (دراسة تحليلية لحياة ابن سينا وفكره الفلسفي) ص169، دار الأندلس ط: أولى 1404هـ/ 1984م.
[15] انظر: د/ محمد عبد الرحمن مرحبا- من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية ص373، وانظر: د/ إبراهيم العاتي- الإنسان في فلسفة الفارابي ص26.
[16] طبع بصيدا عام 1921م، ثم نشره د/ عثمان أمين في مصر عام 1931م.
[17] قام المستشرق (ديتريصي) بنشر هذه الرسالة بليدن عام 1890م، كما طبعت طبعات أخرى منها: طبعة مطبعة السعادة بالقاهرة عام 1907م.
[18] تم طبعه بحيدر أباد عام 1932م.
[19] قام المستشرق (ديتريصي) بنشر هذه الرسالة بليدن عام 1980م، كما طبعت بالقاهرة عام 1907م.
[20] طبع هذا الكتاب لأول مرة في ليدن عام 1895م، كما طبع طبعات أخرى منها: طبعة القاهرة عام 1906م.
[21] قام ديتريصي بنشره عام 1890م. راجع فيما سبق: ابن أبي أصيبعة- عيون الأنباء ج3 ص203 والدكتور حسين محفوط بالاشتراك مع د/ جعفر آل ياسين- مؤلفات الفارابي ص465 بغداد 1975م.
[22] انظر: ابن خلكان- وفيات الأعيان ج5 ص157.
[23] انظر: ابن أبي أصيبعة- عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص134، وابن خلكان- وفيات الأعيان ج5 ص157، وانظر: د/ فتح الله خليف- فلاسفة الإسلام ص40- دار الجامعات المصرية بدون.
[24] انظر: ابن منظور- لسان العرب- تحقيق د/ عبد الله الكبير ومحمد أحمد حسب الله- مادة عقل م4 ج36 ص3046، دار المعارف بدون.
[25] المرجع السابق.
[26] المرجع السابق بتصرف يسير.
[27] المرجع السابق.
[28] المرجع السابق.
[29] المرجع السابق.
[30] الجوهري- الصحاح- تحقيق د/ أحمد عبد الغفور- مادة عقل ج5 ص1771- دار العلم للملايين بيروت لبنان، ط: رابعة 1990م.
[31] ابن منظور: لسان العرب- مادة عقل ج11 459.
[32] الموسوعة الفلسفية العربية ج1 ص596.
[33] د/ محمد نوفان- الدلالة العقلية في القرآن الكريم ص15: 23.
[34] سورة البقرة آية 75.
[35] سورة العنكبوت آية 43.
[36] سورة الزخرف آية 3.
[37] انظر: د/ محمد فؤاد عبد الباقي- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ص99.
[38] البخاري في صحيحه- تحقيق د/ مصطفى ديب البغا- كتاب الحيض- باب ترك الحائض الصوم ج3 ص76 حديث رقم 43 دار ابن كثير ط:3 1407هـ/ 1987م.
[39] البخاري في صحيحه- كتاب الوضوء باب حب النبي -صلى الله عليه وسلم- وضوءه على المغمى عليه ج1 ص82 حديث رقم 191.
[40] مسلم في صحيحه- كتاب الصلاة- باب تسوية الصفوف وإقامتها ج2 ص3 حديث رقم 1000 دار الجيل بيروت بدون.
[41] الإمام النووي- شرح صحيح مسلم ج2 ص155.
[42] قيل إن اسمه: المنذر بن حارث، وقيل المنذر بن عائذ وقيل غير ذلك.
انظر: الإمام النووي- شرح صحيح مسلم ج1 ص189.
[43] مسلم في صحيحه- كتاب الإيمان- باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله ج1 ص36 حديثه رقم 127.
[44] د/ محمد زاهد الكوثري- مقدمة كتاب العقل لعبد الله بن محمد ص4، بدون.
[45] د/ صلاح الدين المنجد- الإسلام والعقل ص43، دار الكتاب الجديد بيروت لبنان، ط: ثانية 1976م.
[46] الكندي- رسالة في حدود الأشياء ورسومها (ضمن رسائله الفلسفية) تحقيق د/ محمد عبد الهادي أو ريدة ص113- دار الفكر العربي بالقاهرة ط: ثانية 1369هـ/ 1950م.
[47] جميل صليبا- المعجم الفلسفي ج2 ص84- دار الكتاب اللبناني بيروت 1982م.
[48] المرجع السابق.
[49] الفارابي- مقالة في معاني العقل (ضمن الثمرة المرضية) ص39، نشر ديتريصي، ليدن 1892م.
[50] انظر: أرسطو- النفس- نقله إلى العربية د/ أحمد فؤاد الأهواني ك 3 ف4 ص 108- البابي الحلبي بالقاهرة ط: أولى 1949م، وانظر: د/ مصطفى غالب- الفارابي ص83- دار الهلال- ط: 1998م.
[51] انظر: الإيجي- المواقف ص146 مكتبة المتنبي- القاهرة بدون، وفخر الدين الرازي- محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص54، القاهرة 1363هـ.
[52] انظر: أرسطو- منطق أرسطو- التحليلات الثانية- المقالة الثانية تحقيق د/ عبد الرحمن بدوي ف19ب25 ص463- دار الكتب المصرية 1949م.
[53] الفارابي- مقالة في معاني العقل ص40.
[54] المرجع السابق.
[55] انظر: أرسطو- النفس ك3ف5 ص112.
[56] الفارابي- مقالة في معاني العقل ص41 باختصار وتصرف يسير.
[57] انظر: الفارابي- مقالة في معاني العقل ص43.
[58] انظر: المرجع السابق.
[59] انظر: المرجع السابق.
[60] انظر: أرسطو- النفس ك3ف5 ص112.
[61] انظر: الفارابي- مقالة في معاني العقل ص45، وانظر: د/ محمد نصار- في الفلسفة الإسلامية (قضايا ومناقشات) ج1 ص97، ط: أولى 1982م.
[62] انظر: الفارابي- مقالة في معاني العقل ص45، ود/ جعفر آل ياسين- الفارابي في حدوده ورسومه- عالم الكتب، ط: أولى 1405هـ/ 1985م.
[63] المرجع السابق.
[64] انظر: د/ محمود قاسم- في النفس والعقل لفلاسفة الإغريق والإسلام ص206، الأنجلو المصرية، ط: رابعة 1962م.
[65] انظر: الفارابي- مقالة في معاني العقل ص46.
[66] انظر: الإسكندر الأفروديسي- رسالة في العقل على رأي أرسطو طاليس، ترجمة إسحاق بن حنين، ضمن شروح على أرسطو، مفقودة في اليونانية ورسائل أخرى، حققها وقدم لها: د/ عبد الرحمن بدوي ص32، دار المشرق بيروت بدون.
[67] الفارابي- مقالة في معاني العقل ص46، وانظر له أيضاً: آراء أهل المدينة الفاضلة، تقديم وتعليق د/ ألبير نصري نادر ص101، بيروت ط: سابعة 1996، وانظر: د/ أحمد فؤاد الأهواني- في عالم الفلسفة ص108، مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة بدون.
[68] الإسكندر الأفروديسي من أشهر شراح الإغريق للفلسفة الأرسطوطاليسية.
انظر: د/ محمود قاسم- في النفس والعقل لفلاسفة الإغريق والإسلام ص206.
[69] انظر: أرسطو- البرهان- المقالة الثانية فصل 19.
[70] انظر: الفارابي- فلسفة أرسطو طاليس ص122 وما بعدها.
[71] انظر: أرسطو- النفس ك3ف5 ص112، وانظر: د/ يوسف كرم- تاريخ الفلسفة اليونانية ص212، القاهرة 1355هـ/ 1936م.
[72] المرجع السابق.
[73] المرجع السابق، وانظر: د/ محمد علي أبو ريان- تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام ص253، دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية ط: 1410هـ/ 1990م.
[74] المرجع السابق، وانظر: د/ أحمد فؤاد الأهواني- في عالم الفلسفة ص104.
[75] انظر: الإسكندر الأفروديسي- رسالة في العقل ص32، وانظر: د/ عبد الرحمن بدوي- موسوعة الفلسفة ج2 ص77- ط: أولى 1984م.
[76] المرجع السابق.
[77] انظر: د/ عبد الرحمن بدوي- موسوعة الفلسفة ج2 ص77.
[78] انظر: الإسكندر الأفروديسي- رسالة في العقل ص32.
[79] انظر: الفارابي- فلسفة أرسطو طاليس ص122 وما بعدها.
[80] راجع: د/ محمد علي أبو ريان- تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام ص241.
[81] الفارابي- التعليقات ص5، طبعة حيد آباد، الهند 1346هـ.
[82] الفارابي- تجريد رسالة الدعاوى القبلية ص2، حيدر أباد، الهند، ط: أولى 1346هـ.
[83] عيون المسائل ص57، ضمن (الثمرة المرضية) نشرة ديتريصي، ليدن 1892م.
[84] الفارابي- آراء أهل المدينة الفاضلة ص23 باختصار.
[85] الفارابي- آراء أهل المدينة الفاضلة ص23.
[86] انظر: ابن تيمية- درء تعارض العقل والنقل ج1 ص145، القاهرة 1962م، وانظر له أيضاً: منهاج السنة النبوية- تحقيق د/ محمد رشاد سالم ج1 ص180، القاهرة 1406هـ/ 1986م، وانظر: د/ إنشاد محمد علي- موقف المشائية الإسلامية من النص الديني ص106، ط: 1991م.
[87] عيون المسائل ص57، وانظر له أيضاً: شرح رسالة زينون الكبير ص4، حيدر آباد، الهند، ط: 1349هـ، وانظر له أيضاً- كتاب الحروف- تحقيق وتقديم د/ محسن مهدي ص110 وما بعدها- بيروت، ط: ثانية 1990م.
[88] المرجع السابق ص57 باختصار، وانظر له أيضاً: رسالة في السياسة- تحقيق: الأب لويش شيخو ص650، بيروت 1901م.
[89] استحالة التسلسل في العلل والمعلولات كما أوضحها الفارابي مبنية على أساس أرسطي مفاده: أن ما لا نهاية له لا يوجد بالفعل، أي لا يدخل كله مجتمعاً في الوجود لأن ما لا نهاية له لا يعد ولا يحصى، فلو فرضنا أن العالم حادث أو متحرك وله محرك، فإذا كان هذا المحدث له محدث وتسلسل المحدثون إلى ما لا نهاية، لم يكن أن يوجد هذا العالم، لأن وجوده لا يتم إلا بعد وجود ما لا نهاية له من العلل والمعلولات، ولما كان العالم موجوداً لزم القول بوجود محدث أولاً لا محدث له، فوجود المحرك الأول الذي لا يتحرك عند أرسطو مستند إلى هذا المبدأ، وقد استخدمه المتكلمون والفلاسفة لإثبات جملة قضايا منها وجود الله. انظر: أرسطو- في النفس ص300، وراجع: د/ جمال المرزقي- الفلسفة الإسلامية بين الندية والتبعية هامش ص96، دار النهاية للطباعة والنشر، ط: أولى لعام 1422هـ/ 2002م.
[90] الفارابي- عيون المسائل ص57، وانظر له أيضاً- رسالة في فصوص الحكم ص66، القاهرة 1907م.
[91] انظر: القاضي عبد الجبار- شرح الأصول الخمسة- تحقيق د/ عبد الكريم عثمان ص92، القاهرة ط: أولى 1965م، وانظر: الأشعري- اللمع في الرد على أهل الزيغ- تحقيق وتعليق د/ محمود غرابة ص10، ط: مجمع البحوث الإسلامية 1975م، وانظر: الشهرستاني- الملل والنحل ج1 ص94، القاهرة 1968م.
[92] انظر: أرسطو- الطبيعة ج2 ص735.
[93] نصير الدين الطوسي- شرح الإشارات والتنبيهات- تحقيق د/ سليمان دنيا ج3 ص483، دار المعارف بالقاهرة 1958م، وراجع: د/ يحيى هويدي- دراسات في علم الكلام والفلسفة ص210، دار الثقافة للطباعة والنشر بالقاهرة بدون.
[94] الفارابي- عيون المسائل ص57.
[95] انظر: ابن رشد- تلخيص ما بعد الطبيعة- تحقيق د/ عثمان أمين ص124، القاهرة 1958م.
[96] انظر: الفارابي- عيون المسائل ص68.
[97] انظر: الفارابي- عيون المسائل ص68، وأرسطو- الطبيعة ج2 ص735، ود/ يحيى هويدي- دراسات في علم الكلام والفلسفة ص10، ود/ محمد البهي- الفارابي الموفق والشارح ص9، ط: أولى 1401هـ/ 1981م.
[98] انظر: د/ عبد الرحمن بدوي- أفلوطين عند العرب ص88.
[99] د/ النشار- نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ص215، وراجع – د/ رضا الدقيقي- التصور الفلسفي لنشأة الكون ص294.
[100] انظر: ابن تيمية- الرد على المنطقيين ج1 ص288.
[101] انظر: د/ محمد عابد الجابري- نحن والتراث قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي ص182، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت- ط: أولى 2006م، وراجع: د/ فتحي الزغبي- نظرية الفيض ذروة التفاعل الفكري ص427 وما بعدها- بحث منشور في كتاب المؤتمر الدولي الخامس عشر بكلية دار العلوم بالقاهرة 2010م.
[102] النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية والإلهية- تقديم د/ ماجد فخري ص261، دار الآفاق بيروت.
[103] الإشارات والتنبيهات- تحقيق د/ سليمان دنيا ج3 ص20، دار المعارف 1958م.
[104] توما الأكويني- الخلاصة اللاهوتية ج1 ص33، بيروت 1887م.
[105] ابن رشد: هو (أبو الوليد محمد بن رشد القرطبي المالكي، كان عالماً حافظاً للفقه مقدماً فيه على جميع أهل عصره، عاش سبعين سنة، ومات سنة 595هـ).
انظر: الذهبي- سير أعلام النبلاء- تحقيق شعيب الأرناؤوط بالاشتراك ج19ص501، ط: ثالثة 1406هـ/ 1986م، وابن العماد الحنبلي- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي ج4 ص62 دار الآفاق بيروت بدون.
[106] أنواع التقدم والتأخر عند الفلاسفة خمسة هي:
التقدم بالذات: مثل ماهية الإثنين مفتقرة إلى حصول الواحد، وحصول الواحد غني، والمتقدم هنا ليس علة لوجود المتأخر.
التقدم بالزمان: كتقدم الأب في الوجود على الابن.
التقدم بالشرف: كتقدم الصديق -رضي الله عنه- على سيدنا عمر بن الخطاب.
التقدم بالعلية: كتقدم حركة اليد على الخاتم، فإن حركة اليد هي علة حركة الخاتم.
التقدم بالرتبة الحسية أو العقلية: كتقدم الإمام على المأموم، والجنس على النوع.
انظر: فخر الدين الرازي- الأربعين في أصول الدين ص7- حيدر آباد 1353هـ
[107] فصوص الحكم ص67.
[108] الفارابي- تجريد رسالة في الدعاوى القلبية ص7.
[109] انظر: د/ محمد عبد الستار نصار- في الفلسفة الإسلامية في المشرق ج1 ص90.
[110] انظر: المرجع السابق.
[111] الفارابي- رسالة في إثبات المفارقات ص4.
[112] انظر: د/ يحيى هويدي- دراسات في علم الكلام والفلسفة ص158.
[113] التاسوعات ج4 ص156.
[114] انظر: ابن سينا- النجاة ص313.
[115] ابن سينا- الإشارات والتنبيهات ج3 ص97 بتصرف واختصار.
[116] آراء أهل المدينة الفاضلة ص55.
[117] الفارابي- عيون المسائل ص58.
[118] انظر: أفلوطين- التاسوعات ج4 ص188، وانظر: د/ عبد الرحمن بدوي- خريف الفكر اليوناني ص127، ط: رابعة 1970م.
[119] ابن سينا- الإشارات والتنبيهات ج3 ص123.
[120] ابن سينا- النجاة ص310.
[121] انظر: د/ حسام الدين الألوسي- دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي هامش ص115، دار الشئون الثقافية العامة ببغداد 1922م.
[122] انظر: د/ حسام الدين الألوسي- دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي ص116.
[123] الفارابي- عيون المسائل ص58.
[124] انظر: المرجع السابق.
[125] انظر: الفارابي- عيون المسائل ص59، ود/ جعفر آل ياسين- فيلسوفان رائدان الكندي والفارابي ص183، دار الأندلس، ط: ثانية 1983م.
[126] انظر: الفارابي- آراء أهل المدينة الفاضلة ص61، وراجع: د/ محمد مرحبا- من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية ص420.
[127] انظر: د/ ماجد فخري- تاريخ الفلسفة الإسلامية ص168- بيروت 1974م.
[128] انظر: د/ جعفر آل ياسين- فيلسوفان رائدان الكندي والفارابي ص183.
[129] د/ محمد غلاب- مشكلة الألوهية ص44، دار إحياء الكتب العربية ط: ثانية 1371هـ/ 1951م.
[130] النفس ك3ف5 ص112 باختصار.
[131] راجع: د/ إبراهيم العاتي- الإنسان في فلسفة الفارابي ص226، وانظر: د/ عبد الرحمن بدوي في مقدمته لكتاب النفس لأرسطو ص5.
[132] الفارابي- مقالة في معاني العقل ص47، وانظر: سعيد زايد- الفارابي ص92، دار المعارف ط: ثالثة بدون.
[133] أرسطو- النفس ك3ف5 ص112، وانظر: د/ محمود قاسم- في النفس والعقل لفلاسفة الإغريق والإسلام ص198.
[134] أرسطو- النفس ك3ف5 ص112.
[135] راجع: د/ إبراهيم العاتي- الإنسان في فلسفة الفارابي ص226، وانظر: د/ ماجد فخري- أرسطو طاليس (المعلم الأول ص72.
[136] الفارابي- مقالة في معاني العقل ص44، وراجع: د/ سامي لطف- نماذج من فلسفة الإسلاميين (حكماء المشرق الإسلامي) ج1ص152، ط: أولى بالقاهرة 1977م.
[137] الفارابي- عيون المسائل ص51.
[138] الفارابي- المرجع السابق.
[139] الفارابي- السياسات المدنية، تحقيق وتقديم وتعليق د/ فوزي متري نجار ص36، المطبعة الكاثوليكية بيروت 1964م.
[140] انظر: د/ خليل الجر وحنا الفاخوري- تاريخ الفلسفة العربية ج2 ص118، دار الجيل بيروت لبنان، ط: ثانية 1982م.
[141] انظر: الفارابي- السياسات المدنية ص36، ود/ عبده الشمالي- دراسات في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية وأثار رجالها ص277، دار صادر بيروت، ط: خامسة 1399هـ/ 1979م.
[142] الفارابي- السياسات المدنية ص31.
[143] الاسطقسات: جمع أسطقس وهي العناصر البسيطة التي تتكون منها الأجسام المركبة وهي أربعة بنظر الفارابي (الماء والهواء والتراب والنار) انظر: الفارابي- إحصاء العلوم- تقديم وشرح د/ علي بوم لحم- دار الهلال ط: أولى 1996م.
[144] انظر: الفارابي- السياسات المدنية ص31.
[145] انظر: أرسطو- النفس ك3ف5 ص112.
[146] انظر: الفارابي- آراء أهل المدينة الفاضلة ص103.
[147] الفارابي- آراء أهل المدينة الفاضلة ص114 بتصرف.
[148] المرجع السابق.
[149] انظر: أرسطو- المقالة الثانية عشرة من الميتافيزيقا- ترجمة د/ ماجد فخري- أرسطو المعلم الأول ص176، بيروت- ط: ثانية 1977م، وانظر: الفارابي- آراء أهل المدينة الفاضلة ص98.
[150] سورة الحج آية 75.
[151] صحيح مسلم- كتاب الفضائل- باب فضل نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتسليم الحجر عليه قبل النبوة ج7 ص58 حديث 6077.
[152] الآمدي: غاية المرام في علم الكلام- تحقيق د/ حسن الشافعي ص317- ط: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1391هـ، وانظر: القاضي عبد الجبار- المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق محمود الخضيري، مراجعة د/ إبراهيم مدكور، ج15 ص9، طبعة دار الكتب المصرية عام 1381هـ/ 1960م.
[153] الجرجاني- شرح المواقف ج8 ص254، وانظر: شرح المقاصد ج5 ص8.
[154] البيجوري في شرحه على الجوهرة ص148.
[155] أبو البركات البغدادي هو (أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البغدادي، نشأ في بغداد في أواسط القرن الخامس، اشتهر بالفلسفة والطب، له مؤلفات متعددة من أبرزها كتاب المعتبر في الحكمة، توفى عام 547هـ تقريباً).
انظر: القطفي- إخبار العلماء بأخبار الحكماء ص224، وانظر: ابن أبي أصيبعة- طبقات الأطباء ج1 ص278.
[156] أبو البركات البغدادي- المعتبر في الحكمة ج3 ص151، منشورات جامعة أصفهان ط: ثانية 1315هـ، وراجع: د/ عبد المعطي بيومي- الفلسفة الإسلامية من المشرق إلى المغرب ج3 ص127، دار الطباعة المحمدية 1403هـ/ 1982م.
[157] المرجع السابق.
[158] الإمام الغزالي: هو (محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الطوسي، كنيته أبو حامد، ولد بمدينة طوس من مدن خراسان سنة 450هـ، أشعري المعتقد ، صوفي المسلك، له العديد من الآثار كالوسيط وإحياء علوم الدين، وغير ذلك، توفى سنة 505هـ).
انظر: ابن خلكان- وفيات الأعيان ج3 ص353، وانظر: كحالة- معجم المؤلفين ج11 ص66، دار إحياء التراث العربي ببيروت.
[159] الإمام الغزالي- تهافت الفلاسفة ص89، بيروت، ط: 4 لعام 1990م.
[160] انظر: الإمام الغزالي- تهافت الفلاسفة ص93.
[161] انظر: ابن تيمية- منهاج السنة ج1 ص180.
[162] المرجع السابق ج1 ص180 باختصار وتصرف يسير.
[163] انظر- الشهرستاني- نهاية الإقدام ص47، نشير جيوم، اكسفورد 1934م.
[164] انظر: الإمام الغزالي- تهافت الفلاسفة ص97.
[165] انظر: المرجع السابق ص98.
[166] انظر: المرجع السابق ص99، وراجع: د/ حسام الدين- دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي ص133: 135.
[167] أبو البركات البغدادي- المعتبر في الحكمة ج3 ص76.
[168] المرجع السابق ج3 ص167.
[169] أبو البركات البغدادي- المعتبر في الحكمة ج3 ص156 باختصار.
[170] انظر: المرجع السابق ج3 ص160.
[171] راجع: د/ سامي نصر لطف- نماذج من فلسفة الإسلاميين ج1 ص416.
[172] انظر: أبو البركات البغدادي- المعتبر في الحكمة ج3 ص151، وراجع: د/ عبد المعطي بيومي- الفلسفة الإسلامية من المشرق إلى المغرب ج3 ص135.
[173] هو (محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التيمي البكري الطبرستاني الأصل الرازي المولد، ولد سنة خمسمائة وأربع وأربعين من الهجرة، توفى عام 606هـ عن عمر يناهز اثنين وستين عاماً).- انظر: الوافي بالوفيات- تحقيق أحمد الأرناؤوط- تركي مصطفى ح4 ص175 دار إحياء التراث العربي- بيروت لبنان ط: أولى 1420هـ- 2000م، والداوودي- طبقات المفسرين ج2 ص215. دار الكتب العلمية- بيروت لبنان، ط: أولى 1403هـ/ 1983م، وابن الأثير- الكامل في التاريخ ج12 ص51 دار صادر بيروت 1385هـ- 1965م.
[174] انظر: فخر الدين الرازي- المحصل ص105، وانظر له أيضاً: الأربعين في أصول الدين ص239، وانظر له أيضاً- لباب الإشارات والتنبيهات ص106، القاهرة 1350م، والإمام الشهرستاني- نهاية الإقدام في علم الكلام ص56.
[175] انظر: ابن رشد- تهافت التهافت ص176 وما بعدها، بيروت 1930م.
[176] راجع: د/ حسام الدين الألوسي- دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي ص129.
[177] البخاري في صحيحه- كتاب الأنبياء- باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته ج4 ص781 حديث 55.
[178] انظر: ابن تيمية- مجموع فتاوى ابن تيمية ج4 ص131، مجمع الملك فهد 1416هـ/ 1995م.
[179] ابن تيمية- مجموع فتاوى ابن تيمية ج4 ص131.
[180] سورة الكهف آية 45.
[181] سورة النور آية 45.
[182] تهافت الفلاسفة ص96.
[183] الاقتصاد في الاعتقاد ص95، وانظر له أيضاً: تهافت الفلاسفة ص101 وما بعدها، وراجع: د/ الدقيقي- التصور الفلسفي لنشأة الكون ص329.
[184] سورة الشورى آية 11.
[185] فخر الدين الرازي- المحصل ص161.
[186] المرجع السابق ص165.
[187] المرجع السابق ص162.
[188] فخر الدين الرازي- المحصل ص163.
[189] الآمدي- غاية المرام ص73.
[190] فخر الدين الرازي- المحصل ص168، وانظر: د/ أحمد الطيب- مقومات الإسلام ص33.
[191] سورة القصص آية 68.
[192] سورة البروج آية 16.
[193] النسائي في السنن الكبرى- تحقيق حسن عبد المنعم شلبي ج9 ص10 حديث 9765، مؤسسة الإسلام بدون، والبيهقي في دلائل النبوة ج7 ص144، دار الريان ط: أولى 1408هـ/ 1988م.
[194] سورة هود آية 114.