الكاتب : أحمد عبد الحليم عطية
بدايات حنفي الفينومينولوجية
حسن حنفي وشارل مالك ومع محمود رجب وقدرية إسماعيل ويوسف سلامة وسعيد توفيق وفتحي انقزو وإسماعيل المصدق هم أطياف اللحظة الفينومينولوجية العربية منذ النصف الثاني من القرن العشرين وهو- أي حنفي- يمثلها تمثيلا صادقا، ليس فقط عبر تعدد وتنوع كتاباته واستمرارها مما جعله هدفا للهجوم ممن تبنوا تيارات فكرية مخالفة، ولكن من خلال سعيه لتأسيس ما أطلق عليه الفينومينولوجية الحضارية “وصياغة جهده الفكري المستمر الذي قدمه باسم “التراث والتجديد” انطلاقا من ثلاثيتة الفرنسية الأولى التي صدرت في الستينيات من القرن الماضي(1).
ولنتابع ذلك مما كتبه عن “بداية الوعي الفلسفي 1957- 1960” في الكتاب السادس من “الدين والثورة في مصر”. “الأصولية الإسلامية” بعنوان “مقدمة تمهيدية في سيرة ذاتية” يعترف فيها على أنه “بالرغم من أن بداية الوعي الفلسفي كانت في معرفتي بالمثالية الألمانية خاصة فشته وفلسفة المقاومة والأنا التي تضع ذاتها بمقاومة اللاأنا وسماعي عن الإيحاء المتبادل بين الذات والموضوع والقصدية عند هوسرل من أحد الأساتذة العائدين حديثا فقد اجتمعت هذه البدايات في الفلسفة الغربية حول المثالية الترنسندنتالية مع فلسفة الذاتية عند إقبال(2).
نظرية الشعور الثلاثي
اكتشف حنفي نظرية الشعور الثلاثي: الشعور التاريخي لمعرفة صحة النصوص التاريخية عن طريق مناهج الرواية، والشعور التأملي لتفسير النصوص وفهمها عن طريق تحليل الألفاظ، والشعور العملي لتطبيق الأحكام في الحياة العملية. كما يقول وبالتالي يتحول الوحي إلى نظام مثالي للعالم من خلال جهد الإنسان وفعله، ويتم التوحيد كعملية في النهاية وليست البداية، ويصبح الله أقرب إلى الصيرورة منه إلى الكينونة. وكانت أول محاولة كما يضيف لإعادة بناء الحضارة الإسلامية على مستوى الشعور من أجل اكتشاف الذاتية حتى نعيد بناء حضارتنا، ونعيد اختيار محاورها وبؤرها، بدل أن تكون مركزة حول الله تصبح مركزة حول الإنسان(3). ورغم أننا هنا بإزاء تداخل الفيورباخية مع الهوسرلية، إلا أن علينا أن نتابع بدايات حنفي الأولى.
سجل حنفي رسالته التكميلية بداية في موضوع “الدين العقلي والدين الوجودي عند كانط وكيركجارد”، ليقارن لحظتي البداية والنهاية في الوعي الأوربي- وأنا هنا أعرض تطوره الفكري بألفاظه في الفقرات التالية-: ولكن بعد قراءته لهوسرل وتعرفه على الفينومينولوجيا والبداية بالوعي الفردي والحضارى وحتى يكون أكثر دقة فى البحث عن نظرية للبداية أصبح الموضوع هو ” تفسير الفينومينولوجيا، الحالة الراهنة للمنهج الفينومينولوجي وتطبيقه في ظاهرة الدين”. وقد استعمل كما يخبرنا مناهج التفسير لفهم الفينومينولوجيا وتحويلها إلى فينومينولوجيا تطبيقية وحركية وتفسيرها على أنها حدس ديني مثالي، ومراجعة تطبيقاتها في ظاهرة الدين، في فلسفة الدين، فلسفة التوسط وفلسفة التصورات، وفي فينومينولوجيا الدين، فينومينولوجيا الموضوع أو الفعل أو التفسير.
ثم تطور الموضوع فعقد جزءا ثانيا لتطبيقه الخاص للمنهج الفينومينولوجي في ظاهرة التفسير وأخذ العهد الجديد كنقطة بداية مع تطبيق نظرية الشعور الثلاثي: الشعور التاريخي، والشعور التأملي، والشعور العملي في العهد الجديد. فكان الجزء الثاني ” فينومينولوجيا التفسير، محاولة فى التفسير الوجودي ابتداء من العهد الجديد”.
لقد استغرق حنفي تماما في قراءة مؤلفات هوسرل الكاملة بالألمانية عامي 1959- 1960 وهو بالبيت الألماني بالمدينة الجامعية، تلك التي كان قد اشتراها من هولندا، مكتشفا عالم الشعور وطبقا إياه بطريقة تلقائية طبيعية، ومحولا الوقائع إلى تجارب معاشة. يقول: “وجدت نفسي وما كنت أبحث عنه: أصبحت لحظتا الشعور الأوربي عند العقليين أولا “الأنا أفكر” وعند الوجوديين ثانيا “الأنا موجود” على مدى أربعة قرون متمثلة في حياتي في ثمان سنوات.
كان العقل والواقع بالنسبة لي واجهتين لعملة واحدة. ولشد ما فرحت عندما وجدت ذلك في أحد فصول الجزء الأول من “الأفكار” عند هوسرل. كانت المعرفة لدي تأتي من التجارب المعاشة. وكان اللمس يؤدي دور الحدس المباشر. وكانت النظرة تثير من المعاني قدر الصفحات الرائعة التي كتبها سارتر عن النظرة في “الوجود والعدم”. كان الحب والإعجاب، والنجاح والفشل، والفرح والحزن، كان كل شيء يتحول في شعوري إلى معنى. أصبحت أعيش في عالم من المعاني من خلال التجارب. لقد كنت ظاهراتيا بالميلاد”(4).
والمهم لدينا فيما كتبه حنفي هو أن ثلاثية الشباب “مناهج التأويل” و “تأويل الظاهريات” و”ظاهريات التأويل” هي الجبهات الثلاث في مشروعه “التراث والتجديد”؛ الذي أعلن في 1980 موقفنا من التراث القديم، موقفنا من التراث الغربي، موقفنا من الواقع أو نظرية التفسير(5).
الرسالة الثانية “تفسير الظاهريات”
وعن الرسالة الثانية “تفسير الظاهريات”، الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي (الفينومينولوجي) وتطبيقه فى الظاهرة الدينية ؛ والتى تتناول الجبهة الثانية فى مشروع التراث والتجديد موقفنا من التراث الغربي”. يخبرنا إنها ما زالت تحمل جديدا بالنسبة للدراسات الفينومينولوجية باعتبار الفينومينولوجيا نظرية في الوعي الفردي والوعي الحضاري الأوروبيين، خاصة فيما يتعلق بمحاولة لوضع قواعد للمنهج الظاهرياتي في ثلاث: التوقف عن الحكم، والإيضاح، بعد أن عرف الأوروبيون أثنتين فقط، وكذلك فيما يتعلق بالتأويل الديني للظاهريات اعتمادا على حياة هوسرل الشخصية وروح الظاهريات كعود إلى “العهد الجديد”، وهو ما يتفق مع تأويل حنفي للفلسفة الغربية كلها خاصة المثالية الترنسندنتالية بأنها عود من جديد إلى “المواعظ على الجبل” للسيد المسيح. وأنه إنما يقوم بالمحاولة كلها من جديد فى اللغة العربية ليس كدراسة للفينومينولوجيا عند هوسرل ولكن بدراسة الموضوع ذاته، بناء الوعي وتكوينه وهو موضوع علم الاستغراب مع إظهار مصادره التي أخفاها الفلاسفة الأوروبيون.
أن حنفي حريص كل الحرص على تأكيد خصوصية ما يقدمه من إسهام في الفينومينولوجيا عن السابقين عليه وعلى تحديد بداية الاهتمام بها والإضافة التي تتمثل في تطبيق الفينومينولوجيا على الدين.
كانت أول معرفة بالظاهريات عام 1956. فقد تم التعرض بسرعة إلى “الرد” و “القصدية” في درس الميتافيزيقا لزكريا إبراهيم. كانت القصدية بمثابة وحي جديد ضد سيادة ثنائية الذات والموضوع التي سادت الفلسفة والتي تم التخلي عنها على الإطلاق، كان بالإمكان إذن شق طريق جديد داخل الفلسفة الأوربية وأخذ مسار جديد للتفكير. ونظرا للرغبة في دراسة الوحي كعلم إنساني وخاصة باعتباره ظاهرة شعورية فقد أدت قراءة الفلسفة الأوربية إلى الفلسفة الترنسندنتالية خاصة في صورتها المكتملة في الظاهريات. لقد تم اختيار المنهج الظاهرياتى طبقا لمطلب أكاديمى خالص فيما يتعلق باختيار منهج للبحث قادر على دراسة الوحي كظاهرة شعورية دون الوقوع في الخطابة أو الدفاع. كان أقرب المناهج إلى الوصف والتحليل النظري للوحي كظاهرة شعورية.
وكانت أيضا كما يواصل حنفي: مناسبة لتخليص المنهج الظاهرياتي من عيوبه كما هو معروف في التاريخ. وهذه هي الغاية من المقدمة الطويلة عن المنهج الظاهرياتي وظاهريات الدين وحنفي يؤكد أن الطابع الظاهرياتي لهذا العمل مستقلا تماما عن المنهج الظاهرياتي المعروف تاريخيا. فلم يتم اختياره كمنهج بحث إلا طبقا لمطلب أكاديمي خالص. ومن ثم فإن هذا العمل يتضمن ظاهريات مستقلة. وكان هذا هو انطباع بول ريكور بعد قراءة الرسالة الأولى “مناهج التأويل”(6).
المنهج الظاهرياتي في نظر حنفي
إن المنهج الظاهرياتي وفق حنفي يحتاج في مرحلته الراهنة إلى بعض التعديلات فيما يتعلق بلغة الظاهريات، وقواعد المنهج، واكتمال النظرة للعالم التي يرتبط بها هذا المنهج. فالظاهريات الآن فيما يقول مثقلة بلغتها. غمضت مقاصدها، وقل وضوحها بسبب تعقد مصطلحاتها. وطويت بداهة اختياراتها داخل جهاز اصطلاحي مثقل. أنها ما زالت قيد التكوين وهذا يعني بالنسبة له أن الظاهريات ما زالت في المعمل. وما زالت تصنع. دون أن تخرج بمنهج واضح ومتميز(7).
يتناول في البداية المصطلحات الرئيسية التي يمكن فيما يرى الإبقاء عليها مثل: المعيش، صورة الشعور، مضمون الشعور، قصدية، حدس، بداهة، معطي، ماهية دلالة. وفي نفس الوقت يسعى ‘إلى تجديد لغة الظاهريات عن طريق دلالة اللغة المورثة وذلك عن طريق التخلص من الجهاز المفاهيمي الرياضى المنطقي أو النفسي؛ الفلسفي الذي استعملته الظاهريات وإيجاد ألفاظ مستمدة من اللغة العادية للتعبير عن بداهات الخبرات اليومية. وهذا ما أرادته الظاهريات نفسها وما تنبأت به.
قواعد المنهج الظاهرياتي
ويتناول ثانيا قواعد المنهج الظاهرياتي: ففي حين أن لفظ “منهج” لم يستعمل للإشارة إلى الظاهريات بل استعملت تعبيرات “الظاهريات الخالصة” الفلسفة الظاهراتية” فإن الظاهريات هي أساسا منهج. هي منهج للبحث أكثر منها عقيدة فلسفية. هي منهج تحليل للخبرات الحية أكثر منها مذهبا حول النسق الهندسي للعقل. ما يسعي إليه حنفي هو إيجاد قواعد للمنهج الظاهرياتي، فبالإضافة إلى الخط العام بقى بيان القواعد والميادين. “الرد” و “التكوين” قاعدتان في حين أن “الذاتية” و “الذاتية المشتركة” أو “المتبادلة” ميدانان وهو ما تحدث عنه ثانية في دراسته المقارنة “حكمة الأشراق والفينومينولوجيا كما أن حنفي دائما ما يشير إلى إسهام كتابات في الإضافة إلى المنهج الفينومينولوجي.
للظاهريات السكونية
ثم يعرض في الفقرة ثالثا للظاهريات السكونية، والظاهريات الحركية: لقد ظلت الظاهريات في مؤلفات مؤسسيها وحتى في تطورها المتأخر سكونية. وتم تحليل العالم في دقيقاته وليس في حركته. بل تم تكوين عالم الرغبة والإرادة داخل نظرية المعرفة أكثر منها داخل الفعل. وأن كانت تسري بعض الحركية في الظاهريات. فالتمييز بين صورة الشعور مضمون الشعور لا ينطبق فقط على ميدان الحكم بل أيضا على الدائرة الوجدانية والإرادية. ويضيف أنه بعد تكوين المنهج الظاهرياتي وفي تطبيقاته المثالية في المنطق الصوري ظهرت الحركية كنشاط أصلي للحكم بالنسبة لتغيراته الثانوية. فالحكم أساسا حكم فعال. ويمكن أن يولد أحكاما أخرى. والحكم بطريقة فعالة هو توليد “موضوعات فكر”. وتشكيلات للمقولات. إلا أن هذه الحركية التي تظهر في النشاط وفي إعادة النشاط تظل على المستوى النظري. ولا يكون عملا فعليا في العالم. بل مجرد نشاط للوعي القصدي(8).
يعرض حنفي للحركية في الطور اللاحق للظاهريات وتحولها إلى انطولوجيا ظاهراتيه عند شيلر: ففي الظاهريات يوجد تيار أخذ الحركة كمخطط “دينامي” رئيسي وهو عنده تيار فلسفي أكثر منه تيارا منهجيا. ويظل “العالم المعيش” الذي بدأت منه الظاهريات في كل قوته كدافع وانبثاق وتقدم نحو المستقبل. إلا أنه يتحول إلى الطرف الأخر رافضا أي عملية تقوم على مخطط. وتتطور الظاهريات عند شيلر كي تصبح انطولوجيا وجدانية. وتتسم باتجاه موضوعي وواقعي طبقا للطبيعة العيانية للمشاكل المعروضة. حيث تصبح القصدية العقلية قصدية وجدانية. والقيمة موضوع الوجدان الذي يتجه إليها. وإذا كان عالم الماهيات المنطقية دائما في علاقة تضايف مع المسارات العقلية التي تسمح لها بالظهور كذلك يظهر عالم القيم كإجابة على كل المسارات القصدية. (ص37).
وفي التحليل الوصفي للوجود عند هيدجر توجد الحركية في التاريخانية كبعد في الوجود الإنساني. (ص40) تظهر الحركية في تاريخية الوجود الإنساني. حركيته، من الميلاد إلى الموت، نهائيته. إلا أن حركية الفعل الخلاق والتخليد فيما يرى غائبة تماما.
وتظهر الظاهريات الحركية في تحليل الفعل الذي يتحقق مرة مع الوجود ومرة أخرى مع الملكية. ثم توجد الحركية أيضا في فلسفة المشروع عند سارتر. الإنسان هو ما يفعل الإنسان أولا مشروع ذاتي. الإنسان يختار بنفسه. والفعل الفردي يلزم نفسه بالإنسانية كلها. وتتكون العاطفة بالأفعال. والفعل بالأمل.
ويخلص من ذلك إلى أول ظهور للحركية أيضا في الظاهريات التطبيقية عند ريكور. إن غياب الحركية في الظاهريات تم استدراكه في الظاهريات التطبيقية مثل “فلسفة الإرادة” ونقلت الحركية على المستوى التجريبي اعتمادا على المعطيات النفسية ومرة أخرى على المستوى العقلي اعتمادا على المعطيات الأسطورية.
حنفي و فينومينولوجيا الدين
كتب حنفي عدة دراسات حول هوسرل والفينومينولوجيا في السبعينات من القرن العشرين الأولى “الظاهريات وأزمة العلوم الأوربية” وهي قضية تناولتها بعض الدراسات العربية، لكنه في دراسته الثانية قدم موضوعا يرتبط باهتمام حنفي ربما أكثر من ارتباطه بهوسرل هو ” فينومينولوجيا الدين عند هوسرل” وكتب ثالثا عن ” الفينومينولوجيا وحكمة الأشراق” ولا تخلو أبحاثه المختلفة من التحليلات الفينومينولوجية للخبرات الإنسانية كما نجد في بعض دراسات الجزء الأول من قضايا معاصرة، كذلك تناول الهيرمينولوجيا وفق منظور فينومينولوجي. والفينومينولوجيا بالإضافة إلى ذلك تسري في دراساته جميعا، حتى تلك التي لا نتعرض لها بشكل مباشر. وسوف نظهر موقف حنفي في هذه الدراسات. (9)
يسعى حنفي في دراسته عن ” فينومينولوجيا الدين عند هوسرل” كما يخبرنا أن يتلمس بعض الإشارات إلى موضوعات الدين خاصة إلى موضوعه الرئيسي وهو الله ووضعه خارج الدائرة. ويرى أننا نستطيع أن نجد في مخطوطات هوسرل خاصة KIII تحليلات عديدة للمشاكل الخلقية والدينية وظهور الله كغاتية في التاريخ.
كما نستطيع ثالثا أن نجد في حياة هوسرل الخاصة وفي الاعترافات التي أسر بها وهو على فراش الموت، إيمانا عميقا بالله وبالكتب المقدسة على ما هو معروف في البروتستانية الحرة ويتساءل في نهاية الأمر: هل الفينومينولوجيا نزعة صوفية؟
خصص هوسرل لموضوع الله كما يذكر حنفي فقرة كاملة (الفقرة 58) في الجزء الأول من الأفكار بعنوان “تعالى الله خارج الدائرة”. (38) بعد ذلك تأتي الخطوة الثانية من المنهج إعادة بناءه من حيث هو موضوع شعوري أي من حيث هو موضوع حال في الشعور مباطن فيه من ثم تظهر التفرقة الرئيسية بين التعالي والحلول. يمكن للشعور إذن إن يتناول موضوع الله كموضوع حال فيه أو كشعور بالمطلق أو كحلول للمطلق فيه.
ويتحدث حنفي عن الله كموضوع حضاري موضحا أن: كل حقيقة عند هوسرل لها جانبان: البناء والتطور أو دراسة الحقيقة على إنها فكرة أو مثال Eidos ثم دراستها على إنها غاية أو اكتمال telos فالله كموضوع خارج الدائرة يمثل الجانب الأول، الله كفكرة أو مثال أو بناء الله كموضوع حضاري يمثل الجانب الثاني، الله كتطور وكغاية وكاكتمال. ويرى حنفي الله كموضوع حضاري يبدو في الخلط بين الفلسفة واللاهوت في الشعور الأوروبي. (374).
يوضح حنفي أن لهوسرل موقفان: الأول عندما يضع الله خارج الدائرة (فيقضي على الله المتعالي المعروف في اللاهوت والدين) وبالتالي يكون أحد الرافضين للدين الرسمي (وللموقف الساذج)، والثاني عندما يعيد بناء الله كعقل مطلق في الشعور أو في التاريخ، ويبدو هنا كأنه أحد المؤلهة للرياضة أو للحقيقة في التاريخ. ويضيف حنفي موقفا أخر لهوسرل من خلال حديثه عن المنطق الفلسفي الذي هو في الحقيقة على ما هو معروف في تاريخ الفلسفة الحديثة صورة أخرى لله في الدين. حيث يتحدث هوسرل عن المطلق عندما يظهر في صورة منطقية خالصة أو عندما يبدو في تيار الشعور. بالإضافة إلى حديث هوسرل عن المطلق، إله العقل عند الفلاسفة، نجد أن الفينومينولوجيا نفسها باعتبارها علما أو فلسفة أو منهجا توحي بأنها طريق نحو الخالص، والخالص هو الشامل أو العقلي أو المثالي، بل إن هوسرل كثيرا ما يستعمل لفظ الطريق من.. وإلى ليوحي بأن الفينومينولوجيا منهج لرفع العالم المادي من الموقف الطبيعي الذي ساد العلوم الإنسانية خاصة علم النفس إلى العالم الروحي.
يؤكد حنفي أن اعترافات هوسرل في أواخر حياته تؤيد هذا التفسير من أن الفينومينولوجيا نزعة صوفية إشراقية. (383) انطلاقا من الاعترافات التي أدلى بها وهو على فراش الموت والتي نشرها أوستريشر Soterreisher ضمن كتابه “سبعة فلاسفة يهود أمام المسيح”.(10)
ويستخلص حنفي في النهاية أن أقوال هوسرل واعترافاته الأخيرة تدل على أن الفينومينولوجيا نزعة صوفية في صياغة عقلية تعد بمثابة حكمة الإشراق وتكون الفينومينولوجيا التي هي بدورها وريثة الإيمان التقليدي.
العودة إلى عالم الشعور
إن القرن العشرين فيما كتب حنفي هو بداية أزمة العلوم الإنسانية بل وبدء الضمير الأوروبي نفسه. والمحاولة العلمية الجادة في هذا الموضوع هي تلك التي قام بها هوسرل في آخر حياته بعد أن أسس الفينومينولوجيا، وأطمأن إلى أنه عثر في النهاية على هذا العلم الشامل، والذي جعلته الحضارة الأوربية مطلبا لها وغاية، في كتابه “أزمة العلوم الأوروبية والفينومينولوجيا الترنسندنتالية”. وهي ما يتناوله حنفي في عدة فقرات هي بوادر الأزمة، نشأة الفينومينولوجيا من خلال الأزمة خطوات المنهج الفينومينولوجي، أزمة الشعور الأوربي.
لقد ظل المثل الأعلى للمنهج العلمي حتى أواخر القرن التاسع عشر هو منهج العلوم الطبيعية الذي يعد أهم مكاسب الحضارة الأوربية. ولقد تبنت العلوم الإنسانية منهج العلوم الطبيعية، ولكن بعد ذلك في أوائل القرن العشرين، بدأت الأزمة في الظهور. وتكشف للبعض أن الظاهرة الإنسانية ليست كالظاهرة الطبيعية. ومن ناحية أخرى، رأى البعض أن نموذج اليقين في العلم هو المنهج الرياضي. ومن ثم أخذت العلوم الإنسانية تنحو نحوا رياضيا، وتتبنى المناهج الإحصائية، وأصبحت الظواهر كلها مجرد معادلات ورموز. ولكن حدثت أزمة ثانية، ففي هذه المرة أيضا ندت الظاهرة الإنسانية عن التحليل الرياضي، وظهرت نوعيتها المستقلة ولم يعد في الإمكان تحليلها على أنها مجرد مجموعة من التصورات الرياضية أو المفاهيم المنطقية.
وعلى مشارف هاتين الأزمتين بدأت الفينومينولوجيا في البحث عن منهج خاص للعلوم الإنسانية يحفظ نوعية الظاهرة ويميزها عن الظاهرة الطبيعية والظاهرة الرياضية وبالتالي يشق طريقا ثالثا وهو ما سماه بالفينومينولوجيا.
نشأة الفينومينولوجيا
هذا ما يستدعي من حنفي في الفقرة ثانيا بيان نشأة الفينومينولوجيا من خلال الأزمة على النحو التالي:
بدأ هوسرل بمناقشة طبيعة الرياضة وماهيتها وقدم حلوله في رسالتيه للدكتوراه. ثم في عمله الفلسفي الأول “فلسفة الحساب” والذي رد التصورات والمفاهيم الرياضية إلى أسسها النفسية، أي حل أزمة الرياضة بإرجاعها إلى علم النفس وكان ذلك مقدمة لاكتشاف البعد الشعوري فيما بعد. ثم دخل هوسرل معركة ثانية لتحديد الصلة بين المنطق وعلم النفس فقد كتب قبل “بحوث منطقية” عدة مقالات عن “حساب التتابع” و “منطق المضمون”، وعن “جبر المنطق”، وكذلك “دراسات نفسية في المنطق الأولى”.
وقد حلل هوسرل المنطق الرياضي، هذا المنطق لم يستطع أن يشق طريق الفينومينولوجيا لأنه لم يستطع البحث عن الماهية بالحدس القبلي وإقامة الفلسفة وعلم النفس على معرفة الماهية، ولقد أتت الفينومينولوجيا وقامت بدور حاسم في تطوير المنطق الرياضي ونقله من علم للصور المنطقية إلى علم للانطولوجيا الصورية العامة، وأخيرا استطاعت الفينومينولوجيا شق طريقها وسط المنطق وعلم النفس في طريق ثالث وهو طريق الشعور، وبذلك استطاع علم النفس أن يتخلى عن ماديته كما استطاع المنطق أن يقضي على صوريته، أصبح علم النفس مادة للشعور والمنطق صورة له.
وفي خطوات المنهج الفينومينولوجي حيث يذكر حنفي أن هوسرل لم يكتف بوضع الفينومينولوجيا كعلم بل حاول صياغتها كمنهج للعلوم الإنسانية مكون من خطوات ثلاث: تعليق الحكم، والبناء والإيضاح Eclaircissement وعلى العكس من الدارسون الذين يكتفون عادة بذكر الخطوتين الأوليتين يؤكد حنفي على الخطوة الثالثة باعتبارها الخطوة الوحيدة التي يظهر فيها لفظ منهج في تعبير هوسرل Klaungs méthode. المنهج الفينومينولوجي هو في حقيقته عند حنفي منهج للإيضاح وما الخطوتان الأوليتان إلا مقدمة للخطوة الثالثة أو مجرد “أفكار موجهة” دون أن يتم صياغتها في قواعد للمنهج.
ويبين معنى تعليق الحكم الذي يعني وضع العالم بين قوسين أي عدم الحديث عن الظاهرة المادية وإزاحتها جانبا، وإخراجها من موضع الاهتمام، وعدم التعرض لها، أو إصدار حكم عليها، ويرمى هوسرل من ذلك إلى القضاء على الاتجاه الطبيعي بالتفرقة بين “علم الماهيات” الذي يأخذ الماهية موضوعا له “وعلم الوقائع” الذي يأخذ الواقعة موضوعا له. كما يفرق هوسرل بين التعالي وبين المباطنة. وقد خصص محاضرات خمس سنة 1907 لهذه التفرقة في كتابه “فكرة الفينومينولوجيا“.و يعني تعليق الحكم ثالثا “قلب النظرة” من الخارج إلى الداخل ورفض رؤية الظواهر في المكان بل رؤيتها في الزمان، خاصة وأن الفينومينولوجيا قد نشأت أساسا كتحليل للشعور الداخلي بالزمان، فالشعور لديه يتكون في ثلاثة أبعاد للزمان التوتر Tension والاستدعاء retention والانتظار protention.
نظرية البناء فالفينومينولوجيا
يأتي البناء كخطوة ثانية حيث يظهر الشعور كقصد متبادل مكون من قالب noése ومضمون noéme. وبذلك ينتهي هذا التعارض التقليدي بين الذات والموضوع، تكون الفينومينولوجيا تعبير عن الفكر المعاصر الذي لا يود اعتبار الموضوع شيئا بلا.
منهج الإيضاح: وبعد اكتشاف البناء تأتي الخطوة الثالثة أعنى لإيضاح مهمته توضيح الصلة بين الفينومينولوجيا والانطولوجيا، وكذلك الصلة بين الفينومينولوجيا وعلم النفس، وذلك لوجود ثلاث مناطق متداخلة: النفس، والبدن، والشيء، فالنفس موضوع الفينومينولوجيا والبدن موضوع علم النفس، والشيء موضوع الانطولوجيا، وهي المناطق الثلاث التي عرضها هوسرل في نظرية البناء فالفينومينولوجيا. ويفرق هوسرل بين أنواع عديدة من الإيضاح.
الإيضاح فيما يقول حنفي هو الحل النهائي لأزمة العلوم الإنسانية التي تقوم أساسا على الخلط بين المستويات أو على المزج بينها، والإيضاح ليس نظرية في المعرفة بل نظرية في الوجود يقوم على حفظ المستويات ثم على الربط بينها رابطا صحيحا. مهمة الإيضاح إذن هي الكشف عن الوحدة الباطنة في الوجود: وحدة المعرفة والوجود في الفينومينولوجيا، وحدة الذات والموضوع في الكوجيتو. خلاصة القول عند حنفي إن الإيضاح القائم على التمييز حركة إصلاحية في التاريخ، وذلك لأن مهمة الفينومينولوجيا مهمة إصلاحية، إن لم تبشر بعالم جديد، فعلى الأقل تحل أزمة العلوم الإنسانية.
يوضح حنفي في أزمة الشعور الأوربي: أن الفينومينولوجيا ليست نظرية في الذاتية فحسب، بل هي أيضا نظرية في العلاقات بين الذوات. وهناك نوعان من العلاقات الأول هو التجربة المشتركة التي يتم من خلالها الوصول إلى الموضوعية في العلوم الإنسانية وذلك باشتراك الذات مع الآخر في نفس التجربة الشعورية، والنوع الأخر من العلاقات بين الذوات هو التجربة المشتركة للحضارة كلها أو هو الشعور الجماعي، أو الشعور الحضاري. وبالتالي تظهر الفينومينولوجيا على أنها فلسفة في التاريخ يضع فيها الشعور الأوروبي في كفل مرحلة جنبا من الفينومينولوجيا حتى تأتي آخر مرحلة فيه لتكملها وتضعها مرة واحدة وإلى الأبد.
يتحدث حنفي عن مصادر الشعور الأوروبي ونقطتا البداية والنهاية. ويرى أن هوسرل لا يتحدث كثيرا عن مصادر الشعور الأوربي إذ انه يعتبر الحضارة الأوروبية خلقا أصيلا على غير منوال. ولا يذكر من مصادر الشعور الأوربي الثلاثة المتواضع عليها أعنى المصدر اليوناني الروماني، المصدر اليهودي المسيحي، البيئة الأوربية نفسها، إلا المصدر اليوناني الروماني ويهمل إهمالا يكاد يكون تاما المصدرين الآخرين.
أزمة العلوم الإنسانية أخطر بكثير مما نتصور إذ إنها تعبر عن أزمة الإنسانية الأوروبية نفسها أو أزمة الوجدان الأوروبي؛ الذي فقد عالم الحياة، هذه الأزمة التي يعبر عنها هوسرل بعديد من الألفاظ، وعلى هذا تكون الفينومينولوجيا عند حسن حنفي دعوة مثالية من نوع جديد، مثالية الشعور، أو تيارا روحيا إشراقيا من نوع تقليدي مثل سقراط وأوغسطين، أو إن شئنا نزعة صوفية يسهل على أي اتجاه اجتماعي عملي- كالماركسية- رفضها. فهي وإن كانت قد جاءت كرد فعل لأخطاء علمية في العلوم الإنسانية التي تبنت العلوم الطبيعية أو العلوم الرياضية كنموذج لها، إلا أنها لم تكن في نهاية الأمر سوى استكشاف لعالم الشعور(11).
فلسفة الحضارات المقارنة
كتب حسن حنفي في “حكمة الإشراف والفينومينولوجيا عن فلسفة الحضارات المقارنة (40). وتشمل المقارنة كما يخبرنا جوانب ثلاثة:
موضوعات موجودة عند الفيلسوفين وهي مادة المقارنة الأساسية مثل نقد كل منهما للاتجاه الصوري في المنطق وموقف كل منهما من الفلسفة اليونانية وتفضيلهما أفلاطون وتحليل الذاتية عند كل منهما على أنها قصد متبادل عند هوسرل واشتياق عند السهروردي ونظرية الحدس عند كل منهما وموقفهما من الرمز والمادة والإحساس والتخيل وموضوعات موجودة عند هوسرل يحاول تلمسها عند السهروردي مثل تحليل الزمان الباطني أو الكشف عن دو الآخر وموضوعات موجودة عند السهروردي يحاول تلمسها عند هوسرل مثل الموجودات النورانية، الموجودات المفارقة بوجه عام.
ويتناول حنفي خطأ نظرية المصدر الفارسي وعيوب المنهج التاريخي ينتقد فيها هنري كوربان الذي ترجم عدة مؤلفات من هيدجر للفرنسية؛ لأنه لم يدرس موضوعه دراسة فلسفية خالصة واكتفى بالمنهج التاريخي (ص299). والحقيقة أن الفكرة العامة للمقارنة بين الظاهريات وحكمة الإشراق قدمها لنا كوربان في دراسة هامة تحمل عنوان “الفلسفة المقارنة”. وقد ترجمناها ونشرناها بمجلة الجمعية الفلسفية المصرية.
ويقارن بين المنهج الإشراقي والمنهج الفينومينولوجي. وبالرغم من أن السهروردي لم يستخدم اللفظ بل يستعمل لفظ الطريقة. إلا أن هوسرل لا يستخدم اللفظ كثيرا إلا للإشارة إلى الإيضاح Klarung الذي يعتبره حنفي الخطوة الثالثة للمنهج بعد: التوقف عن الحكم، والتكوين، لا ينسي أن يذكر لنا أن المنهج عند هوسرل ليس مجرد قواعد رياضية باردة، بل هو موقف من الحياة يشير إلى اتجاه شعوري ورغم أن السهر وردي لم يترك لنا قواعد في المنهج فإن لدينا تطبيقات مباشرة له مرة في المنطق ومرة في الوجود (305). ويقدم لنا التشابهات التالية بينهما في المنهج:
فالتوقف عن الحكم رياضة ومجاهدة، ليس وضع العالم بين قوسين بل هو تجربة ومعاناة تحدث للباحث من أجل قلب النظرة من الخارج إلى الداخل. يأتي لنا حنفي بنصوص سهروردية تشير صراحة للقصدية من حكمة الإشراق وإذا كان الزمان الشعور له أبعاد ثلاثة عند هوسرل فإن الزمان عند السهروردي أيضا له أبعاد ثلاثة، وإذا كان الإيضاح هو مهمة التحليل الفينومينولوجي بالأصالة فإن حنفي يذكر لنا أن الإسراء والمعراج كانت وظيفتها عند السهروردي الإيضاح والتحقق المباشرة والرؤية الصافية(310).
ويخصص القسم الرابع للحدس والبرهان فهما معطيين للمنهج الإشراقي ونجد لدى هوسرل نفس الشيء؛ فالفينومينولوجيا تطلب شيئين الأول المعطى الشعوري من خلال التجربة الحية والثاني التحليل العقلي لهذا المعطى ووضعه في مناطق الشعور(312).
ثم يتناول المنطق الإشراقي والمنطق الترنسندنتالي. فهما محاولة لإصلاح المنطق الأرسطي وتخليصه من آثار المشائية التي تعني لديه الصورية الفارغة وتلك كانت غاية هوسرل أيضا من إعادة بناء المنطق الأرسطي وإقامة منطق ترنسندنتالي، أي منطق شعوري وإن كنا لا نجد عند السهروردي ما يعادل نقد هوسرل للنزعة النفسية في المنطق.
ويدور القسم السادس على ترتيب الوجود والانطولوجيا العامة؛ فإذا كان القسم الأول من حكمة الإشراق عن “ضوابط الفكر” بمثابة “فعل الشعور” فإن القسم الثاني منها عن الأنوار الإلهية ونور ومبادئ الوجود بمثابة “مضمون الشعور”، وبالرغم مما يبدو على انطولوجيا السهروردي من طابع كوني، إلا أنها في حقيقة الأمر كما كتب حنفي انطولوجيا شعورية تقوم على تشخيص الطبيعة والخلاصة أن كثيرا من عبارات السهروردي التي أوردها في وصف أحوال السالكين لتشابه عبارات هوسرل التي كشف بها عن مضمون الفينومينولوجيا الروحي. (337).
ويخصص القسم السابع والأخير عن ماذا بعد حكمة الإشراق والفينومينولوجيا. إلا أن هذا القسم الذي يريد أن يكون استشراقا لما بعد اكتفى بعرض الانتقادات الموجهة للفينومينولوجيا ورفضها، فهي تتلخص في كونها مثالية لكن يمكن الرد على ذلك كله بأن المثالية موقف واقعي”. وفي نفس الوقت يفيض في بيان الانتقادات لحكمة الإشراق لينتهي إلى أن البناء الشعورى أساس لبناء الواقع. قد يطبع الواقع بناءه على الشعور كما يطبع الشعور بناءه على الواقع، ولكن تظل العلاقة جدلية بين البناءين. وفي هذه اللحظة تعطينا حكمة الإشراق كما تعطينا الفينومينولوجيا مفتاحا لفتح عالم الشعور والدخول فيه (345).
الهوامش:
Les Méthodes d’Exégèse essai sur la science des fondements, de la compréhension II m usul al – Figh. Le Caire 1965.l’Exégèse de la phenomenology, l’etat actuel de la Méthode phénoménologique et son application an phénomène religiux, Paris 1966 Dar al-Fikr al -Arabie, le Caire 1976, la Phénoménologie de L’Exégèse essai d’une.Herméneutique existentielle á partir du Nouveau testament, Paris, 1966 Dar al-Fikr, le Caire, 1987.د. حسن حنفي: الدين والثورة في مصر، الكتاب السادس، مكتبة مدبولي القاهرة، ص228.المرجع السابق، ص231.المرجع السابق، ص243.“مناهج التأويل” هي موقفنا من التراث القديم لإعادة بناء العلوم الإسلامية القديمة ابتداء من تحديات العصر. و”تأويل الظاهريات” تمثل عنده موقفنا من التراث الغربي بداية بدراسة الوعي الفردي؛ الذي أسسه ديكارت والوعي الجماعي الذي أكمله هوسرل في “أزمة العلوم الأوربية” وصدر بيانها التأسيسي في “مقدمة علم الاستغراب”، المشروع والتطبيق المبدئي. و”ظاهريات التأويل”، هي الجبهة الثالثة “موقفنا من الواقع أو نظرية التفسير” بداية بالصلة بين النص والواقع في العهد الجديد باعتباره نصا دينيا مقدسا. يتلوه العهد القديم ثم القرآن في “المنهاج” حيث يتم عرضه موضوعيا في ثلاث دوائر متداخلة. الواعي الفردي، الوعي الاجتماعي، الوعي بالعالم. د. حسن حنفي: ماذا يعني علم الاستغراب، دار الهادي، بيروت 2005، ص111.. حسن حنفي: تأويل الظاهريات، الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي وتطبيقه في الظاهرة الدينية. مكتبة النافذة الجزء الأول، لقاهرة 2006 ص22.المرجع السابق ص30 سنضع في بقية الفقرة أرقام الاستشهادات قرين كل منها داخل المتن.Phenomenology of Medicine Islamic Medicine conference, Kuwait 29 Mar Ch. 2 April 1982, p. 469- 483.The Shores of Meridian Thought, Aphenomeological Analysis Da Oui magazine, Alberobélla, (BA), Italy 22-24, March 2001.Reciprocity of Consiousness A phenomenology of Counseling Primary Relfections, International Association for Counseling, UNESCA, 4-7 August 1998.Phenomenology and Islam Phenomenloeive website World Phenomenlogical Institute, Boston 2000.Is Mulla Sadra A Phonemenologist? The Relation Theosaphy and Phenomenology, World Congress om Mulla Sadra, Tehran 21-25 May 2004.حسن حنفي: فينومينولوجيا الدين عند هوسرل في كتاب تطور الفكر الديني الغربي، دار الهادي، بيروت 2004، ص364 والإحالات التالية داخل المتن.رفض الدين الرسمي بعقائده وشعائره ومؤسساته كما يفعل الصوفية عندما يرفضون تصور الفقهاء للدين. يرفض هوسرل كل الجانب العقائدي في الدين لأنه يند عن العقل أو على الأقل تحتاج كل عقيدة إلى دراسة وافية قد تستغرق العمر.يرفض هوسرل الإيمان المسبق بالعقائد كما تمليه الكنيسة على أنه الطريق الموصل إلى الله، ولا يرضى إلا بإيمان الفيلسوف أي بالوصول إلى الحقيقة بجهده الخاص دون مساعدة خارجية من الكنيسة أو حتى من الله. (384- 385).هناك بعض الاعترافات الأخرى التي تدل على إن هوسرل يجد في الوصايا على الجبل ما يغنيه عن الفلسفة وعن التحليل الفينومينولوجي. بل لقد تحول في أواخر حياته من اليهودية إلى المسيحية الكاثوليكية بوجه أخص ولا يعلم ذلك إلا خلصاؤه وأحباؤة كما قبل على يد تلميذه وصديقه انجاردن طقس العماد وقد عبر هوسرل في أيامه الأخيرة عن بعض المواحيد التي يعانيها الصوفية في لحظات جذبهم. (387)، حسن حنفي: الظاهريات وأزمة العلوم الأوربية.التذكاري شيخ الإشراق السهروردي، تصدير إبراهيم مدكور القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1972 أعيد نشره ثانية في كتاب حنفي دراسات إسلامية. دار الفكر العربي، القاهرة وهي الطبعة التي تشير إليها الأرقام هنا في دخل المتن.