مقالة حول الفلسفة الاسلامية

·

·

أولا: الفلسفة التقليدية ذات الاستلهام اليوناني:

كان هذا المجال هو أول ملفت أنظار المستشرقين فوهوا إلية عنايتهم وقاموا بالتأريخ له والكشف عن بعض مؤلفة أصحابة لكنهم توقفوا عند عدد يكاد يكون محدودا من أعلامة وهم:
الكندي (252ه-864م) والفارابي (339ه-950م) وابن سينا (428ه-1037م) وإخوان الصفا (القرن الرابع الهجري) ومسكوبة (421-1038) في المشرق العربي وابن باحة (533ه-1137م)وابن طفيل (581-1185م) وابن رشد (595ه-1198م) في المغرب والأندلس.
ومن المعروف أن هؤلاء الفلاسفة جميعا قد تلقوا الفلسفة اليونانية القديمة وما ارتبط بتا من مذاهب ونظريات لاحقة لها كالأفلاطونية المحدثة بقدر كبير من التوقير والإعجاب وتنوعت اهتماماتهم بتا في شروح وتلخيص وتعليقات لم تخل من طرافة لكن مفهومهم للفلسفة ظل قريبا جدا من مفهوم الإغريق لها وانقسمت لديهم كما لدى الإغريق إلى ثلاث مباحث رئيسية هي: الطبيعيات والرياضيات والإلهيات بالإضافة إلى المنطق الذي اعتبروه مدخلا أساسيا لهذه المباحث الثلاثة.
وحتى مبحث الأخلاق نجدة يتخذ لدى الفيلسوف الشهير الذي تخصص فيه وهو مسكوبة طابعا يونانيا شديد الوضوح إلى حد أنة يمكننا بسهولة أن نلاحظ تأثره البالغ بأرسطو ولا يكاد كتابة المعروف تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق يتجاوز كثيرا مقررة أرسطو من قبل في كتابة الأخلاق إلى نيقوماخوس
لكن أصالة الفلاسفة المسلمين تجلت على هامش هذا المجال في محاولتهم التوفيق بين الفلسفة والدين أو بين العقل والوحي([12]) وهى المحاولة التي سبقتها محاولة أخرى تتعلق بالتوفيق بين أفلاطون ذي النزعة المثالية الصوفية (كما فهموه) وبين أرسطو صاحب الاتجاه العقلي([13])
لاشك في أن هذا المجال أشبع درسا وتحليلا وعلينا أن نعترف بأن موضوعاته كما ركزوا على أعلامة وقد تبعهم في هذا كله الدارسون العرب إلى وقت قريب ومع ذلك فهناك بعض الموضوعات التي مازالت محتاج إلى جهود متميزة من هؤلاء الدارسين ويأتي في مقدمتها:

 

  • بيان قيمة الشروح والتلخيصيات التي قام بتا الفلاسفة المسلمون للفلسفة اليونانية القديمة وخاصة ما يتعلق منها بعلم المنطق
  • دور هؤلاء الفلاسفة في صياغة المصطلح الفلسفي العربي ومدى نجاحهم في توحيده ونشرة
  • إلقاء مزيد من الضوء على مبحثي الطبيعة والرياضيات خاصة وأن هذين الفرعين كان لهما أكبر الأثر في النهضة الأوربية خلال العصور الوسطى.
  • الاهتمام بالبحث عن المؤلفات المفقودة حتى الآن لهؤلاء الفلاسفة ويكفى أن نشير إلى أن الكندي الذي ذكر له ابن النديم 242 رسالة لم يصل منشر له منها خمس العدد!

 

علم الكلام

ظلت النظرة الفلسفية الإسلامية قاصرة تقريبا على المجال السابق خلال القران التاسع عشر وأوائل العشرين حتى بدأ الاهتمام بعلم الكلام الإسلامي([14]) ويتناول علم الكلام مسائل العقيدة إثبات وجود الله وصفاته والأنبياء ومعجزاتهم والبعث وما يتعلق بت من الثواب والعقاب في الآخرة ولا شك في أن هذه المسائل كانت موضع خلاف حاد بين المسلمين في القرون الثلاثة الأولى من تاريخ الإسلام وقد أدت أحيانا إلى منازعات حقيقية وتدخلت الحكومة في أحيان أخرى لنصرة إحدى الطوائف ضد منافسيها كما حدث مع المعتزلة في عهد المأمون (198 ه -813م-218ه-833م)
وقد استأثر أعلام المعتزلة في البداية باهتمام الدارسين الذين وجدوا في أمثال النظام (221ه-845م) والعلاف (235ه-849م)والجاحظ (255ه-869م) نماذج جيدة لازدهار الاتجاه العقلي في الإسلام وهو الاتجاه الذي يزيد من تحكيم العقل في مسائل العقيدة ويقرر حرية الاختيار لدى الإنسان ويقوم بالرد على المخالفين للإسلام بالمنطق دون النصوص ومما ساعد على تركيز الضوء بصفة خاصة على المعتزلة إن المستشرقين وجدوا فيهم مشابه من أحرار الفكر في أوربا خلال العصور الوسطى وبداية عصر النهضة([15]) وهذه في رأينا نظرة خاطئة لأن أسس المقارنة مختلفة فقد كان الشاعرة المنافسون الكبار للمعتزلة ذوى نزعة عقلية أيضا وعندما بدأ بالتدريج الدراسات حول أبى الحسن الأشعري(324ه-935م) والباقلانى(403ه-1013م) والغزالي (505ه-1111م) تبين بوضوح مدى مايحتوى علية اتجاه هؤلاء المفكرين الكبار من عنصر فكرية على درجة عالية من العمق والخصوبة فضلا عن أنة هو الاتجاه الذي ساد العالم الإسلامي تحت اسم مذهب أهل السنة والجماعة.

ولم يزل المعتزلة والشاعرة حتى الآن هما الطائفتين اللتين تدور حولهما دراسات الباحثين في علم الكلام لكن هناك طائفة ثالثة أقل حجما منهما هي الماتريدية (نسبة إلى أبى منصور الماتريدى ت333-945م)لم تحظ إلا ببعض الأبحاث القليلة على أن بعض الدراسات الحديثة أثبتت على خلاف ماهر شائع أن اتجاه الماتريدية أقرب إلى اتجاه المعتزلة منة إلى اتجاه الشاعرة([16])

وفى الثلاثين سنة الأخيرة زاد الاهتمام فجأة بين الدارسين بأحد أعلام أهل السنة وهو تقي الدين ابن تيمية (728ه/1327 م) أشهر من نادي بالعودة إلى منهج السلف في العقيدة وتعددت الجهود حول نشر مخطوطاته الكثيرة وبيان حقيقة مذهبة وتأثره وتأثيره بالمذاهب الأخرى المعاصر له أو اللاحقة ومن المعروف أن ابن تميمة هو الأب الروحي لأفكار محمد بن عبد الوهاب (606-1972م)زعيم المذهب الوهابي الذي انتشر في شبة الجزيرة العربية وأصبح حتى الآن هو المذهب الرسمي للدولة السعودية
وعلى الرغم من الجهود التي بذلت في بيان مذاهب علم الكلام فإن الكثير جدا من المخطوطات فيه مازالت حبيسة المكتبات الإسلامية والغربية وهى بحاجة إلى النشر والتحقيق حتى تمكن الدراسيين الجدد من كتابة التاريخ الكامل لتطور علم العقيدة الإسلامية
ويرتبط بعلم الكلام مجالان: أحدهما قريب الصلة بت وهو مقالات الفرق الدينية والمقصود بهذه الفرق كل من أهل السنة والشيعة والخوارج وتفرعاتها المستعصية حتى الآن على الحصر ولا شك أن الباحث الحديث يكاد يتوه في هذه المادة نتيجة لغزارتها من ناحية ولتوزعها بين العديد من المصادر المختلفة من ناحية أخرى ونحن نرى أنة لا بد أن يقوم بتجميع هذه المادة وتصنيفها فريق متكامل من الباحثين لإصدار ميمكن أن يكون قاموسا للفرق الإسلامية كلها.
أما المجال الثاني فهو مقارنة الأديان الذي يعنى في المقام الأول لدى المسلمين الدفاع عن الدين الإسلامي في مواجهة أصحاب الأديان الأخرى الذين هاجموه أو حاولوا الطعن فيه وقد جاءت مؤلفات علماء الإسلام في هذا الصدد غنية بالمعلومات التاريخية الهامة ومليئة بوسائل الإقناع العقلية كما تم عرض الإسلام بصورة جديدة وهنا نلاحظ ظاهرة عامة وهى اختفاء الاختلافات المذهبية بين العلماء الذين تصدوا لهذا العمل الجليل وتقاربهم في المنهج والأدلة وهكذا يمكن أن نضع إلى جوار بعض: الخياط المعتزل (احتمال 290 -902م)وابن كتيبة السلفي (276ه-889م) والغزالي الصوفي(505ه-1111م) وابن حزم الظاهري (456ه-1063م) والعامري الفيلسوف (381-922م)
وغنى عن التأكيد أن هذا المجال الحيوي يقدم للمفكرين المسلمين أهم العناصر للدفاع عن الإسلام ضد التحديات التي تواجهه في العصر الحاضر: ليس فقط تحديات الأديان الأخرى فقد بدأت تقيم معه حوارا مبدئيا وإنما تحدى الحركات الإلحادية الكبرى المنتشرة في العالم والتي تطرق بقوة أبواب المجتمع الإسلامي

التصوف في الفلسفة الإسلامية

اتجه المستشرقون في بداية القرن العشرين إلى دراسة التصوف الإسلامي بعد نشرهم الكثير من مخطوطاته الأساسية في نهاية القرن الماضي وما لبث هذا المجال أن استحوذ على إعجابهم إلى حد أن بعضهم كرس له حياته العلمية كلها وحسبنا أن نشير في هذا الصدد إلى أسماء المستشرقين الإنجليزيين يكلسون وآربرى والفرنسي: ماسين يون والأسباني أسين بلاثيوس والألمانيين :رويتر ومثير.
ولا جدال في أن التصوف الإسلامي قد مر بعدة أدوار تاريخية وقد تميز كل دور بخصائص مميزة ولمع فيه عدد كبير من الشخصيات التي كان لها تأثير كبير في بيئتها المعاصرة وفى العصور اللاحقة لها والواقع أن التجارب الروحية والنفسية التي بتا المتصوفة المسلمون لا تقتصر قيمتها على كونها تجارب شخصية أو فردية و إنما يمتد بعضها ليصبح تجاربه إنسانية بالغة العمق([17])
لكن أبحاث المستشرقين في هذا المجال اتجهت إلى التركيز على العناصر الأجنبية التي دخلت في بناء التصوف الإسلامي وركز البعض على التأثير الهندي والبعض الأخر على التأثير الفارسي أو التأثير اليوناني واتفق الجميع بالطبع على وجود التأثير المسيحي([18]) .
لكن هذه العناصر كلها إذا كانت قد دخلت بالفعل في بناء التصوف الإسلامي فإنها لتعدو أن تكون عناصر ثانوية لا تمس جوهر التجربة الصوفية الإسلامية كما صرح بذلك أخيرا أحد المستشرقين المعاصرين([19]) .
وعندما بدأ الدارسون العرب يتناولون مجال التصوف من وجهة نظر إسلامية تبين أن هذا المجال يحتوى على كثير من الإبداع والأصالة وقد أصبح لدينا في تاريخ الدراسة الحديثة للتصوف مجموعة من خيرة الباحثين الذين تقف أعمالهم على المستوى العلمي إلى جانب أبحاث المستشرقين بل إنها تمتاز عنها أحيانا بالفهم الصحيح لطبيعة النصوص الصوفية والوعي بمضمون المصطلحات والرموز المستخدمة في هذا الصدد وأصبح مثلا اسم د. أبو العلا عفيفي مرتبطا بمحيى الدين بن عربي(638ه-1240م) ود.محمد مصطفى حلمي مرتبطا بابن الفارض (632ه-1234م) ود.عبدا لحليم محمود مرتبطا بكل من المحاسبي(234ه-857م) والغزالي (505ه-1111م) ود, أبو ألوفا التفتازانى مرتبطا بكل من ابن سبعين (969ه-1561م) وابن عطاء الله السكندرى (707ه-1307م) ود.محمد كمال جعفر مرتبطا بسهل التسترى (283ه-896م)
لكن التصوف الإسلامي على الرغم من كثرة الدراسات التي دارت حوله والمخطوطات التي نشرت وحققت ومازال بحاجة شديدة إلى المزيد من الدراسات التي تحدد نشأته وتتبع تطوره في المناطق المختلفة التي عاش فيها وتبين علاقاته مع أوجه النشاط الديني والفكري التي عاصرته واشتبكت معه أحيانا في صراع حاد وكان لها بالتالي تأثير مباشر علية
كذلك فإن لغة التصوف الإسلامي –كما هو كعروق- لغة اصطلاحية وقد تصل في كثير من الأحيان إلى مستوى التعبير الرمزي لذلك فإن دراسة المصطلح الصوفي من أهم ماينبغى أن تتجه إلية الدراسات الحديثة
وأخيرا فإن المخطوط من التراث الصوفي مازال أكثر مما نشر وهو بحاجة إلى جهود متتابعة لإخراجه من مكتبات العالم المختلفة تمهيدا لدراسته وتحليله

 الأخلاق في الفلسفة الإسلامية

ظل هذا المجال لفترة طويلة خاضعا للتصور الذي وضعة المستشرقون وتابعهم في الكثير من الدارسين العرب ويتمثل هذا التصور في أن الممثل الأكبر للأخلاق الإسلامية هو مسكوبة(421-1038م) صاحب كتاب تهذيب للإخلاص وتطهير الأعراق بالإضافة إلى عناصر متفرقة من الطريات الأخلاقية موجودة لدى الفارابي وابن سينا وإخوان الصفا والواقع أن دراسة الكتاب السابق تثبت بما ليدع مجالا للشك أن الفكر الأخلاقي لدى مسكوبة لا يبعد كثيرا عن الفكر الأخلاقي لدى أرسطو بصفة خاصة والنتيجة لهذا التصور أن نظرية الأخلاق الإسلامية ليست إلا نقلا صريحا اكتسى فقط بصبغة دينية للنظرية اليونانية القديمة([20]) …