معرفة النفس وإكتشافها قد تكون الهدف الرئيسي من وجودنا في هذه الحياة، لذلك ليس من الغريب أن كل الفلسفة وعلم النفس مبنية على السؤال: من أنا .. ومن أكون.. وإنبثقت جملة “أعرف نفسك” من لسان كل عارف وحكيم على مر الدهور والأجيال..
واحدة من أبسط الوسائل لمعرفة النفس وإكتشافها، النظر لكل شئ أمامك على أنه إنعكاس لشئ داخل نفسك ..حتى يوضح الكلام إليك هذه القصة القصيرة من مقدمة كتاب: لماذا من حولك أغبياء؟ للدكتور وفنان الكاريكاتير المعروف والكاتب والمحاضر في التنمية الذاتية شريف عرفة.. قصة بعنوان حكيم الصحراء..
يقول الكاتب:
حينما نتكلم عن الإسترخاء والتأمل لا يتبادر إلى أذهاننا سوى الجلوس أمام البحر وتأمل أمواجه المثابرة .. لكن ماذا عن واحة في وسط الصحراء ؟ فكرة بدت لي مستساغة إلى حد كبير منذ سنوات في إحدي إجازاتي السنوية .. كان هذا سبب سفري إلى واحة سيوة .. كنت جالساً على قمة ذلك الجبل الذي خرج منه كهنة آمون بنبوءة تخبر بقدوم الأسكندر الأكبر منذ قرون .. متأملاً قمم أشجار النخيل في الأسفل .. لك أن تتخيل هذا الجو الساحر !
كنت جالساً بجواري رجل ودود من بدو هذه الواحة الصغيرة يتأمل المنظر في شرود .. كنت قد تعرفت عليه على سبيل تمضية الوقت .. قطع الرجل حبل الصمت بأن قال:
أريد أن أسألك سؤالاً يا دكتور ..
قلت له: تفضل
نظر لى وسأل .. ما رأيك في سيوة؟؟
فكرت قليلاً ثم أجبت: واحة جميلة هادئة .. أهلها طيبو القلب ويحبون مساعدة الناس ..
إبتسم الرجل ونظر أمامه دون أن يعلق .. فسألته : لماذا سألت هذا السؤال؟
أجاب البدوي في هدوء: أنت طيب القلب وتحب مساعدة الناس ..!
أشكرك على هذه المجاملة اللطيفة .. لكن أجبني، لماذا سألتني هذا السؤال ؟
إبتسم وقال: كي أعرف من أنت !
لم أفهم ما يرمي إليه .. فتابع:
هناك قصة قديمة أريد أن أرويها لك كي تفهم ما أعني ..
كانت هناك قرية صغيرة لم يعرف أهلها التمدن بعد .. وكانوا يسمعون عن الأعاجيب عن المدينة وعاداتها المختلفة .. وكانوا يريدون أن يعرفوا حقيقة ما يسمعون عنها طوال الوقت .. وفي أحد الأيام سافر منهم رجلان إلى المدينة .. غابا لفترة ثم عاد واحد منهما .. إلتفوا حوله وسألوه : كيف وجدت المدينة ؟! وكيف هم أهلها ؟ وما حقيقة ما نسمعه عنها؟؟
أجابهم الرجل بكل ثقة:
لقد ذهبت بنفسي وعرفت الحقيقة وهي أن المدينة هي مرتع الفساد وكل أهلها سكيرون لا يدينون بشئ .. لقد كرهت المدينة ..
عرف الناس الإجابة التى إنتظروها طويلاً فإنفضوا وعاد كل منهم لعمله ..
وبعدها بأيام عاد الرجل الثاني .. لم يهتموا بسؤاله عن رأيه في البداية، إلا أنهم التفوا من حوله حين وجدوا له رأياً لم يتوقعوه ..
قال:
لقد ذهبت بنفسي وعرفت الحقيقة .. وهي أن المدينة مليئة بدور العبادة وكل أهلها متدينون طيبون .. لقد أحببت المدينة !!
أصيب الناس بالإرتباك .. هل المدينة سيئة أم جيدة؟ هل أهلها أخيار أم أشرار؟
لم يجدوا مجيباً على هذه الأسئلة إلا حكيم القرية ..
كان شيخاً كبيراً خبر الحياة وعرف الكثير ويثق الجميع في في رأيه .. كان هو ملازهم الوحيد ..
فذهبوا إليه بالقصة وسألوه : أحدهم قال أن المدينة فاسدة مليئة بالأشرار ..
والآخر قال إنها فاضلة ملية بالأطهار .. أي منهما نصدق !؟
أجاب الحكيم: كلاهما صادق !
وحين رأى نظرات الحيرة على وجوههم أستطرد:
الأول لا أخلاق له , لذا ذهب إلى أقرب حانة حين وصل للمدينة , فوجدها ممتلئة بالناس .. بينما الثاني متدين صالح .. لذا ذهب إلى المسجد حين وصل للمدينة فوجده ممتلئاً بالناس ..
وأضاف:
من يري الخير فهو لا يري إلا ما في داخل نفسه..
ومن يرى الشر فهو لا يرى إلا ما في داخل نفسه..
وأضاف البدوي:
لذلك قلت لك إنك طيب القلب وتحب مساعدة الناس .. لأن هذا ما تراه في داخلك !!
ويقول الكاتب:
لم أعرف مدي حكمة هذه القصة إلا حين تخصصت في الكتابة في مجال التنمية الذاتية ..
فقد أدركت أنك تستطيع أن تجعل حياتك سعيدة وواقعك رائعاً ..
فقط إذا غيرت شيئاً ما في داخلك .. فهذا هو مفتاح كل تغيير في حياتك ..